«بنك الفقراء الريفيين» يتبنى الرأسمالية ويطرح أكبر عملية إصدار للأسهم في التاريخ

بنك «الصين الزراعي» قد يجمع 22 مليار دولار

أحد فروع بنك الصين الزراعي (إ. ب. أ)
TT

تأسس بنك الصين الزراعي في عصر الزعيم الصيني ماو تسي تونغ من أجل المزارعين في المناطق الريفية في البلاد، بيد أنه في يوم الثلاثاء تبنى هذا البنك أحد أحلام الرأسمالية، حيث طرح أسهمه للاكتتاب العام للمرة الأولى.

وفي خطوة كان لا يمكن تصورها في عصر ماو، باع البنك الصيني أسهما بقيمة 19.2 مليار دولار في بورصة هونغ كونغ وبورصة شنغهاي. ومن الممكن أن يرتفع الطرح إلى 22.1 مليار دولار، وهو أكبر عملية طرح في التاريخ.

ويعد بنك الصين الزراعي آخر حلقة في سلسلة طويلة من الشركات الصينية التي خضعت للطرح العام منذ أن أعادت الصين فتح أسواق الأسهم قبل 20 عاما. بيد أن طرح هذا البنك للبيع، الذي يتحدى الاضطراب الجاري في أسواق المال في العالم، عزز وضع الصين باعتبارها الاقتصاد القائد في العام الحالي في عمليات الطرح الأولي، وبالتالي عزز من قوتها الاقتصادية والمالية. وقدرت عملية البيع قيمة البنك عند نحو 128 مليار دولار، أي أكبر من قيمة «سيتي غروب» أو «غولدمان ساكس».

وذات مرة أعلن دنغ شياو بينغ، الوريث المجازي لماو: «لأن تكون غنيا أمر رائع». بيد أنه ليس من المؤكد ما إذا كان بنك الصين الزراعي سيجعل المساهمين به أغنياء، ففي حين أن البنك يعد أكبر مقرض في الصين، فقد كان لفترة طويلة شقيقا ضعيفا من الناحية المالية. وبوضعه الحالي، لدى هذا البنك، الذي تم إنشاؤه عام 1979، 230 مليون عميل تجزئة، و2.7 مليون عميل من الشركات، وما يقرب من 24 ألف فرع، إضافة إلى ودائع تصل قيمتها إلى تريليون دولار.

بيد أن البنك على الرغم من ذلك سعى جاهدا لترجمة هذا الامتياز العملاق إلى ازدهار، ففي عام 1998 أنفقت حكومة بكين 270 مليار رنمينبي، وهو ما يعادل في ذلك الوقت 33 مليار دولار، لإعادة تمويل البنوك الأربعة الكبرى في البلاد. ثم اشترت بعد ذلك قروضا عديمة القيمة من بنك الصين الزراعي بقيمة 346 مليار رنمينبي (50.9 مليار دولار).

ولم تنجح خطة الإنقاذ تلك، ففي عام 2006 قال مراجعو الحسابات إنهم اكتشفوا صفقات احتيالية في بنك الصين الزراعي يصل إجمالي قيمتها إلى 60.3 مليار رنمينبي (7.5 مليار دولار). وفي عام 2008، في ظل وجود قروض غير عاملة تشكل قيمتها نحو ربع أصول البنك، ضخت الحكومة 19 مليار دولار إضافية في بنك الصين الزراعي، ثم أخذت على عاتقها مهمة تسديد قروض متعثرة تصل قيمتها إلى 800 مليار رنمينبي (120 مليار دولار).

ويقول البنك الآن إن القروض غير العاملة لديه تصل إلى نحو 2.9 في المائة من أصوله، ولا تزال هذه النسبة هي أكبر نسبة معلنة رسميا بين البنوك الصينية الكبرى. ويقول كثير من المحللين إن الرقم الحقيقي أعلى بكثير.

وتم بيع أسهم البنك بالتزامن في بورصتي هونغ كونغ وشنغهاي. وفي هونغ كونغ بلغ سعر السهم نحو 3.20 دولار، وهو نصف السعر المتوقع. وفي بورصة شنغهاي بلغ سعر الأسهم من الفئة الأولى، التي يستطيع المواطنون الصينيون شراءها، نحو 2.68 رنمينبي، وهو الحد الأعلى للتوقعات. ومن المتوقع أن يبدأ التداول على هذه الأسهم في منتصف شهر يوليو (تموز).

وتم النظر إلى عملية البيع على نطاق واسع على أنها أحد إجراءات الثقة في الآفاق الاقتصادية للصين، وكان يعتقد في الماضي أنها قادرة على جلب 30 مليار دولار. بيد أن الاستقبال كان ضعيفا بسبب الانخفاض في سوق أسهم شنغهاي، والمخاوف المتنامية بشأن وقوع انكماش في الاقتصاد الصيني، والمخاوف بشأن أصول البنك وآفاق النمو.

