بعد كارثة خليج المكسيك.. خبراء بيئيون يطالبون برفع درجات وقاية شركات النفط في الخليج العربي

الأرصاد السعودية لـ «الشرق الأوسط» : البيئة الضحلة للخليج ميزة في السيطرة على الآبار التي يمكن أن يحدث بها تسربات

التسرب النفطي في خليج المكسيك كان له عواقب كارثية (نيويورك تايمز)
TT

تمثل كارثة التسرب النفطي في خليج المكسيك قبالة السواحل الأميركية، جرس إنذار لمزيد من الاحتياطات الوقائية في صناعة النفط حول العالم وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص التي تنتج قرابة 24 مليون برميل يوميا تمثل ثلث الإنتاج العالمي من النفط في مساحة لا تزيد عن 249 ألف كيلومتر مربع، لذا فإن الاستعداد لمواجهة تحديات مشابهة يصبح أمرا حتميا.

الكارثة التي تحيق بالخليج ليست فقط التسربات من الآبار التي ما زالت قادرة على الإنتاج والتي لا تمتلك تقنيات السلامة الحديثة أو لا تتلقى الصيانة التي تحتاجها بسبب الضغط الذي تعمل تحته، بل أيضا تلك الآبار المنسية التي أحيلت إلى التقاعد وغادرتها المنصات بسبب قلة النفط المستخرج منها، حيث تمثل جزءا لا يستهان به من مشكلة التسربات النفطية لأنها ما زالت تضخ كميات من النفط والغاز.

حادث خليج المكسيك، يدفع المهتمين بالبيئة في الخليج العربي للحذر أكثر، خاصة أن مياه الخليج ليست مصدرا للغذاء فقط، ولكنها تمثل القسط الأكبر من مياه الشرب للدول المطلة عليه بحكم محطات التحلية الضخمة، مما يجعل الكارثة دافعا لمراجعة الخطط ورفع الجاهزية للاستمرار، وتطوير خطط ووسائل المكافحة ورفع مستويات الأمان.

مشكلة التسرب النفطي في خليج المكسيك، تكشف أن عالم صناعة النفط، إنتاجا ونقلا، معرض على الدوام للمخاطر، وهي بحاجة لجهود محلية ودولية لمواجهة التحديات الناجمة عنه، فالخليج العربي زاخر بأعداد كبيرة من الحقول النفطية المغمورة بعضها دخل مرحلة الإنتاج منذ 60 سنة.

وفي الوقت الذي تقبع فيه إيران والعراق في ذيل قائمة الدول المطلة على الخليج العربي من ناحية التقنيات النفطية الحديثة بحسب رأي المهندس حجاج أبو خضور الخبير النفطي الكويتي والمهندس عبد الرحمن الشهري الخبير البيئي السعودي، فإن السعودية التي نفذت وتبنت مشاريع صيانة لحقولها النفطية هي الأفضل بين دول الخليج، إلا أنها ليست بعيدة عن أي مخاطر نفطية قد تحدث في الخليج بسبب مساحة المنطقة التي يتم الإنتاج فيها.

أحرزت شركة «أرامكو» السعودية مؤخرا أكبر شركة نفط في العالم جائزة التميز في مجال حماية البيئة، التي يمنحها معهد الشرق الأوسط للتميز. وأعلنت الأمانة العامة للجائزة أن حصول «أرامكو» السعودية على الجائزة يأتي تكريما لما حققته، نظير أدائها المتميز والإبداع والجودة في تطوير المجال البيئي، بحيث أخذت على عاتقها مسؤولية تحقيق هدف حماية البيئة في السعودية خاصة، ومنطقة الخليج بشكل عام. كما قال المهندس هشام بن أحمد المسيعيد مدير إدارة حماية البيئة في «أرامكو» السعودية، إن الشركة كان عليها أن تتبنى سياسات بيئية صارمة تقوم على الحفاظ على البيئة والصحة العامة في جميع مناطق أعمالها المساهمة في تشجيع الممارسات البيئية الصحيحة بين أفراد المجتمع.

في الجانب السعودي من الخليج، ثمة اطمئنان لسجل شركة «أرامكو» السعودية فيما تمتلكه من الخبرة والجاهزية والاستعداد في مجال مكافحة التلوث النفطي في البحار، وهي الشركة التي أقرت قبل 41 عاما، أول خطة استراتيجية لحماية البيئة، حيث تبنت هذا التوجه في وقت مبكر منذ عام 1961، يؤيد هذا التصور نجاح الشركة في الاستجابة لأكبر حادثة انسكاب للزيت وقعت في التاريخ إبان حرب الخليج الثانية، عام 1991 حيث تدفق ما يتراوح بين 6 و8 ملايين برميل من آبار الزيت الكويتية المدمرة في مياه الخليج، مما جعل «أرامكو» مؤهلة للتصدي لأي حادثة مهما كان حجمها قد تقع بعد ذلك.

