مجابهة «خطر» الديون العامة دون الإضرار بالانتعاش الاقتصادي العالمي أبرز تحديات قمة مجموعة الـ20

وزير الخزانة الأميركي يحذر: العالم لا يمكن أن يستمر في الاعتماد على الولايات المتحدة

عناصر شرطة كندية يحرسون مقر اجتماع قمة مجموعة العشرين بمدينة تورونتو الكندية (أ.ف.ب)
TT

سعت الدول الثماني الأكثر ثراء، أول من أمس الجمعة، في هانتسفيل، البلدة السياحية الكندية، للتخفيف من شأن الخلافات في وجهات النظر بينهم حول أفضل السبل لصيانة الانتعاش الاقتصادي المسجل حديثا، الذي لا يزال هشا. وبادر الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الضغط على الأوروبيين قبل انطلاق القمة السنوية لمجموعة الثماني، داعيا إياهم إلى العمل معا لتفادي أزمة اقتصادية جديدة.كما ناشد وزير خزانته تيموثي غايتنر أوروبا أن «تختار تطبيق إصلاحات وسياسات، من شأنها أن تؤدي إلى معدلات نمو أكبر في المستقبل». وحذر غايتنر من أن العالم «لا يمكن أن يستمر في الاعتماد على الولايات المتحدة، كما في الماضي»، في وقت تم تخفيض أرقام النمو الأميركي في الفصل الأول من السنة. الأوروبيون من جهتهم سعوا للدفاع عن مواقفهم، فأكدوا أن سياسات التقشف التي أقرت في الأشهر الماضية في دول مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، لا تضر بالانتعاش الاقتصادي.كما حرصوا على تأكيد عدم قيام أي سجال بين الدول الثماني الأكثر ثراء، عشية القمة التي ستجمعها مع الدول الناشئة الكبرى الـ12، في إطار مجموعة العشرين. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد انتهاء جلسة العمل الأولى، إن قادة مجموعة الثماني اظهروا «تفاهما متبادلا» نافية قيام أي جدل بينهم خلال مناقشاتهم الأولى حول الاقتصاد العالمي. غير أنها أكدت، في الوقت نفسه، على صحة خياراتها على صعيد التقشف في النفقات، وقالت: «حان الوقت لخفض العجز في الميزانيات» مضيفة: «إننا بحاجة إلى نمو لا يقوم على الديون، بل على أسس فعلية».كذلك أكد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عدم وجود خلافات في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وأوروبا حول الاستراتيجية الواجب اتباعها لصيانة الانتعاش الاقتصادي العالمي. وقال: «الخطر بالنسبة لنا - والأميركيون وسواهم يقرون بذلك - يكمن في عدم التحرك» لخفض العجز المالي، مضيفا: «أعتقد أن مجموعة الثماني ستخلص إلى أن الدول التي تواجه أسوأ المشكلات عليها أن تسرع تحركها، وهو ما قمنا به». وبحسب «رويترز» أدلى مسؤول أميركي، طلب عدم كشف اسمه بتصريحات مماثلة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا ترى تناقضا بين خفض العجز - على المدى المتوسط - ودعم النمو. وأقيمت مأدبة غداء مغلقة في هانتسفيل، المنتجع الواقع وسط الغابة في أونتاريو، ضمت إلى المضيف رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر، كلا من الرؤساء الأميركي باراك أوباما والروسي ديمتري مدفيديف والفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة أنجيلا ميركل، ورؤساء الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، والياباني ناوتو كان، والبريطاني ديفيد كاميرون.وبعد ذلك قام رؤساء الدول والحكومات بنزهة عند ضفاف بحرية مجاورة، قبل التقاط الصورة التقليدية التي تجمعهم. وفي الفندق الكبير الذي يستضيف القادة، على بعد 220 كلم شمال مدينة تورونتو؛ حيث جمعت الصحافة الدولية، انضم بعد الظهر إلى رؤساء الدول والحكومات الثماني رؤساء ست دول أفريقية، وثلاث دول من أميركا الوسطى والجنوبية. وستبحث مجموعة العشرين، خلال قمتها في تورونتو، مشروعات فرض ضريبة مصرفية أو مساهمة على العمليات المالية. وكانت لندن وباريس وبرلين وواشنطن دعت دول مجموعة العشرين إلى الموافقة على ضريبة مصرفية، إلا أن كندا وروسيا والصين والهند وأستراليا تعارضها. وقد ألغى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الجمعة، زيارته إلى كندا للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، وذلك لمتابعة عمليات إنقاذ ضحايا الفيضانات في شمال شرق البرازيل، وسيحل محله وزير المالية غيدو مانتيغا. ويشارك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في قمة مجموعة العشرين، ويجري محادثات ثنائية، على ما أعلن المتحدث باسمه مارتن نسيرسكي أول من أمس الجمعة. وقال نسيرسكي، خلال مؤتمر صحافي، إن بان كي مون «سينقل إلى قادة مجموعة العشرين مخاوف العالم النامي».كما سيدعوهم إلى «دعم خطة العمل العالمية التي وضعتها الأمم المتحدة من أجل صحة الأم والطفل». وخفض معدل الوفيات بين الأطفال وتحسين صحة الأم، هما من الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية، التي حددها قادة العام عام 2000، الرامية إلى خفض الفقر بمعدل النصف بحلول العام 2015. وتستضيف كندا في منتجع هانتسفيل، على مسافة 220 كلم من تورونتو، قمة لمجموعة الثماني (كندا واليابان وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا) تليها في تورونتو قمة لمجموعة العشرين لأكبر دول غنية وناشئة.

