تقرير اقتصادي: دول الخليج بحاجة إلى مواكبة التحولات المستقبلية عبر إشراك المجتمع

«بوز آند كومباني»: الخدمات المجتمعية مجال لا بد من تطويره في بلدان المجلس

في ظل استمرار النمو السكاني والعمراني يُتوقع أن تأتي الموجة الثانية من التحسين الخدمي المجتمعي من الحكومات المحلية («الشرق الأوسط»)
TT

كشف تقرير اقتصادي دولي أن الموجة المقبلة من التحول الاقتصادي والاجتماعي في دول الخليج العربي، ستتطلب التزام حكومات الدول بالنمو الوطني، وتقديم خدمات محلية لتلبية احتياجات المجتمع الخاصة.

وقال التقرير الصادر من شركة «بوز آند كومباني» العالمية إن دول الخليج العربي شهدت نموا اقتصاديا كبيرا خلال العقدين الماضيين، وتمكنت من تحسين المستوى الشامل لتقديم الخدمات الحكومية وتوسيع نطاقها، مشيرا إلى أنه في ظل استمرار النمو السكاني والعمراني، يتوقع أن تأتي الموجة الثانية من التحسين الخدمي المجتمعي من الحكومات المحلية - المتمثلة في النظام البلدي - وذلك عبر إشراك مجتمعاتها في عملية صياغة وتقديم الخدمات.

وذكرت «بوز آند كومباني» العالمية في تقرير «تحسين مستوى الرفاهية عبر إشراك المجتمع»، أن نجاح حكومات مجلس التعاون الخليجي حتى اليوم شهادة على القيادة الرؤيوية السائدة في المنطقة، كما يعكس أيضا مرحلة النمو التي بلغتها هذه الدول، حيث ركزت بعض الدول في المراحل الأولى لنموها على الاحتياجات الأساسية للمجتمع، التي تشمل البنية التحتية والمدارس والمنشآت الصحية - وهي استثمارات أثمرت مكاسب اقتصادية كبيرة ووفرت فرص عمل للمواطنين.

وأشار سامر بحصلي، مدير أول في شركة «بوز آند كومباني»، أن واقع الموجة المقبلة من التحول الاقتصادي والاجتماعي سيتطلب من الحكومات بذل مزيد من الجهود بهدف تحسين حياة مواطنيها، حيث يتوجب عليها مواصلة التزامها بالنمو الوطني، وفي الوقت نفسه التركيز على تقديم خدمات محلية مصممة لتلبية احتياجات المجتمع الخاصة.

وفي هذا السياق، أكد أن مجموعة من البلديات في دول مجلس التعاون الخليجي تسجل حاليا أداء جيدا في إدارة البنية التحتية، غير أن الخدمات المجتمعية هي المجال الذي لا يزال بحاجة إلى التطوير.

وأضاف بحصلي أنه «بشكل عام، توفر الخدمات المجتمعية مرافق ثقافية وترفيهية مصممة لتلبية احتياجات السكان باختلاف أعمارهم وقدراتهم واهتماماتهم، وعلى الرغم من تفاوت هذه الخدمات بين بلدية وأخرى، فإنها تشمل الحدائق العامة والأنشطة الرياضية والبدنية، بالإضافة إلى الفنون والمكتبات العامة والخدمات المرتبطة بالتراث والاحتفالات والمهرجانات والمراكز المجتمعية والترفيهية والمسارح المحلية والمتاحف والمسابح». وأكد أن تلك الخدمات لها تأثير كبير على المجتمع لا يمكن التقليل من أهميته، حيث إن إنشاء شبكة متنوعة عالية الجودة من المرافق الثقافية والترفيهية من قبل الحكومات المحلية يعزز جودة حياة السكان، ويجعل المدن أكثر جاذبية لهم، كما يسهم في الحفاظ على النشاطات الاقتصادية القائمة واستقطاب المزيد منها.

من جهتها، أوضحت الدكتورة ليلى حطيط، مدير أول في «بوز آند كومباني»، أن المرافق والبرامج الترفيهية العالية الجودة تشكل جزءا لا يتجزأ من الجهود الحكومية الرامية إلى مكافحة المشكلات الصحية والتشجيع على حياة نشيطة وسليمة.

وأشارت إلى أن نماذج تقديم الخدمات المجتمعية تختلف من دولة إلى أخرى، حيث إن الدول الغربية تفضل نموذج النظام الاقتصادي المختلط الذي يجمع بين مصادر الدخل العامة والتجارية، ويعتمد على روابط وثيقة مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المحلي.

وأوضحت حطيط أن الحكومات المحلية من جهتها لا تستطيع وضع برامج مجتمعية ملائمة وعالية الجودة، من دون معطيات وبيانات ملموسة - من الممكن توفيرها عبر إشراك المجتمع في عملية تحديد احتياجاته.