«الشرق الأوسط» حاولت الاتصال بمنسوبي شركة «أرامكو» السعودية للتعرف على جهودهم في مكافحة التلوث النفطي، إلا أنها لم تستطع الحصول على إجابات على الاستفسارات التي أرسلت إليهم وتم التعقيب عليها عبر الهواتف الجوالة لأكثر من مسؤول سواء في إدارة العلاقات العامة أو في إدارتها العليا.

من جانبها، الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية، وهي الجهة المعنية بملف حماية البيئة في السعودية والمياه التي تطل عليها، تستثمر ملايين الدولارات في إعادة تأهيل المناطق التي شهدت أكبر عملية تلوث نفطي خلال حرب الخليج الثانية.

يقول حسين القحطاني المتحدث الرسمي باسم الرئاسة لـ«الشرق الأوسط»، إن المواقع المتضررة من التسرب النفطي خلال حرب الخليج سواء الشواطئ أو المناطق البحرية، تمت ترسيتها على شركات عالمية وشركات محلية لتطهيرها وإعادة التوازن البيئي لها كما كان قبل حرب الخليج، في حين قال إن تقديرات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لحجم النفط المنسكب في مياه الخليج يتراوح بين 12 و15 مليون برميل.

وفي حين اعتبر القحطاني أن البيئة الضحلة للخليج العربي ميزة في السيطرة على الآبار التي يمكن أن يحدث بها تسربات، حيث قال «إن أعمق منطقة يتم استخراج البترول منها لا يتجاوز عمقها 25 مترا، مما يمكن القائمين على الصناعة النفطية والجهات المعنية بالبيئة، فيما لو حدث خلل في إحدى الآبار من الوصول وإغلاقها بسرعة».

وقال القحطاني إن إعادة التأهيل للمناطق التي تعرضت للتلوث النفطي جراء حرب الخليج الثانية مطلع تسعينات القرن الماضي يتم تمويلها من مبالغ التعويضات التي يدفعها العراق للسعودية بموجب القرارات والأنظمة الدولية، حيث أشار إلى تسليم مبالغ من الأمم المتحدة للحكومة السعودية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الكارثة التي تسبب فيها النظام العراقي آنذاك.

وبين القحطاني أن هناك خطتين لمواجهة أي تسرب نفطي، حيث تتبنى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة «الخطة الوطنية لمكافحة التلوث بالزيت داخل المياه الإقليمية السعودية»، وكذلك الخطة الإقليمية تشرف عليها المنظمة الإقليمية للتعامل مع التلوث النفطي (ROPME)، التي تتخذ من دولة الكويت مقرا لها، والسعودية عضو، كما أن جميع الدول المطلة على الخليج أعضاء في هذه المنظمة، وهي معنية بالتعامل مع أي تسرب نفطي في المياه الدولية في الخليج العربي كما تقدم هذه المنظمة خدمات مساعدة في حال حدث تلوث نفطي لأي من الدول الأعضاء.

وبالعودة إلى المهندس حجاج أبو خضور، الذي قال «قد تكون مشكلة التلوث النفطي في الخليج العربي لو حدث - لا سمح الله – على قدم المساواة مع البرنامج النووي الإيراني، إن لم تتجاوزه بسبب معدلات التلوث العالية في مياه الخليج التي تتجاوز المعدلات العالمية المسموح بها، حيث أضحت مياهه تحتوي على بحيرات نفطية».

في حين توقع أبو خضور أن تصل كمية النفط المنسكب في مياه الخليج إلى نحو 15 مليون برميل، موضحا أن هذه الكمية الهائلة من النفط جاءت من التسربات النفطية من الناقلات العملاقة التي تعبر الخليج، حيث يمر بمياهه ناقلة نفط كل 6 دقائق، وكذلك نشاط التصدير الذي تقوم به الموانئ في الخليج العربي، إضافة إلى الآبار التي انتهى إنتاجها وتركت، إضافة إلى تفاوت التقنيات المستخدمة في الإنتاج بين ضفتي الخليج.

وقال أبو خضور إن التلوث النفطي الذي قضى على كثير من مظاهر التنوع البيئي في مياه الخليج يحتم على متخذي القرار، وضع الملف البيئي على قدم المساواة مع الملف السياسي والاقتصادي، وطالب أبو خضور دول الخليج بتبني مشاريع اقتصادية استراتيجية مثل مد خط أنابيب لنقل النفط إلى موانئ مقامة على البحار المفتوحة والتصدير منها.

وبسبب الأهمية التي يشكلها الخليج العربي في الاقتصاد العالمي فإن حل مشكلات التسربات النفطية ستكون كبيرة، وذلك - بحسب أبو خضور - يعود إلى عاملين رئيسيين، الأول سرعة الاستجابة لأي حادث انسكاب للنفط، والثاني استيعاب أبعاد المشكلة، وتحمل مسؤولية حلها بالشكل الذي يحافظ على البيئة.

