صندوق النقد الدولي: أغنى دول العالم ستحتاج إلى مساعدة الاقتصادات الناشئة

أكد أن تنسيقا عالميا مناسبا قد يجلب للاقتصاد العالمي 4 تريليونات دولار و30 مليون وظيفة خلال الأعوام المقبلة

رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني في لقطة خلال الجلسة الافتتاحية (أ. ف. ب)
TT

لقد أقامت دول العالم المتقدمة نظما موسعة للرعاية الصحية، ووعدت مواطنيها بتوفير دخل لهم مدى الحياة، وأقامت جدرانا من الحماية حول بعض الصناعات والوظائف. لكن اجتمع قادة هذه الدول الآن للتباحث حول معضلة واحدة، وهي كيف يمكن أن يستعيدوا بعض ذلك من دون تقويض اقتصادات يحاولون الحفاظ عليها.

وبالتعريف الاقتصادي، يشبه الأمر بناء منظومة حركة أبدية، فتخفيض النفقات العامة عشرات المليارات من الدولارات سيبطئ بالتأكيد من عجلة النمو، لكن هذه الخطوة تعتبر ضرورية لمحاصرة مستويات الدين الحكومي القياسية. وقد أشار صندوق النقد الدولي، في سلسلة من التقارير التي صدرت مؤخرا، إلى أنه ربما يكون من الخداع المطالبة بمستويات غير مسبوقة من التنسيق بين كبرى اقتصادات العالم وأن يُطلب من السياسيين الحفاظ على ما يمكن اعتباره عملية إصلاح مؤلمة لعدة أعوام.

وأشار إيسور براساد، الاقتصادي البارز بمعهد بروكينغز والمحلل الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي، إلى أن صندوق النقد الدولي لجأ إلى الكثير من الالتفافات في تقرير قدمه لمجموعة العشرين، ليوضح أنه يمكن خفض ديون الدول المتقدمة دون تقويض عملية النمو.

وقال براساد، الذي اطلع على التقرير «لقد قاموا بلي وسائلهم، وكانت الرسالة هي أنه توجد حاجة إلى تقليص النفقات، لكن إذا قمنا بذلك بشكل صحيح فإنه لن يتسبب في أي آثار سلبية على عملية النمو».

وتتنوع التغييرات المطلوبة ما بين إصلاح التشريعات المالية وإعادة تنظيم التجارة العالمية، وهي الأمور التي تطرق إليها مسؤولون أميركيون عند بداية المحادثات نهاية الأسبوع الحالي. وتعهد الرئيس أوباما بالدفع باتجاه تمرير اتفاقية تجارة حرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بحلول الخريف، على أمل أن يدعم ذلك الصادرات الأميركية. بينما صرح وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر بأن حزمة الإصلاحات المالية التي تعتزم الولايات المتحدة إقرارها يجب أن تكمل منها إجراءات قوية من دول أخرى تجاه موضوعات مثل قواعد رسملة البنوك.

واجتمعت مجموعة العشرين، التي تضم الدول الصناعية الكبرى واقتصادات ناشئة من بينها الصين والهند، أمس وسط نقاش حول المخاطر التي يفرضها الدين العام داخل الدول المتقدمة أمام استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته وكيف يمكن التعامل معه من دون خلق مشكلات أخرى. وأثناء توجههم إلى الاجتماع، بدا بعض أقرب الحلفاء داخل المجموعة منقسمين.

وصرح غيتنر، لدى وصوله كندا، بأن «هذه القمة يجب أن تركز على قضية النمو». فيما أكد رئيس وزراء كندا ستيفن هابر، قبله بساعات قليلة، على «وجود إجماع قوي حول الحاجة إلى خطط تضامن متوسطة الأجل في الدول المتقدمة» وهو ما يعني خفض الميزانية.

لكن هل يمكن معالجة الأمرين؟

أصدر صندوق النقد الدولي «الوصايا العشر للتعديل المالي في الاقتصادات المتقدمة»، وقد ضمت نصيحة من كبار خبراء الصندوق لهذه الدول بـ«اتباع هذه.. وستكون الفرص كبيرة من أجل تحقيق تضامن مالي ونمو مستدام».