وسارت تظاهرة أولى ضمت حوالي ألفي معارض لقمتي مجموعتي الثماني والعشرين، أول من أمس الجمعة، في تورونتو، وسط أجواء متوترة، ووسط مواكبة كثيفة من الشرطة، ومن المنتظر أن تليها احتجاجات أخرى.

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، إنه بعد ساعات من توصل الكونغرس إلى اتفاق بشأن خطة لإعادة هيكلة النظام المالي الأميركي، شرع الرئيس أوباما في عقد مقابلات مع عدد من زعماء العالم، أول من أمس الجمعة، سعيا للتوصل إلى اتفاق يمنح زخما لجهود إدارته للتوصل إلى إجماع في الآراء حول سبل استعادة النمو الاقتصادي العالمي.

مع توافد قادة اقتصاديات العالم الكبرى للمشاركة في اجتماعات بمنتجع يقع على شاطئ إحدى البحيرات في أونتاريو، عمد مسؤولون أميركيون وأوروبيون إلى التقليل من أهمية الحديث الدائر حول تنامي صدع بينهم في ما يخص نطاق وتوقيت إجراءات التقشف المالي.

وذكر مسؤول بارز في إدارة أوباما، الجمعة، أن قادة دول مجموعة الثماني أعربوا عن «إجماع واسع في الآراء» حول الحاجة لتحقيق توازن بين العجز وتقليص الديون، مع استمرار دعم الاقتصاديات التي ما تزال تعاني من ارتفاع معدلات البطالة. من جانبها، رددت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، التي كانت من أشد مؤيدي تطبيق إجراءات تقشف، الوصف السابق للمحادثات.

من جانبها، أشارت الإدارة إلى اتفاق أقره الكونغرس بخصوص إعادة الهيكلة المالية، باعتباره دليلا على التزامها بتسوية مشكلات اقتصادية شائكة. وأعلن روبرت غيبس، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، لمراسلين صحافيين «إننا نقود العالم الآن على صعيد الإصلاح المالي». وقال ستيفين هاربر، رئيس الوزراء الكندي، إن «التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة سيشكل عاملا مهما في دفع العالم، ليس فقط للتوصل إلى اتفاقات هنا، وإنما كذلك إلى نتائج بشأن التنظيم المالي، في الإطار الزمني الذي كنا ندرسه».

ومع ذلك، ستواجه جهود اتخاذ موقف موحد اختبارا هنا خلال الاجتماعات التالية بين أعضاء مجموعة العشرين المقرر عقدها السبت والأحد. وتعد تلك القمة الرابعة لمجموعة العشرين منذ بلوغ الأزمة المالية ذروتها عام 2008.

وتتمثل واحدة من القضايا التي تثير انقساما في صفوف أعضاء مجموعة العشرين مقترحا يقضي بفرض ضريبة على المصارف، يرمي في جزء منه إلى المساعدة في توفير الأموال اللازمة للتصدي للأزمة المالية. من جهتها، أشارت الحكومة اليابانية الجديدة، الجمعة، إلى أنها قد لا تمانع في إقرار مثل هذه الضريبة. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تؤيد جميعها فرض هذه الضريبة، بينما تعارضها كندا وأستراليا وغالبية الاقتصاديات الناشئة الكبرى.

من بين الأمور غير الواضحة أيضا ما إذا كانت دول مجموعة العشرين ستتمكن من الالتزام بالموعد الزمني النهائي الذي ألزمت نفسها به - ويتمثل في الاجتماع المقبل في نوفمبر (تشرين الثاني) في سيول بكوريا الجنوبية - بغية التوصل إلى اتفاق بشأن فرض متطلبات أعلى في ما يتعلق برأس المال والسيولة في ما يخص المصارف العالمية العملاقة. على امتداد أسابيع حتى الآن، ثارت تكهنات حول أن دول مجموعة العشرين سترجئ جدولا زمنيا لسن هذه المتطلبات إلى عام 2012.