المهندس عبد الرحمن الشهري، المستشار البيئي ومدير الشؤون الصناعية والبيئية بشركة «أرامكو» السعودية سابقا، يرى أن ما حدث لشركة «بريتش بتروليوم» في خليج المكسيك يمكن أن يحدث لأي شركة بترول عاملة في المنطقة المغمورة من الخليج العربي الذي يوجد بباطنه أكبر حقول النفط مثل حقل السفانية وحقول الغاز التي تمتلكها دولة قطر وغيرها من الحقول على طول الخليج وعرضه والتي تمثل ما يقرب من ثلث احتياطي وإنتاج البترول والغاز في العالم.

ويضيف الشهري «إذا سلمنا بهذه القاعدة فإنه لا بد من مراجعة وضع آبار النفط والغاز في مناطق الإنتاج والتأكد من أن قواعد السلامة متوفرة مع العلم بأن الكثير من هذه الآبار حفرت منذ فترة طويلة ولم يكن ذلك بواسطة شركات وطنية، بل بشركات كان همها الوحيد في تلك الفترة إنتاج البترول بأسرع وأرخص الأسعار».

وتابع «مصادر الحوادث بما فيها حوادث التلوث عادة لا تخرج عن أحد سببين، هما عمل خاطئ مثلما حدث في بئر الإنتاج في حقل النيروز الإيراني الذي تسبب في تسرب ما يقرب من مليوني برميل من البترول عام 1983».

وأضاف الشهري «السبب الثاني عدم إجراء برامج صيانة دورية لآبار البترول والتأكد من أن هناك برنامج حماية من التآكل Cathodic Protection».

ويعتبر الخبير البيئي أن توفر مكابح السلامة أمر هام وهي المكابح التي تحت سطح البحر والمعروفة في صناعة البترول بـ«Subsea SafetyValves» ((SSSV التي تعمل أوتوماتيكيا بمجرد انخفاض ضغط البترول أو الغاز، مما يمنع خروج المواد السائلة والغازية من البئر عند حدوث أخطاء بشرية أو بعد إحالتها إلى التقاعد نتيجة انخفاض إنتاجها من النفط أو الغاز.

كما يجب - بحسب الشهري - مراجعة خطط الطوارئ الخاصة بحماية الحقول والمناطق المحيطة فمتى ما كانت الاستجابة للحوادث والسيطرة سريعة على تلك الحوادث قللنا من تأثيرات التسرب المادية والبيئية.

من جانبه، كان الخبير النفطي الكويتي حجاج أبو خضور أكثر تشاؤما في حال حدوث تسرب نفطي، إذ قال «إن التكلفة البيئية والخسائر التي ستتعرض لها دول الخليج ستكون كبيرة». وبين «دول الخليج تفتقر إلى التقنية في التعامل مع التلوث، إضافة إلى افتقارها إلى الاستجابة السريعة».

من ناحية الاستعدادات التي تجريها الشركات العاملة في إنتاج النفط، ربما يمثل التمرين البحري الميداني الذي يقام كل سنتين والذي تقيمه شركة «أرامكو» السعودية، استجابة لقرار الاجتماع الوزاري الرابع عشر للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، التي تضم جميع الدول المطلة على الخليج العربي، أحد أهم الجهود لرفع جاهزية هذه الدول لمواجهة التحديات البيئية في هذه المنطقة المزدحمة بالصناعة النفطية. التمرين الذي أقيم آخر مرة العام الماضي أمام السواحل السعودية يأتي ضمن خطة الطوارئ الإقليمية الخاصة برفع الجاهزية الدائمة لمواجهة أي حوادث بحرية قد تقع وتؤدي لانسكاب الزيت وتلوث مياه البحار والشواطئ والإضرار بالبيئة البحرية على وجه الخصوص.

يشار إلى أن الكارثة في خليج المكسيك أصبحت تهدد اقتصاد 4 ولايات أميركية، هي: مسيسيبي ولويزيانا وفلوريدا والاباما، حيث يصل حجم النفط المتسرب بأكثر من 210 آلاف غالون من الخام الخفيف يوميا، في حين أعلنت شركة «بريتش بتروليوم» أنها لن تتمكن من إيقاف التسرب النفطي قبل شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، هذا التلوث كلف الشركة مليارات الدولارات حتى الآن.

الكارثة البيئية هناك لا يقتصر خطرها على الأحياء البحرية والشواطئ حيث يتوقع أن تتجاوز تكلفة تنظيف هذا التسرب النفطي 3 مليارات دولار، إلا أن الأثر بعيد المدى يتصل بالحياة الاقتصادية في الولايات الأربع التي تعتمد في اقتصادها وناتجها المحلي على الشواطئ والبحار التي تطل عليها، حيث تشير التوقعات إلى أن الفاتورة النهائية التي ستدفعها «بريتش بتروليوم» تناهز الـ26 مليار دولار.