وحتى الآن لا يزال شرف أكبر اكتتاب عام أولي مع بنك آخر تسيطر عليه الدولة، وهو بنك الصين الصناعي والتجاري، الذي جمع 21.9 مليار دولار في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2006.

وواصلت عملية البيع يوم الثلاثاء سلسة من الاكتتابات العامة الأولية من جانب شركات في الأسواق الصاعدة، وهو ما أكد على الضعف الاقتصادي للدول الغنية والقوة الصاعدة للدول النامية. وتمت تقريبا جميع أكبر الاكتتابات العامة الأولية لعام 2010 خارج الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. ويشير ذلك إلى استمرار كسب الصين قوة في الأسواق العالمية.

وفي مؤتمرات صحافية الأسبوع الماضي في هونغ كونغ، تعهد المسؤولون ببنك الصين الزراعي بالتمسك «برقابة حكيمة على الائتمان»، وقالوا إن الامتياز الفريد للبنك - والمتمثل في السيطرة على 800 مليون عضو في أسر المزارعين، إضافة إلى وضع قوي في المناطق الصناعية - سيساعده على تحقيق الازدهار من الهجرة من الريف إلى المدن في الصين، وكذلك خطط الحكومة لتحفيز الاستهلاك في المناطق الريفية. وتتمركز معظم البنوك الأخرى بصورة رئيسية في المناطق الريفية.

ويقول مشككون إن خدمة العملاء في البنك لا تزال بالغة السوء، وتوصية الحكومة له بخدمة المزارع والمزارعين يجعله محصورا في المجالات منخفضة النمو في الاقتصاد الصيني. ومع ذلك يصر المسؤولون بالبنك على أن ثلث نشاط البنك فقط متمركز في المناطق الريفية.

وكانت خطة الإنقاذ لعام 2008 تهدف إلى تجهيز بنك الصين الزراعي للاكتتاب العام في الشهر الحالي، وهو ما يكمل بفاعلية إعادة هيكلة شاقة في البنوك الأربعة المملوكة للدولة، التي تطلبت خطط إنقاذ لتسديد الديون المتعثرة، بلغت قيمتها 650 مليار دولار، وإصلاحات في الإدارة من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا.

وتم طرح البنوك الثلاثة الأخرى للاكتتاب العام، وهي بنك الإنشاء والتعمير الصيني وبنك الصين الصناعي والتجاري وبنك الصين.

وتراهن الحكومة على أن الميزانيات المدعمة والانضباط في السوق وخبرة المساهمين الأجانب ستساعد على تحويل البنوك الصينية إلى بنوك منافسة على الصعيد العالمي. يشار إلى أن «بنك أوف أميركا» استثمر في بنك الإنشاء والتعمير الصيني، ويمتلك بنك «ستاندارد تشارترد» حصة صغيرة في بنك الصين الزراعي.

لكن ليس لدى الجميع قناعة بأنه تم معالجة المشكلات الجذرية التي تعاني منها هذه البنوك. انزلقت البنوك الأربعة نحو التعثر في تسعينات القرن الماضي، عن طريق إصدار قروض غير حكيمة بناء على طلبات من مسؤولين بالحكومة. بيد أنه حتى بعد الطرح العام على الصعيد العالمي، لا تزال البنوك الأربعة خاضعة بصورة صارمة لسيطرة بكين. وتقدم الأزمة المالية العالمية، التي قدمت خلالها البنوك الصينية قروضا قيمتها تريليونا رنمينبي بناء على أوامر من الحكومة، أدلة دامغة على أن نفوذ الدولة على البنوك لا يزال قويا.

وفي الواقع، يتوقع معظم الخبراء الاقتصاديين أن البنوك الكبرى في الصين ستكون مثقلة بموجة أخرى من الأصول غير العاملة في الوقت الذي تنتج فيه موجة الإقراض الشديدة خلال العامين الماضيين مجموعة جديدة من القروض الرديئة.

ويعرف المستثمرون هذا الأمر. ومع ذلك، شأنه شأن الاكتتابات السابقة، حظيت عملية الاكتتاب العام الأولي لبنك الصين الزراعي بأعداد كبيرة من المكتتبين، ويرجع ذلك في بعض جوانبه إلى أن الجميع يعتقدون أن الحكومة ستضمن نجاح البنك. وكانت مؤسسات رئيسية تسيطر عليها الحكومة من بين المكتتبين الأوليين في هذا الإصدار.

* شارك في هذا التقرير إريك داش من نيويورك وبيتينا واسنر من هونغ كونغ.

* خدمة «نيويورك تايمز»