مجموعة العشرين: التحديات الاقتصادية الكبرى ما زالت تفرض نفسها.. ومخاوف العودة إلى الركود لم تتبدد

وزير الخزانة الأميركي: تعزيز آفاق النمو يتطلب استراتيجيات مختلفة في بلدان مختلفة

TT

على الرغم من مناشدة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال اجتماع قمة دول الثماني في تورونتو الاستمرار في إجراءات التحفيز الاقتصادي لمنع حدوث ركود عالمي آخر، فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى بقية الدول الأكثر قلقا بشأن الديون المتزايدة والمشاركة في الالتزام بخفض حكومتهم للعجز في الميزانية إلى النصف بحلول عام 2013، بحسب ما صرح به مسؤولون في الإدارة الأميركية أول من أمس. هذا الهدف هو اقتراح ستيفن هاربر، رئيس الوزراء الكندي الذي تستضيف بلاده مؤتمر دول العشرين للدول المتقدمة الذي عقد على مدار يومين، حيث يرغب هاربر في أن يكون جزء من الإعلان بشأن السياسة الاقتصادية العالمية التي تتبناها المجموعة قبل القمة الختامية أمس، يدعمه في ذلك القادة الأوروبيون ومن بينهم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي اقترح الخطة الأكثر تقشفا لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب في بلاده خلال نصف قرن.

وأقر كاميرون وأوباما خلال الجلسة الخاصة الأولى لهما منذ تولي كاميرون المنصب على اختلاف نهجهما الرامي إلى الموازنة بين الحاجة لتعزيز نمو اقتصادي أكبر وخلق الوظائف على المدى القريب، والرغبة في خفض الدين القومي على المدى البعيد والذي وصل إلى معدلات مرتفعة خلال الركود الاقتصادي، لكنهم قللوا من شأن هذه الاختلافات. وقال أوباما إنهما أجبرا على انتهاج وسائل مختلفة نظرا لاختلاف بنية الميزانية في كلا البلدين، فالدين في بريطانيا أكبر مما هو عليه في الولايات المتحدة، قياسا إلى حجم اقتصاد كل منهما، وأضاف أوباما «لكننا نسير في الاتجاه ذاته، وهو النمو المستدام على المدى الطويل الذي يوفر العمل للمواطنين».

فيما قال كاميرون «الدول التي تعاني من عجز كبير في الميزانية مثلنا يجب عليها اتخاذ تدابير كي تحافظ على هذا المستوى من الثقة في الاقتصاد الذي يعد أساسيا للنمو»، وقال مازحا إنه لا يستطيع أن يسدد ثمن الرحلة بالطائرة المروحية التي قام بها مع الرئيس باراك أوباما يوم السبت من مكان منعزل في قمة الثماني قبيل قمة العشرين في تورونتو.

وتعكس الوسائل المختلفة التي يمثلها كل من أوباما وكاميرون حالة الانشقاق داخل مجموعة الـ20، في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي انتعاشة، بصورة متقطعة، وسط مخاوف من حدوث ركود آخر. وخلال اجتماعات القمم الثلاث السابقة منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008، قامت مجموعة الـ20 بتنسيق تدابير لتحفيز الاقتصاد، والتشريعات المصرفية وإجراءات مكافحة الحمائية.

وقال جويدو مانتيغا، وزير المالية البرازيلي، للصحافيين، إن إدارة أوباما كان لها حلفاء في الاجتماع عارضوا التحركات السريعة لسحب إجراءات التحفيز الحكومي. وإن أهداف خفض الديون يمكن أن تهدد النمو الاقتصادي، وستكون «من الصعوبة بمكان بحيث لن تستطيع بعض الدول الالتزام بها. ومن الواضح أننا في حاجة إلى خفض العجز في الميزانية، ولكن بأي سرعة؟» وقد اتخذت اليابان أيضا موقفا أكثر اتساقا مع الولايات المتحدة.

وأكد وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر على الموقف الأميركي مجددا أول من أمس لدى وصل إلى تورونتو لبدء محادثات مجموعة الـ20. وقال في حديثه للصحافيين، إنه على الرغم من التقدم الذي شهدته مجموعة الـ20 منذ أواخر عام 2008 فإن آثار هذه الأزمة لا تزال مستمرة.

وفي محاولة لرأب الصدع بين القادة هنا، قال «التحدي الذي يواجهنا، كمجموعة الـ20، هو أن نعمل معا على تعزيز آفاق النمو، وهذا يتطلب استراتيجيات مختلفة في بلدان مختلفة، وقد خرجنا جميعا من الأزمة بسرعات مختلفة».

