مخاوف من عجز الميزانية الأميركية في العام الانتخابي تجمد خطة أوباما لتحفيز الاقتصاد

أزمة الائتمان رفعت قيمة عجزها إلى 1.4 تريليون دولار العام الماضي

يشن الجمهوريون انتقادات شديدة على خطة أوباما للتحفيز الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
TT

بعد أسبوع من محاولة الرئيس أوباما إعادة تحفيز جهوده لضمان مزيد من الإنفاق الموجه للاقتصاد، تجمدت أجندته داخل كابيتول هيل جراء المخاوف خلال العام الانتخابي حيال العجز في الميزانية.

الملاحظ أن الكونغرس لم يقدم سوى قرابة ربع مبلغ الـ266 مليار دولار في إطار «إجراءات مؤقتة لاستعادة العافية الاقتصادية» الذي سعى الرئيس للحصول عليه في طلب الموازنة الذي تقدم به في فبراير (شباط)، بينما تجاهل جزءا كبيرا من المبلغ المتبقي. ومن غير المحتمل أن توجه أموال أخرى بهدف تحفيز الاقتصاد إلى متلقي الضمان الاجتماعي. ومن المحتمل أنه بحلول ديسمبر (كانون الأول) القادم، ستنتهي الاعتمادات الضريبية المرتبطة ببرنامج أوباما المعروف باسم «اجعل العمل يدفع» (Making Work Pay)، وهو مبادرة متميزة يشير إليها الرئيس بانتظام باعتبارها تشكل خفضا ضريبيا لـ95 في المائة من الأميركيين.

حتى المساعدات الحكومية التي وصفها أوباما الأسبوع الماضي بالحرجة، التي أسهمت في منع تسريح مئات الآلاف من المدرسين والموظفين الحكوميين الآخرين، تتداعى؛ فبعد أيام من المحادثات، فشلت القيادات التابعة للحزب الديمقراطي داخل مجلس الشيوخ مجددا الخميس الماضي، في الحصول على نسبة الـ60 صوتا المطلوبة للموافقة على توفير الأموال، ورحلوا عن المدينة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع من دون وجود خطة واضحة للفترة المقبلة.

وفي حال عدم توفير الكونغرس إنفاقا إضافيا للتحفيز، يحذر خبراء اقتصاديون داخل وخارج الإدارة من أن البلاد بذلك تواجه مخاطرة الدخول في فترة طويلة تهيمن عليها البطالة، أو الرجوع مجددا لحالة الركود، وهو السيناريو الأكثر إثارة للرعب، إلا أن التهديد المقابل - تفجر عجز الميزانية الفيدرالية - يبدو أكثر قوة في عيون أعضاء الكونغرس والناخبين.

بغض النظر عما إذا كان توجه أوباما القائم على ضرورة تحقيق مزيد من الإنفاق الآن وتناول مسألة العجز لاحقا، الذي تناوله في خطاب وجهه لقيادات الكونغرس (السبت) يعد الوصفة الاقتصادية المناسبة، يرى بعض المشرعين أنه أشبه بثرثرة سياسية غير ذات جدوى. وتكشف استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين يعتقدون أن حزمة المحفزات الاقتصادية الأولى التي طرحها أوباما نجحت، لكنهم أعربوا عن آراء متضاربة إزاء ما إذا كان يتعين على واشنطن إنفاق المزيد على الوظائف أم الشروع في الاهتمام بالدين الوطني.

من جانبهم، يمضي المسؤولون الفيدراليون قدما في الاعتماد على نظرية، مفادها أن الناخبين سيزيد غضبهم إذا ما ألغت واشنطن الإنفاق الإضافي وشرعت معدلات البطالة في الصعود من جديد. يحاول البيت الأبيض تقديم أداء أفضل على صعيد الترويج لحزمة المحفزات الأصلية البالغ قيمتها 862 مليار دولار، التي أقرت العام الماضي، ولاقت ترحيبا شديدا من الكثير من الخبراء الاقتصاديين.

في هذا السياق، قال ديفيد أكسلرود، المستشار البارز لدى البيت الأبيض: «إن هذه بيئة تتسم بقدر بالغ من التحيز ضد الحكومة والإنفاق الحكومي. لكن من الحماقة القول إن علينا التراجع عن الخطوات اللازمة للاستمرار في جهود دفع الاقتصاد لاستعادة عافيته كسبيل للتعامل مع مشكلتنا المالية».

