هل ستؤثر «ميزانية التقشف» على الاستثمار والشركات في بريطانيا؟

شعار الحكومة الجديدة «بريطانيا مفتوحة للاستثمار»

جورج أوزبورن وزير الخزانة البريطاني مغادرا مبنى التلفزيون إثر مقابلة تناولت أول ميزانية للحكومة الجديدة أمس (رويترز)
TT

تباينت ردود الأفعال في أوساط المستثمرين البريطانيين والأجانب حول ما إذا كانت ميزانية «التقشف» التي أعلنتها الحكومة هذا الأسبوع ستغير من وضع لندن كمركز مالي كبير، أو من وضع بريطانيا كبلد جاذب للاستثمار. ولفهم أهم ملامح الميزانية بالنسبة للمستثمرين والشركات والبنوك (المحلية والأجنبية) في هذا التقرير يتم استعراض ثلاث ضرائب أساسية تم تعديلها في الميزانية الجديدة: وهي ضريبة الشركات، وضريبة البنوك، وضريبة أرباح رأس المال.

* ضريبة رأس المال Capital Gain Tax

* رفع وزير الخزانة البريطاني، جورج أوزبورن، في ميزانيته للسنة المالية الجديدة ضريبة الأرباح على رأس المال Capital Gain Tax من 18% حاليا إلى 28% لأصحاب الدخل العالي فقط، أي أنها لن تطبق على أصحاب الدخل المتوسط والمتدني. وبالمقارنة مع الوضع السابق فقد كانت نسبة الـ18% تنطبق على الجميع بصرف النظر عن مستوى دخولهم. وكانت الأسواق تخشى زيادة تصل إلى 50%، مما دفع البعض للتعبير عن ارتياحه من أن الزيادة لم تكون بالضخامة التي كانت متوقعة. وتنطبق هذه الضريبة على الأرباح التي تتحقق من بيع ممتلكات كالعقارات أو الأسهم. ولأن بعض المستثمرين كانوا يتحايلون على هذه الضريبة بنقل ممتلكاتهم إلى أفراد أسرهم، فقد غير وزير المالية هذا القانون بحيث أصبحت الضريبة تدفع في حالة البيع أو حتى تحويل الأسماء من شخص لآخر. وبالطبع، تدفع الضريبة فقط على الربح المحقق من البيع وليس على القيمة الكاملة للعقار أو الأسهم. كما أن مبلغ الـ10.100 جنيه إسترليني الأول معفي من الضريبة، لكن كل ما زاد عنه يخضع لضريبة الأرباح.

أما بالنسبة للمخترعين أو أصحاب الاستثمارات التي تنطوي على صناعات أو تقنيات جديدة ومخاطر كبيرة (entrepreneurs)، فهم يدفعون حاليا ضريبة نسبتها 10% على المليوني جنيه الأولى، لكن الحكومة الجديدة سترفع هذا الرقم إلى 5 ملايين جنيه إسترليني تشجيعا منها للاستثمار في مجالات وتقنيات جديدة، وأيضا للتماشي مع شعار الحكومة بأن «بريطانيا مفتوحة للاستثمار».

* ضريبة الشركات Corporation tax

* وعلى الرغم من أن ضريبة الأرباح على رأس المال وضريبة القيمة المضافة VAT وضريبة البنوك قد ارتفعت جميعها في الميزانية الجديدة، فإن الميزانية خفضت ضريبة الشركات Corporation tax بحجة أنها تريد تشجيع الاستثمار والشركات على التوسع في نشاطها لأن ذلك يؤدي بدوره إلى استيعاب الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج والصادرات ومن ثم إنعاش الاقتصاد بشكل عام وزيادة معدلات نموه. لذا فقد أعلن وزير الخزانة تخفيضا تدريجيا لضريبة الشركات بمقدر 1% سنويا لمدة 4 سنوات لكي تنقص الضريبة من 28% حاليا إلى 24% في نهاية عمر البرلمان الحالي. أما الشركات الصغيرة، التي تدفع حاليا ضريبة نسبتها 21% فسترى تخفيضا بمقدار 1% فقط.