حضر أوباما إلى المؤتمر مطلع هذا الأسبوع لعرض مقترحه على الزعماء الأجانب بتبني تشريعات مصرفية أكثر صرامة، بعدما وافق الكونغرس على إجراء مراجعة شاملة بعيدة المدى للنظام التشريعي الأميركي، لكنه فشل في جهوده لإقناع الحكومات الأخرى بمواصلة تحفيز اقتصاداتها.

وعلى الرغم من سماح الكونغرس للرئيس أوباما بتحقيق انتصار في التشريع المصرفي خلال مغادرته لقمة مجموعة العشرين، فإن مجلس الشيوخ أصابه بانتكاسة كبيرة ترددت أصداؤها في تمسك القادة الأجانب بتطبيق خطط التقشف المالي. وقد أعد القادة الديمقراطيون سلسلة من الحوافز الاقتصادية من المساعدات لمساعدة الولايات التي ستعاني من تعثر مالي وبطالة طويلة الأمد، إلى جانب تخفيضات ضريبية متنوعة. وتؤكد هذه الانتكاسة على الصعوبة التي واجهها الرئيس أوباما في عرض مقترحه بشأن الحوافز، حيث يواجه الرئيس أوباما في الداخل كما هو الحال في الخارج، حدودا على بناء رأي موحد، وهو ما ساد في أعقاب بدء الأزمة المالية العالمية في 2008، التي فضلت المزيد من العجز على توفير المزيد من الوظائف. وهو ما ترى الحكومة الأميركية أنه يمثل مجازفة إما باستمرار الانتعاش الاقتصادي العالمي أو الانتكاسة إلى ركود اقتصادي آخر.

بيد أن إدارة أوباما ذاتها تشهد انقسامات حول كم الحوافز الإضافية المطلوبة. فترى بعض التقارير الجديدة الواردة في الأيام الأخيرة أن بيتر أورزاغ، مدير الميزانية الذي أعلن مؤخرا أنه سيغادر منصبه في أواخر يوليو (تموز)، أنه استقال نتيجة للإحباط لرفض تنفيذ إجراء تخفيضات أعمق وأسرع في العجز المتوقع، ويصر المستشارون والمقربون من أورزاغ على أن الأمر ليس كذلك، حيث واصل أورزاغ مناقشة هذه المسألة مساء الجمعة في مدونته على موقع الويب التابع لمكتب الإدارة والميزانية. وقال إن «الوقت قد حان بالنسبة لي للمضي قدما»، وتحدث أورزاغ عن خطوات للحد من العجز الذي اقترحه أوباما: تجميد لمدة ثلاث سنوات بعد هذه السنة المالية للمخصصات الداخلية غير الأمنية، وتريليون دولار في التخفيضات على مدى عقد لجنة مالية من الحزبين - إحدى أولويات السيد أورزاغ - تحاول تقديم توصيات، مع الأول من ديسمبر (كانون الأول)، لخفض الدين. وقال أورزاغ «أوضح الرئيس لفريقه الاقتصادي أنه جاد في معالجة مشكلاتنا المالية».

حقيقة الأمر أن أورزاغ شكا إلى بعض مساعديه من أن خلق فرص العمل في مقابل الحد من العجز أمر خادع، والخلاف الوحيد هو على التوقيت. وقبيل انطلاق قمة مجموعة الـ20، شارك غيتنر، الأقرب في تفكيره إلى أورزاغ، لورانس سامرز مدير المجلس الاقتصادي الوطني التابع للبيت الأبيض، والمؤيد لمزيد من التدابير لتحفيز الاقتصاد على المدى القصير، في كتابة عمود افتتاحية في صحيفة «وول ستريت جورنال». وقد أشاد هاربر، رئيس الوزراء الكندي، بكاميرون على مبادرة التقشف التي اقترحها يوم الجمعة، قائلا إنها نوع من التخفيضات المالية التي يجب على بقية الدول في مجموعة الـ20 تبنيها. وقال مستشار لهاربر أول من أمس إنه يحاول الضغط على الزعماء الآخرين للالتزام بالتنفيذ الكامل «بخطط التحفيز القائمة» - مقترحا عدم إدراج أي نفقات إضافية أو تدابير لخفض الضرائب - وخفض العجز السنوي في النصف بحلول عام 2013 ووضعها على مسار التراجع بعد عام 2016. وربما يكون ذلك الاقتراح الأكثر طموحا وتضييقا من اقتراح أوباما كهدف للجنته المالية. وكان قد اقترح أن تقوم الولايات المتحدة بخفض العجز السنوي إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول السنة المالية 2015.

* خدمة «نيويورك تايمز»