مجموعة العشرين تجتمع في تورونتو وسط خلافات حول الديون والإصلاح المالي

واشنطن تريد التركيز على سياسات تدعم النمو الاقتصادي من أجل خلق فرص العمل

TT

تجتمع مجموعة العشرين في تورونتو نهاية هذا الأسبوع وسط انقسامات كبيرة بين الدول التي تمثل أكبر اقتصادات العالم. وبينما كانت اجتماعات مجموعة العشرين الثلاثة الماضية عقدت في أوج الأزمة الاقتصادية مما حفز قادة تلك الدول على التصرف بحزم والتوصل إلى إجماع حول قضايا مثل ضخ الأموال في المؤسسات المالية المضطربة، يجتمعون هذا الأسبوع في ظروف مختلفة مع تفاوت الأفكار حول أفضل الطرق للمضي قدما في تعافي الاقتصاد العالمي الذي يحذر الخبراء من هشاشته.

وتمضي اقتصاديات القوى الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل قدما وتحقق نموا بصورة لافتة، مظهرة علامات ضعيفة من التأثر جراء أزمة المصارف العالمية دفعت العالم إلى ركود في العام الماضي. إلا أن النمو في الدول المتقدمة مثل ألمانيا وبريطانيا ما زال قليلا وهشا، بينما تعاني دول مثل إسبانيا والولايات المتحدة من نسب بطالة قياسية.

ولقد أحدثت هذه المسارات المختلفة اختلافات حادة بشأن ما يتعين فعله على الساحة الدولية. وقال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في خطاب إلى نظرائه من قادة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي إن الدول ستشكل خطرا على الانتعاش العالمي إذا خفضت الإنفاق العام. واعتبر أنه «يجب أن تتمثل أولويتنا القصوى في تورونتو في حماية وتعزيز الانتعاش... بذلنا جهدا استثنائيا لاستعادة النمو، ولا يمكننا تركه يتداعى أو يفقد قوته الآن». وقد حمل أوباما الرسالة نفسها في اتصالاته بقادة عدد من الدول خلال الأيام الماضية، مثل رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، ورئيس وزراء كندا ستيفن هاربر، استعدادا لقمة تورونتو نهاية الأسبوع.

وتمضي الولايات المتحدة قدما على الرغم من عجز موازنتها بنسبة تفوق 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويدرس الكونغرس حزمة إنفاق أخرى بقيمة 100 مليار دولار للمساهمة في خفض نسبة البطالة في الولايات المتحدة التي بلغت 9.7 في المائة. ومن ناحية أخرى، بدأت دول الاتحاد الأوروبي بالفعل في كبح أزمة الإنفاق الخاصة بها. وأعلنت عواصم أوروبية عمليات خفض ضخمة في إنفاقها في الأسابيع الأخيرة، متأثرة بمخاوف من حدوث رد فعل عنيف للسوق تجاه دول مثل اليونان، التي يعتبر عجز موازنتها لا يمكن تحمله.

واتفقت قمة للاتحاد الأوروبي عقدت الأسبوع الماضي أنه يتعين على الكتلة دفع الأعضاء الآخرين في مجموعة العشرين تجاه خفض الإنفاق لا زيادته. وتجلس كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا إلى طاولة مجموعة العشرين بالإضافة إلى قادة المفوضية الأوروبية.

وذكر بيان قمة الاتحاد الأوروبي: «نظرا للمخاطر الكبرى التي انبثقت مؤخرا من حزم التحفيز المالي الاستثنائية التي تستهدف تحقيق استقرار الموازنات العامة، فإنه يتعين على مجموعة العشرين الاتفاق على استراتيجية خروج منسقة ومتباينة لضمان استدامة الموارد المالية العامة».

وأدى التضامن الملح للاتحاد الأوروبي بالفعل إلى تغيير في اللهجة عندما اجتمع وزراء مالية مجموعة العشرين في بوسان بكوريا الجنوبية في وقت سابق هذا الشهر. ودعا البيان الصادر عنهم إلى الحفاظ على إجراءات التحفيز المالية إلى أن يتماسك الانتعاش العالمي، بدلا من التركيز على أهمية وضع موازنات حكومية لا تعاني من عجز كبير.

وعلى الصعيد المالي، أخفى قادة الاتحاد الأوروبي خلافاتهم الخاصة من أجل مطالبة مجموعة العشرين بدفع فرض ضريبة دولية على المعاملات البنكية التي تتسم بالخطورة إلى جانب فرض ضريبة عالمية على المعاملات المالية.

وكلتا الدعوتين تستندان إلى الرغبة في جعل البنوك تدفع تكلفة الاضطراب الذي أصاب الأسواق العالمية في أعقاب انهيار النظام المصرفي في عام 2008. بيد أنه لا يوجد اتفاق سواء في الاتحاد الأوروبي أو مجموعة العشرين بشأن كيفية تطبيق الأمر.

وتعارض البلدان النامية والصناعية الأصغر ضرائب البنوك المنسقة، معللين ذلك بأنهم لم يضطلعوا بأي دور في إشعال الأزمة المالية العالمية. وتقود كندا التي تستضيف قمة العشرين هذا الموقف. وأسقط فرض ضريبة على البنوك من قائمة أولويات الولايات المتحدة، حيث إنها تدفع من أجل إجراء إصلاحات مالية أشمل. ومع هذا، طالبت إدارة أوباما بالفعل بفرض ضريبة على المؤسسات المالية الأميركية لاستعادة تكلفة حزمة إنقاذ الصناعة في السنوات القليلة الماضية.