ولفتت إلى أن الأطر التقليدية لعملية الإشراك هذه في دول مجلس التعاون الخليجي تضم أشكالا متعددة لمفهوم «المجالس»، التي أصبحت إدارتها أصعب مع الوقت في ظل تزايد عدد السكان والتطور السريع للشؤون الحياتية للمواطنين، مشيرة إلى أنه يتعين على الحكومات المحلية اعتماد طرق جديدة للتفاعل مع مواطنيها.

وذهبت المدير أول في «بوز آند كومباني» إلى أنه من جهة تستطيع الحكومات المحلية تحسين عملية توفير المعلومات للمجتمع عن طريق الكتيبات، وتنظيم اللقاءات الدورية في مباني البلديات، وتعزيز الحضور على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى أنه يمكن لبلديات مجلس التعاون الخليجي النظر في استخدام أساليب التواصل التي تسمح باستشارة الناس حول المشاريع والمبادرات الأساسية الخاصة بالمجتمع.

وأوضح التقرير أن ورش العمل وحلقات النقاش المرتكزة حول مفهوم «الفئات التمثيلية» إطار ممتاز لهذا النوع من التفاعل، كما تمثل استطلاعات الرأي نموذجا فعالا آخر، وتشكل مراكز الاتصال خيارا آخر للتواصل عبر سماحها للمتصلين بالتعبير عن شكاواهم أو رضاهم في هذا المجال. أخيرا، يمكن للحكومات المحلية أن توسع عملية مشاركة المجتمع لتشمل التعاون المباشر، بحيث يكون الجمهور شريكا أساسيا في تقديم الخدمة، كما هو الحال في إطار الأعمال التطوعية أو حراسة الأحياء.

وأكد أنه أمام دول مجلس التعاون الخليجي وحكوماتها المحلية بالتحديد فرصة قائمة لتحسين مستوى رفاهية مواطنيها والمقيمين فيها عبر إشراك المجتمع بصورة مباشرة في عملية تصميم وتقديم خدمات مجتمعية عالية الجودة.

وعرض التقرير نموذجا للتجربة البريطانية في تقديم البلديات للخدمات المجتمعية، حيث يتمحور برنامج «اتفاق جديد مع المجتمعات المحلية» حول المجتمع بصورة أساسية، مع التركيز على عملية المشاركة كجزء أساسي من هيكله وعمله. وتتولى إدارته الحكومة المركزية، ويجري تنفيذه على المستوى المحلي عبر المجالس البلدية.

وقال إن البرنامج يقدم خدمات للمناطق التي تعاني من نقص خدمي كالتدني في مستوى التعليم وتردي الوضع الصحي، وارتفاع معدل انتشار الجريمة وانخفاض فرص العمل وتدهور نوعية المساكن.

ويرتكز البرنامج على موازنة تبلغ نحو ملياري جنيه إسترليني (10.94 مليار درهم)، ويهدف إلى إحداث تحول في المجتمعات المحلية المستهدفة في غضون عشر سنوات، وتشارك في تنفيذه أجهزة حكومية رئيسية مثل الشرطة والهيئات التربوية والصحية، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية ومتطوعين وممثلين عن المجتمعات المحلية.

وبحسب التقرير فإن اتفاقات الشراكة في البرنامج مع المجتمعات المحلية تضمن توصيل صوت المجتمع وآرائه، ويقوم بالإشراف على كل اتفاقية شراكة مجلس مكون من المقيمين وممثلي الأجهزة الحكومية يعرف بـ«مجلس الشراكة»، يتولى اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي ينفذها برنامج «اتفاق جديد مع المجتمعات المحلية».

ويتكون أعضاء المجلس من مجموعة مختارة من المقيمين، بينما يكون للمقيمين غير الأعضاء دور عبر لجان المقيمين ومجموعات الدراسة والمقابلات ومنتديات الأحياء، التي يوصلون من خلالها أصواتهم في ما يتعلق بتخطيط وتصميم وتقديم الخدمات والبرامج. وبين تقرير «بوز آند كومباني» أن تلك الشراكات تعد مشاريع في 8 مجالات رئيسية هي التربية والثقافة والترفيه والصحة والبطالة والإسكان والبيئة والجريمة.

أما مستويات البطالة، فقال التقرير إنها يمكن معالجتها جزئيا من خلال توفير فرص التعلم للبالغين في أماكن يسهل الوصول إليها، كالمراكز الاجتماعية والمكتبات العامة.

وأوضح أنه يمكن لهذه المنشآت أن تكمل النظام التعليمي عبر تقديم برامج لتطوير المهارات الناشئة. وأخيرا من شأن هذا النوع من البرامج أن يحقق تماسكا اجتماعيا بين المجموعات السكانية المتعددة الإثنيات من خلال نشاطات تنظم في أماكن عامة كالحدائق العامة والشواطئ.