المصالح الوطنية هاجس مجموعة العشرين في قمة تورنتو

وسط تحذير صندوق النقد الدولي من ارتفاع الأسعار

TT

بدأ قادة الدول الاقتصادية الكبرى في العالم اجتماعهم في تورنتو يوم الجمعة وسط تحذيرات من أن إخفاقهم في التعاون بشأن القضايا المالية والاقتصادية الأساسية من الممكن أن يكلف العالم عشرات الملايين من الوظائف.

وبعد صياغة تفاعل مشترك مع الأزمة المالية في خريف عام 2008 - وهي الأزمة التي شهدتها دول العالم من الصين الشيوعية إلى كندا المحافظة - يصل أعضاء مجموعة العشرين هذه المرة ممزقين بالمصالح الوطنية التي برزت في الآونة الأخيرة. ويختلف الكثيرون حول تفاصيل مثل مدى السرعة والدرجة التي ينبغي لبعض الدول وفقا لها خفض الإنفاق العام، وإلى أي مدى ينبغي أن تكون المتطلبات الجديدة لرأس المال صارمة بالنسبة إلى المصارف الرئيسية في العالم.

وإلى حد كبير جرى تنحية أي أجندة سياسية أوسع نطاقا جانبا، سواء التغير المناخي أو الانتشار النووي.

ويشكل الوضع الحالي تحديا أمام التزام الرئيس باراك أوباما بالتعددية، ودفع صندوق النقد الدولي إلى التحذير من آثار ارتفاع الأسعار ما لم تعثر الاقتصادات الرئيسية في العالم على أرض مشتركة. وفي تقرير يجري توزيعه على قادة مجموعة العشرين، قال صندوق النقد الدولي إن الفرق بين السياسات المنسقة بصورة جيدة والسياسات المنسقة بصورة ضعيفة قد يكون ناتجا اقتصاديا تصل قيمته إلى 4 تريليونات دولار وربما 30 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم على مدار الأعوام القليلة المقبلة.

وقال وزير مالية كندا، جيمس فلاهيرتي: «يعد ذلك أقوى حجة بالنسبة إلى المعايير المشتركة. أعتقد أننا نستطيع تحقيق ذلك بالكثير من العمل. إن الأمر معقد».

وقال تشارلز فريمان، باحث في الشؤون الصينية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «كانت مجموعة العشرين إلى حد ما الشيء الذي كان في المتناول أثناء وقت الأزمة. ولا تعد بالضرورة مجلس الإدارة الطبيعي للاقتصاد العالمي، ناهيك عن الرعاية الاجتماعية العالمية. لقد حدثت فقط لتكون بمثابة الضمادة عندما كان النزيف مستمرا».

إنها في الواقع مجموعة غير عملية، تمثل 90 في المائة من الاقتصاد العالمي، لكنها تتعامل مع قضايا سياسية حساسة مثل المزيج الغامض للسياسة الشيوعية ورأسمالية السوق في الصين، ودول مهمة من الناحية الاقتصادية مثل البرازيل والهند، إنها منتدى صارم لمناقشة قضايا مثل برنامج أسلحة كوريا الشمالية.

هناك مراقبون من هيئات أفريقية وآسيوية أخرى، وكذلك من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرها من المنظمات، إنها اجتماع سري كبير وحساس للغاية، إلى درجة أنها تتطلب تحويل وسط مدينة تورنتو إلى معسكر محاط بسياج ومدجج بالأسلحة.

وتأييد أوباما لهذه المجموعة باعتبارها المحفل الرئيسي لمناقشة الاقتصاد العالمي يشير إلى فلسفة الرئيس المتعلقة بعملية اتخاذ القرارات العالمية، ويرد على الانتقاد بأن مجموعة الدول الصناعية الثماني أصبحت مجموعة حصرية وكأنها أحد النوادي. وستعقد المجموعة الأصغر اجتماعها الخاص ليوم واحد يوم الجمعة في شمال تورنتو.