الواضح أن النقاش الدائر حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى بمقدورها توفير مزيد من الإنفاق الذي يهدف لتحفيز الاقتصاد اكتسب أهمية ملحة أكبر في الشهور الأخيرة، خاصة في أعقاب إثارة خطر إشهار إفلاس اليونان مخاوف عالمية حيال الصحة الاقتصادية للدول ذات العجز الضخم في الميزانية. في الأسابيع الأخيرة، ركزت الإدارة على تجميد ما وصفته بالإنفاق غير الضروري، واستهداف جرائم الاحتيال، وتقليص البرامج المكلِّفة. علاوة على ذلك، كلف أوباما لجنة خاصة بإيجاد سبل لتقليص العجز في الميزانية على المدى البعيد، إلا أن أكسلرود شدد على أنه «من المتعذر نجاح أي إصلاح مالي ذكي من دون استعادة الاقتصاد عافيته. يجب علينا أن نضع قدما أمام الأخرى».

كانت الظروف الاقتصادية المتردية أحد أبرز العوامل التي تسببت في عجز الميزانية بقيمة 1.4 تريليون دولار العام الماضي. الواضح أن الضرائب التي يجري جمعها انخفضت بشدة، في الوقت الذي تفاقم الإنفاق على الفقراء والعاطلين. وبينما تسببت أموال التحفيز الاقتصادي في تفاقم العجز، فإن مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس، الذي لا يخضع لحزب بعينه، أشاد بإجراءات التحفيز، باعتبارها نجحت في تجنيب البلاد الوقوع في كارثة. في تقرير صدر في مايو (أيار)، أعلن مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس أن التخفيضات الضريبية وإجراءات الإنفاق الجديدة نجحت في الحفاظ على ما يصل إلى 2.8 مليون وظيفة خلال مارس (آذار)، مما حال دون ارتفاع معدلات البطالة.

هذا الأسبوع، أعطى جو بايدن، نائب الرئيس، شرارة البدء في حملة تستمر لستة أسابيع تحت عنوان «صيف استعادة النشاط»، ترمي للدفاع عن خطة التحفيز الاقتصادي وجذب الانتباه إلى الزيادة الكبيرة التي شهدتها المشروعات الممولة من أموال التحفيز الاقتصادي التي باتت جاهزة لاستقبال عمال والانطلاق. وبالفعل، تعمل فرق العمل في أكثر من 10000 مشروع على طرق سريعة، و800 مشروع لمنتزهات وطنية و82000 مشروع لحماية المنازل من عوامل الطقس الضارة التي يتوقع البيت الأبيض أن تساعد في حماية مليون وظيفة إضافية بحلول نهاية سبتمبر (أيلول).

سافر أوباما إلى كولومبوس في أوهايو، وهي الأولى من بين أكثر من 20 محطة توقف في جولته بعنوان «صيف استعادة النشاط». وبينما أحاط به عمال في الطرق والسلامة، عمد أوباما إلى تذكير الحشد بمدى سوء الأوضاع منذ عام مضى، «عندما كانت أميركا تخسر 700 ألف وظيفة شهريا»، و«أدركنا أنه إذا فشنا في التحرك، فإن الأمور لن تزداد إلا تفاقما». كما طرح شرحا موجزا لإجراءات الإنفاق على التحفيز الاقتصادي. وقال أوباما إنه بفضل هذه الإجراءات لا يحصل عمال البناء على وظائف فحسب، وإنما ينسحب هذا القول أيضا على العاملين في المطاعم المحلية، حيث يتناول هؤلاء العمال طعامهم.

إلا أنه اعترف بأن «الكثير من الأسر والمجتمعات لم تشعر بعد بتأثير استعادة النشاط الاقتصادي عافيته على حياتهم». كما لم يكرر أوباما المناشدة الملحة التي ضمنها في خطابه لقيادات الكونغرس (السبت) للموافقة على المزيد من إجراءات الإنفاق.