وأقرت الوثيقة بأن مستوى الخفض في الميزانية الذي تخطط له الدول المتقدمة يحمل مخاطر كبيرة بالنظر إلى ضعف الاقتصاد العالمي. فقد قامت كل من اليونان وإسبانيا بتخفيضات كبيرة في ميزانيتهما، كما اقترحت إجراءات مماثلة داخل بريطانيا، ويوصى في الولايات المتحدة وعدد آخر من الدول بتخفيضات مماثلة بدءا من العام القادم.

لكن أكد التقرير على أن الالتزام بدرجة أكبر من التوازن في الإنفاق العام سيؤدي إلى استقرار سوق السندات، ويخفض معدل الفائدة، حيث سينخفض اقتراض الحكومات، وسيشجع على المزيد من الاستثمارات الخاصة - وهي نتائج «داعمة للنمو» ستساعد على تجنب أي تقليص للميزانيات الحكومية.

بالإضافة إلى ذلك، أكد الصندوق على أنه كي تؤتي هذه العملية ثمارها فإن أي خفض للميزانية يجب أن يصحب سلسلة كبيرة من الإصلاحات الأخرى التي تدعم تحسن الأداء الاقتصادي.

وقد أشار التقرير بشكل خاص إلى برامج التقاعد والرعاية الصحية، وذلك في الوصية رقم 5 التي تنص على أنه «يجب إقرار الإصلاحات الخاصة بالتقاعد المبكر والرعاية الصحية، حيث إن الاتجاهات الحالية غير مستدامة».

وترتبط الكثير من الزيادات المخطط لها في الإنفاق العام المستقبلي في الدول المتقدمة بعمر مواطني هذه الدول، ويحسن إجراء بعض التغييرات، مثل زيادة عمر التقاعد، في الميزانيات المستقبلية من دون الحاجة إلى تقليص الإنفاق الحالي.

وتحتاج أسواق العمل إلى إصلاح للتسهيل على المواطنين في إيجاد عمل وتغيير وظائفهم أو الدخول إلى أسواق جديدة. وفى تقارير حديثة حول الوضع في اليونان وفرنسا، أشار صندوق النقد الدولي إلى قواعد لحماية تجار التجزئة، والصيادلة، وأنشطة أخرى من المنافسة. وتوجد حاجة إلى تحرير أسواق الإنتاج. كما يتعين تقريبا زيادة الضرائب.

وفى قمة ذلك، ستحتاج أغنى دول العالم إلى بعض المساعدة من اقتصادات ناشئة مثل الصين، التي استفادت في الأعوام الأخيرة من فوائض كبيرة في التجارة، وتحتفظ بتريليونات الدولارات من الاحتياطيات النقدية في محافظ بنوكها المركزية. وأكد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاديات الناشئة بحاجة إلى زيادة إنفاقها والتحول إلى «الطلب الداخلي» لتحقيق النمو المستقبلي، وأن تقلل اعتمادها على الإنفاق القادم من الدول المتقدمة.

وسيكون تحقيق تزامن بين هذه الجهود على المستوى العالمي مهمة في حد ذاته. وقد طلبت مجموعة العشرين من صندوق النقد الدولي أن يبدأ هذه العملية بجمع التقديرات وخطط السياسات الاقتصادية من الدول الأعضاء وفحصها لمعرفة إن كانت تتكامل أو تتناقض مع بعضها بعضا، ومقارنتها بتقديرات وتوقعات الصندوق نفسه.

وطبقا للمسؤولين الذين أطلعوا على تقرير صندوق النقد الدولي، فإن الدول المتقدمة بدت متفائلة للغاية في توقعاتها حول النمو وإعادة انتعاش القطاع الخاص، كما بدت مترددة إلى حد كبير فيما يتعلق بالقرارات السياسية التي تخطط لاتخاذها من أجل إعادة هيكلة اقتصاداتها. وبحسب مسؤول كندي، ستكون هذه نقطة محورية في نقاشات نهاية الأسبوع.

وفي هذا السياق، قال مسؤول مطلع على المحادثات (لكن غير مصرح له بالحديث إلى الإعلام) «كل دولة أتت إلى هنا لتقول ما ستقوم بعمله». وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن تبني سياسات متناسقة بشكل مناسب قد يجلب للاقتصاد العالمي نحو 4 تريليونات دولار و30 مليون وظيفة خلال الأعوام المقبلة. وأضاف المسؤول قائلا «ونحن لا نرغب في أن نترك 4 تريليونات دولار على الطاولة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»