وبالاتجاه إلى تورنتو، يقال إن الاجتماع الأكبر ساعد على تهدئة بعض مناطق الاضطراب. وقد تجنب القرار الأخير الذي اتخذته الصين لزيادة قيمة عملتها نقاشا محتملا ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل أيضا مع أعضاء مجموعة العشرين مثل الهند والبرازيل، اللتين يتأثر الاقتصاد بهما أيضا بسياسات الصين. وافقت الدول الأوروبية الكبرى على عدم الكشف عن مزيد من المعلومات حول وضع مصارفها، وهي الخطوة التي كانت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي وغيرهما ستدفع من أجل اعتبارهما في اجتماع تورنتو، بوصفها جزءا مهما في الإصلاح المالي.

لكن تم خفض التوقعات التي جاءت في اجتماعات سابقة حول قيادة عالمية جديدة وموحدة. وساعدت برامج التحفيز التي دخلت حيز التنفيذ الاقتصاد العالمي على بدء النمو مجددا، لكن الأحداث الأخيرة قسمت المجموعة إلى معسكرات مختلفة بشأن ما يجب أن يحدث في المستقبل.

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الانتعاش الاقتصادي أصبح راسخا، أثارت الأزمة المتعلقة بالديون الحكومية في أوروبا مخاطرة متعلقة بمواجهة جولة أخرى من الكساد. وبدأت الحكومات الأوروبية الآن جولة صعبة من خفض الميزانية، بما في ذلك بعض الدول، مثل ألمانيا، التي قال أوباما وآخرون إنها ينبغي أن تزيد الإنفاق لتضمن أن النمو يستمر في الوقت الذي تخفض فيه الدول المجاورة الإنفاق. ورفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي اتجهت إلى حضور الاجتماعات، إشارات أوباما وغيره بأن جهود التقشف في دولتها والفوائض التجارية الكبرى المتواصلة قد تتسبب في انكماش اقتصادي جديد.

ويشير هذا الاختلاف إلى أحد الأسس الرئيسية التي توجه دفة النقاش في مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي، وهي أن الدول المصدرة الكبرى في العالم تحتاج إلى إنفاق واستيراد المزيد.

وقال سي فريد بيرغستين، مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «إذا كنت مكان تيموثي غيثنر (وزير الخزانة الأميركي)، فإنك تشعر بالإحباط، لأن الأمور التي كنت تعتقد أن لديك اتفاقا حولها قد ولت بعيدا».

ولا يتجه إصلاح النظام المالي إلى نهاية سلسة.

ووافقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا على فرض ضريبة على المصارف من أجل تغطية تكلفة الأزمة الأخيرة، وهو الأمر الذي رفضته كندا وكوريا الجنوبية وغيرهما من الدول. وقال فلاهيرتي إنه الآن ينظر إلى هذه القضية على أنها «تضليل» لن تصادق عليه المجموعة بأكملها، ولن يكون له تأثير على التجارة العالمية أكبر من الفروق الحالية في ضرائب الشركات وغيرها من الضرائب.

والأمر الآخر الذي يثير مخاوف أكبر هو الخلاف حول كيف يتم تمويل المصارف، وكم النقدية التي يجب أن يحافظوا عليها في صورة أصول سائلة، وغيرها من السمات الأساسية للإصلاح المالي.

ولا تريد الدول الأوروبية، التي تستطيع واحدة أو اثنتان من المؤسسات الكبرى بهما لعب دور كبير في الاقتصاد، أي قواعد من شأنها أن تثقل الشركات بمشكلات رأس المال التي يتعين عليها تسويتها. وتريد دول مثل كندا وكوريا الجنوبية، التي لا يزال النظام المصرفي بها في وضع جيد أثناء الأزمة، نظاما يستطيع أن يقدم مبادلات بين متطلبات أعلى لرأس المال وإشراف أكثر صرامة.

وتعتبر تورنتو محطة وسط في هذا النقاش، مع الأمل في التوصل إلى اتفاق نهائي عندما تجتمع المجموعة مرة أخرى في سيول الخريف المقبل.

وقال السفير الكندي الأسبق لدى الولايات المتحدة رئيس مصرف «باركليز كابيتال» في كندا، مايكل ويلسون: «أتمنى أن يكون القادة قادرين على تحديد الأولويات، أي القول بأن هذه هي الأمور الأكثر أهمية. ودعنا نتفق، وننفذ هذه الأمور. وما حدث في الاجتماعين أو الثلاثة الماضية في أوروبا ينبغي أن يكون إشارة واضحة على أننا لسنا بعيدين عن الخطر بأي حال من الأحوال».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»