إلا أن نقطة الخلاف الكبرى المحتملة تبقى في: كيف ومتى ينبغي للدول المدينة، بما فيها الولايات المتحدة، سحب برامج الإنفاق غير العادي التي شرعت في تنفيذها بغية مساعدة اقتصادياتها؟

في مقال نشره في «ذي غلوب آند ميل»، الجمعة، ألمح ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا الجديد، إلى أن تقليص الميزانية يشكل شرطا مسبقا لدفع عجلة النمو الاقتصادي. وكتب قائلا: «بطبيعة الحال، يجب أن تتوافر مرونة أمام الدول للتحرك، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية الخاصة بكل منها، لكن أعتقد أنه يتعين على كل منا البدء عبر صياغة خطط لوضع أوضاعنا المالية الوطنية تحت السيطرة».

وقد بدت وجهة النظر تلك متناقضة مع موقف الرئيس أوباما، الذي حذر في خطاب بعث به الأسبوع الماضي، من أن الدول ينبغي ألا تتعجل في تقليص جهودها الرامية للتحفيز الاقتصادي. وحذر أوباما من أحداث سابقة «جرى خلالها سحب المحفزات الاقتصادية بسرعة مفرطة، مما نجم عنه تجدد المصاعب الاقتصادية والركود».

بعد أيام، أعرب كل من هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، وجوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، في خطاب لهما عن اعتقادهما بأن الدول المثقلة بالديون بحاجة إلى التحرك السريع لتعزيز ميزانياتها. من جهته، حذر دانييل شونين، الخبير الاقتصادي لدى «مركز إبداع الحكم الدولي»، وهو منظمة بحثية مقرها وورتلو في أونتاريو، من تفاقم المخاطر الاقتصادية، مع سعي الدول إلى تنفيذ «استراتيجيات خروج» من برامج التحفيز المالي والنقدي الاستثنائية الراهنة.

إلا أن أنجيل غوريا، الأمين العام لـ«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، وصف الاختيار بين الإنفاق التحفيزي وتقليص العجز بأنه «معضلة زائفة»، مشيرا إلى أن كلاهما ضروري.

أما أوباما، فدعا قيادات مجموعة العشرين الأخرى للحفاظ على وحدة الصف التي أبدوها في اجتماعات القمة التي عقدت بلندن وبتسبرغ العام الماضي.

وقال أوباما، داخل حديقة البيت الأبيض، قبل مغادرته متوجها إلى تورنتو: «إننا بحاجة للعمل على نحو متناغم، لسبب بسيط: أن هذه الأزمة أثبتت، وما تزال تؤكد، أن اقتصادياتنا الوطنية مترابطة». بمجرد هبوطه في كندا، سارع أوباما إلى الصعود على متن طائرة مروحية إلى منطقة موساكوكا في أونتاريو، حيث يلتقي قادة مجموعة الثماني في منتجع بقرية هانتسفيل. رغم أن مجموعة الثماني جرى فعليا استبدال مجموعة العشرين بها، فإن أعضاء التكتل الأصغر لا يزالون أكبر مصادر المساعدات الموجهة إلى الدول الفقيرة. وشكلت قضية تقليص المساعدات الموجهة إلى هذه الدول واحدة من القضايا الرئيسة التي جرت مناقشتها الجمعة. من جهتها، ضغطت إدارة أوباما على دول مجموعة الثماني الأخرى للالتزام بالوعود التي أطلقتها المجموعة في ما مضى. أبرز ما يلفت الانتباه على هذا الصعيد أن مجموعة الثماني لم تلتزم بالتعهد الذي أعلنته عام 2005 بزيادة المساعدات الإنمائية بمقدار نحو 50 مليار دولار بحلول عام 2010.

وتعهد هاربر، رئيس الوزراء الكندي، أول من أمس الجمعة، بتقديم 1.1 مليار دولار كندي في صورة إنفاقات جديدة لتحسين صحة الأمهات والأطفال عالميا. وتعهدت إدارة أوباما بتقديم 1.3 مليار دولار لصالح هذه المبادرة على مدار عامين، لكن لا يزال هذا القرار في انتظار موافقة الكونغرس. في محاولة للحفاظ على أهميتها، حاولت مجموعة الثماني التخلص من سمعتها كناد للأثرياء. في هانتسفيل، على بعد قرابة 140 ميلا شمال تورنتو، التقى قادة مجموعة الثماني بقادة سبع دول أفريقية، وقادة كولومبيا وهاييتي وجاميكا. وللمرة الأولى منذ توليه منصبه، التقى ناوتو كان، رئيس الوزراء الياباني الجديد، أوباما، وكذلك الحال مع كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد.

وكان من المقرر أن يعقد أوباما ستة اجتماعات ثنائية، على الأقل، مع قيادات عالمية خلال فترة إقامته بكندا. لكن في ما عدا كاميرون، كانت جميع الاجتماعات الثنائية المؤكدة مع قيادات آسيوية، في انعكاس للدور الآسيوي الرائد في استعادة الاقتصاد العالمي عافيته.