بالنظر إلى المناخ العام السيئ المسيطر على الكونغرس، تنازل البيت الأبيض عن بعض مقترحاته الأصلية بشأن الإنفاق الجديد. مثلا اعترف مسؤولون في الإدارة بأن الاعتمادات الضريبية تحت عنوان «اجعل العمل يدفع» التي شارفت فترة العمل بها على الانتهاء، وسبق إقرارها في إطار خطة التحفيز الاقتصادي، لم تترك انطباعا إيجابيا داخل الكونغرس. وقد اقترح أوباما تمديد البرنامج الذي يوفر 400 دولار سنويا للأفراد العاملين، على امتداد العام المقبل.

لكن تبقى مقترحات أخرى على رأس الأولويات. على سبيل المثال، ساور القلق الخبراء الاقتصاديين التابعين للبيت الأبيض حيال الأوضاع المالية لحكومات الولايات التي سرحت 84 ألف عامل هذا العام. ويطالب حكام الولايات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تقديم مساعدات لهم. في إطار الموازنة التي اقترحها، طلب أوباما من الكونغرس 25 مليار دولار لسد ثغرات في ميزانية الولايات. وأضاف لاحقا 23 مليار دولار لحماية الوظائف المرتبطة بالتدريس في المدارس العامة.

في إطار مقابلة أجريت معه، قال لورانس إتش سمرز، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، إن الإخفاق في دفع هذه البرامج قدما «سيزيد بصورة تكاد تكون مؤكدة من المخاطر التي تواجهها مسألة استعادة الاقتصاد عافيته، وسيرفع معدلات البطالة، وسيؤخر اللحظة التي يصبح فيها الاقتصاد قادرا على الاعتماد على نمو القطاع الخاص فقط».

إلا أن تيار المحافظين يختلف مع وجهة النظر تلك، فمع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي، يشن الجمهوريون انتقادات شديدة على خطة التحفيز الاقتصادي، ويعمدون إلى تصويرها كبرنامج لا قيمة له تسبب في تفاقم العجز، بينما فشل في خلق وظائف في القطاع الخاص. وقد بعث جون إيه. بوهنر زعيم الأقلية بمجلس النواب، الأسبوع الماضي، خطابا إلى أوباما موقعا من جانب 100 خبير اقتصادي يشير فيه إلى أن 95 في المائة من الوظائف التي جرى توفيرها في مايو (أيار) كانت فرص عمل مؤقت لها صلة بالإحصاء السكاني الأميركي.

من جانبه، قال دوغلاس هولتز إيكين، المدير السابق لمكتب شؤون ميزانية الكونغرس، الذي وفر المشورة للسيناتور الجمهوري جون ماكين خلال حملته الانتخابية الرئاسية إن إجراءات التحفيز المالي «ليست استراتيجية فاعلة على نحو خاص، لذا دعونا نوقفها».

لكن الخبير الاقتصادي مارك زاندي، الذي قدم المشورة لحملة ماكين وأعضاء ديمقراطيين في الكونغرس، أعلن تأييده لدعوة أوباما لتوجيه مزيد من المساعدات إلى الولايات، موضحا أن الأوضاع المالية للولايات «عائق خطير أمام النمو الاقتصادي».

وأضاف أمام حشد من المراسلين الصحافيين أخيرا: «الاحتمال الأكبر أن الاقتصاد لن يعود لحالة الركود خلال الشهور القادمة، لكن هناك احتمالا كبيرا أن أكون مخطئا في وجهة نظري».

من ناحيتهم، قال ديمقراطيون داخل مجلس الشيوخ إنهم سيحاولون مجددا الأسبوع القادم اجتذاب الـ60 صوتا اللازمة لتمرير حزمة المساعدات الموجهة إلى الولايات، وتقديم إعانات بطالة وتخفيضات ضريبية. لكن لا تزال احتمالات نجاحهم في ذلك غير واضحة.

في تلك الأثناء، يتطلع الديمقراطيون داخل مجلس النواب إلى تخفيض الأموال الموجهة للمدرسين، واقترح الكثير من العناصر البارزة بينهم تمويل كلا الحزمتين من الأموال النقدية التي لم تنفق بعد، التي تخص حزمة التحفيز الأصلية، وهي خطوة من شأنها تقليص أي تأثير إيجابي على الاقتصاد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»