وتعقيبا على خفض ضريبة الشركات أعلن روبرت لامبرت، رئيس اتحاد الصناعات البريطانية، أن هذا التخفيض يعكس اهتمام وزارة الخزانة بمنح القطاع الخاص والشركات دورا أساسيا في إنعاش النشاط الاقتصادي واستيعاب الأيدي العاملة. وعلى الرغم من ترحيب أصحاب الأعمال بهذا التخفيض فقد أشار بعضهم إلى أن الزيادة التي أعلنتها الحكومة في ضريبة القيمة المضافة (من 17.5% إلى 20%) ستمتص جزءا من التخفيض الذي منح للشركات.

ومن جانبه رحب أيضا ديفيد فروست، رئيس اتحاد غرف التجارة البريطانية، بتخفيض ضريبة الشركات، قائلا إن الأهم من التخفيض هو تشجيع الحكومة للاستثمار تحت الشعار الذي رفعته بأن «بريطانيا مفتوحة للاستثمار» وهو ما سترحب به الشركات من أنحاء العالم المختلفة، فضلا عن الشركات البريطانية.

* ضريبة البنوك Bank Levy

* أما بالنسبة للبنوك فقد فرضت الحكومة ضريبة إضافية على البنوك البريطانية وفروع المصارف الأجنبية العاملة في بريطانيا. ويأمل الوزير أن توفر له هذه الضريبة نحو ملياري جنيه إسترليني في العام لتساعده على تقليل فجوة العجز الضخمة في الميزانية البريطانية. وقال أوزبورن إن المصارف كانت السبب في أزمة الائتمان الأخيرة، لذا فلا بد أن تشارك في عبء «التقشف» الذي سيتحمله الجميع. وقد جاءت هذه الضريبة بالتنسيق مع كل من ألمانيا وفرنسا اللتين فرضتا ضريبة مماثلة على مؤسساتهما المالية. لكن المصارف الصغيرة ستستثنى من هذه الضريبة التي يبدأ تطبيقها مع بداية العام المقبل.

وستطبق ضريبة البنوك الإضافية بشكل تصاعدي، إذ ستكون نسبتها في السنة الأولى 0.04% ثم ترتفع في السنة التالية إلى 0.07% لكي يصل مجموع ما تحصله الدولة بعد 4 سنوات إلى 8.3 مليار جنيه إسترليني (نحو 12 مليار دولار).

وأوضح أوزبورن أن هذه الضريبة لن تنجح إذا طبقت في بلده منفردا لأن غالبية البنوك الكبيرة لها فروع واستثمارات في عدة دول أوروبية مما سيدفعها إلى تحويل جزء كبير من استثماراتها إلى الدول الأخرى لتفادي أو تقليل دفع الضريبة الجديدة. لذا فكان لا بد من تنسيق الجهود مع الدول الرئيسية الأخرى في أوروبا. ويحاجج البعض بأن هذه الضريبة لن تصبح فعالة ما لم تعمم دوليا. أما في الولايات المتحدة فقد طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن تفرض ضريبة مشابهة بمعدل 0.15% على الديون الصافية للبنوك، لكن الكونغرس عطل المشروع. وقال بيان مشترك بين بريطانيا وألمانيا وفرنسا إنهم سيطرحون هذه الفكرة في قمة الدول العشرين (التي ستعقد في كندا خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع) بغرض تعميم وتدويل ضريبة المصارف الجديدة.

ومن جانبه قال اتحاد المصارف البريطانية إنه يتفهم أن على البنوك أن تساهم في تقليل عجز الموازنة وتحمل بعض من مسؤولية أزمة الائتمان في العامين الماضيين «لكن لا ينبغي أن تضعف هذه الضريبة قدرة البنوك البريطانية والأجنبية العاملة في بريطانيا على المنافسة الدولية. كما أنها يجب أن لا تضعف وضع لندن كمركز مالي دولي يجذب آلاف الشركات الأجنبية، لذا فلا بد من تنسيق الجهود لكي تصبح هذه الضريبة دولية».