كما أخفق وزراء مالية مجموعة العشرين في التوصل إلى اتفاق بشأن مسألة فرض ضريبة على البنوك في اجتماع بوسان. ولا يتوقع أن يكون هناك قرار نهائي للنزاع إلى أن تعقد القمة القادمة لقادة مجموعة العشرين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وحتى في الاتحاد الأوروبي، لا يوجد اتفاق بشأن نوع الرسوم التي سيتم فرضها وسبل استغلال الأموال التي سيتم تحصيلها. وتقود ألمانيا ولوكسمبورغ دعوات لفرض ضريبة على التعاملات المصرفية، بدعوى أن هذا سيوفر مخصصات مالية ضخمة وسيكبح من التعاملات المصرفية التي تتسم بالخطورة دون التسبب في حدوث ضرر كبير للمستهلكين أو المركز المالي للبنوك. لكن السويد وبريطانيا والتشيك تعارض هذا الاتجاه.

ومن جهة أخرى، تحاول واشنطن التصدي لمواجهة علنية مع بكين حول عملتها خلال قمة العشرين، ولكن في الوقت نفسه تطالب الولايات المتحدة الصين بتخفيف القيود على عملتها. وجدد الشركاء التجاريون للصين وخصوصا الولايات المتحدة ضغوطهم في الأشهر الأخيرة لتحسين سعر اليوان. وتنتقد واشنطن خفض قيمته معتبرة أن ذلك يؤدي إلى خفض أسعار الصادرات الصينية ويعزز الخلل في الاقتصاد العالمي.

وأعلن البنك المركزي في الصين أنه سمح لسعر صرف اليوان بأن ينخفض مقابل الدولار، أمس، بعدما تعهدت السلطات تخفيف القيود على سعر صرف العملة الوطنية .وأعلن البنك معدل سعر صرف يبلغ 6.8102 مقابل الدولار، أمس، أي أقل بـ0.18 في المائة عن سعر أول من أمس الذي بلغ 6.7980 للدولار. وسجل اليوان ارتفاعا طفيفا في التعاملات في الصين ليصل إلى 6.8070 في سوق الصرف الرئيسية قبل أن يغلق على 6.8124، بحسب نشرة داو جونز المالية.

ووعدت السلطات الصينية السبت بإزالة بعض القيود على سعر صرف اليوان مقابل الدولار، إلا أنها استبعدت إجراء أي تغييرات كبيرة على العملة أو تعديل قيمتها.

واستأنف البنك المركزي الصيني عملية زيادة قيمة اليوان مطلع الأسبوع، معلنا أنه سينهي عامين من تثبيت اليوان أمام الدولار الأميركي. وارتفع اليوان بنسبة معتدلة بلغت 0.4 في المائة أمام الدولار خلال تعاملات يوم الاثنين في أول زيادة منذ يوليو (تموز) عام 2008.

وقال أوباما إنه يرحب بالتنازل الصيني باعتباره «خطوة بناءة يمكن أن تساهم في حماية التعافي» لكنه لا يزال يخطط إثارة نزاع سعر الصرف خلال قمة مجموعة العشرين المقررة في تورونتو مطلع الأسبوع القادم.

وكانت الضغوط الداخلية قد تزايدت على أوباما فقط بعد أن أظهرت بيانات التجارة لشهر مايو (أيار) الماضي أن الصادرات الصينية للولايات المتحدة قفزت بنحو 50 في المائة. ولكن الصين تنفي أن يكون فائضها التجاري الضخم سببه قيمة اليوان، ومن المستبعد أن يقدم الرئيس الصيني هو جينتاو مزيدا من التنازلات في تورونتو.

وقلل مسؤولون صينيون من أهمية أسعار الصرف قبيل قمة العشرين، متهمين المنتقدين الأميركيين بتسييس القضية وجعل الصين كبش فداء للمشكلات الاقتصادية الأميركية.

ومن المرتقب أن يبحث أوباما الاقتصاد العالمي مع الرئيس الروسي الذي يستقبله في البيت الأبيض اليوم، كما أن المسؤولين الأميركيين يعملون على الترويج للرؤية الأميركية لمستقبل الاقتصاد العالمي، التي ترتكز على أهمية خلق فرص العمل لتحريك الاقتصاد واستدامة النمو. ويذكر أن نسبة البطالة في السوق الأميركية وصلت إلى 9.7 في المائة ولا توجد توقعات بارتفاعها، بينما نسبة النمو لهذا العام 3 في المائة، بعدما كان يتقلص بنسبة 6 في المائة. وقال وزير الخزانة الأميركي تيم غايتنر، ومدير المجلس الاقتصادي في البيت الأبيض لاري سامرز، في مقال مشترك نشرته صحيفة «وال ستريت جورنال» إن «النمو الأقوى مع خلق فرص عمل هنا في الولايات المتحدة تعتمد على توسيع الاقتصاد العالمي، وقمة مجموعة العشرين هذا العام تزود فرصة مهمة للتركيز على السياسات المطلوبة لدعم النمو». وأضافا: «في تورونتو، سنتخذ خطوات تضمن أن يستمر التعافي الحالي بنفسه»، وذلك بناء على خطوات لاستقرار الاقتصاد العالمي الذي نما بنسبة 20 في المائة خلال الأشهر الـ15 الماضية. وشددا على أهمية أن يكون «الطلب العالم قويا ومتوازنا»، بالإضافة إلى عدم تقليص الصرف العام إلى حين استقرار تعافي القطاع الخاص.

ومن اللافت أن غايتنر وسامرز أشارا إلى أزمة خليج المكسيك والبقعة النفطية فيها، وكتبا: «علينا معالجة التحدي العاجل لاحتياجاتنا فيما يخص الطاقة، كما أظهرت أزمة الخليج» المكسيكي. ومن المتوقع أن يطلب أوباما من قادة دول العشرين توضيح سياسات تقلل من الاعتماد إلى الوقود الأحفوري.