الهند تسعى للتحول إلى لاعب عالمي في صناعة الأدوية

القطاع في طريقه إلى تسجيل نمو 13% خلال 2010.. والاستثمارات فيه فاقت 24 مليار دولار

أحد مصانع الأدوية في الهند («نيويورك تايمز»)
TT

إلى جانب معبد قديم على قمة أحد التلال, تنتج شركة «صن للصناعات الدوائية» أنواعا غير محمية ببراءة اختراع من أدوية السرطان وأدوية الصرع موجهة إلى الولايات المتحدة.

وهذا النشاط التجاري منتعش للغاية لدرجة أن شركة «صن» التي حققت إيرادات وصلت إلى 41 مليار روبية هندية (880 مليون دولار) العام الماضي، تتوقع أن تنمو مبيعاتها بنحو 20 في المائة العام الحالي، وتقوم بتنفيذ توسعات في مصنعها في منطقة هالول.

وقال سامباد باتاشريا، نائب رئيس شركة «صن» والمسؤول عن العمليات بالشركة، أثناء جولة قام بها في الآونة الأخيرة في هذا المصنع: «هذا الموقع متخصص في القيام بالأمور الصعبة». ولن يبدو هذا المبنى الإسمنتي ذو الألوان الزرقاء والرمادية، الذي ستبلغ مساحته 800 ألف قدم مربع بعد التوسعات، خارج السباق في مراكز تصنيع الدواء في نيوجيرسي، باستثناء قطعان الماشية والجاموس التي تتجول بالقرب من المكان.

وفي الماضي، كانت صناعة الدواء في الهند صناعة سيئة السمعة لتصنيعها أدوية رخيصة ومقلدة من الأدوية الغربية وكانت تبيعها في الدول النامية؛ لكنها الآن في طريقها للنمو بنحو 13 في المائة العام الحالي لتتجاوز الاستثمارات بها 24 مليار دولار. بيد أن الهند، المتمرسة في أساسيات صناعة الدواء، بدأت في الفترة الراهنة الاضطلاع بدور أكثر انتشارا في صناعة الدواء العالمية، والسبب في ذلك هو تعزيزها لقانون براءات الاختراع في الآونة الأخيرة وضغوط التكلفة على شركات الأدوية من العلامات التجارية الكبرى في الغرب.

وفي حين أن صناعة الأدوية في الهند كانت تواجه مشكلات متعلقة بالرقابة على الجودة، إلا أنها على الرغم من ذلك تستفيد من الحذر المتزايد بشأن إمكانية الاعتماد على المكونات من الصين، التي تقدم الدواء منخفض التكلفة. وتعد الولايات المتحدة أكبر مستورد للأدوية الهندية.

وقال أجي بيرامال، رئيس شركة «بيرامال هيلث كير» للأدوية في مومباي، إن الهند أصبحت «قاعدة للتصنيع بالنسبة إلى السوق العالمية». وطبقا لتوقعات بيرامال، التي قد تكون مفرطة في التفاؤل، ستقوم شركات الأدوية العملاقة في الغرب في نهاية المطاف بإدارة الخطوات الأولى والأخيرة في هذا النشاط، وهي اكتشاف الأدوية الجزيئية وتسويقها.

وأضاف أن هذه الشركات «لا تخلق قيمة كبيرة» في الخطوات التي تتوسط الخطوات الأولى والأخيرة.

ومع ذلك، لا يعد المسؤولون التنفيذيون في الهند هم وحدهم المتفائلين بشأن صناعة الأدوية في البلاد، حيث إن المحللين وشركات الأبحاث ومكاتب الاستشارات كان لهم توقعات مشابهة أيضا في الشهور الأخيرة.

ودخلت شركات الأدوية الكبرى في المجال أيضا. ففي العام الحالي، باع بيرامال شركة الأدوية التي يمتلكها إلى شركة «أبوت لابوراتوريز» مقابل 3.7 مليار دولار، وهي الصفقة الأخيرة في سلسلة من الاستحواذات والاندماجات في البلاد.

وساعدت شركة «دايتشي سانكيو» اليابانية على بدء حملة الأدوية الأجنبية في الهند عام 2008، عندما اشترت حصة في شركة «رانباكسي لابوراتوريز»، وهي أكبر شركة لتصنيع الدواء في البلاد. وفي العام الماضي، عقدت شركة «غلاكسو سميث كلاين»، من بين صفقات أخرى، شراكة مع شركة «مختبرات الدكتور ريدي»؛ وعقدت شركة «فايزر» شراكة مع شركة «كلاريس لايف ساينسز»؛ واستحوذت شركة «سانوفي أفينتيس» على شركة «شانثا بيوتيكنيكس»؛ وفتحت شركة «بريستول مايرز» مركزا للأبحاث في الهند بالشراكة مع «بيوكون».

وقال جيم وريل، الرئيس التنفيذي لشركة «فارما سيرفيس نتورك»، وهي شركة للخدمات الاستشارية تقع في تشارلوت بولاية كارولينا الشمالية: «هناك الكثير من المواهب الرائعة بأسعار منخفضة كثيرا في الهند. ما أراه الآن هو انتقال التصنيع، بل وحتى التغليف والتركيبات إلى الهند».

يشار إلى أن هذه الشركة تنظم جولات في المصانع الهندية للمسؤولين التنفيذيين في شركات الأدوية الغربية، الذين يدرسون الاستعانة بجهات خارجية لتنفيذ جزء من أعمالهم.

ويعد التحول إلى الأدوية جزءا من تحول ماهر أوسع نطاقا في الاقتصاد الهندي. وتحرز الهند، التي ذهبت إلى ما هو أبعد من الخدمات الأقل تطورا والتي تتم فيها الاستعانة بمصادر خارجية، مثل مراكز الاتصالات الهاتفية، تقدما في سلسلة القيمة التجارية، لا سيما في القانون والتشخيصات الطبية. والآن تظهر الهند ميلا إلى التصنيع، خصوصا في السلع التي تتطلب إنتاجا عالي المهارة وأسعارا منخفضة للغاية.

وحتى وقت قريب، كانت صناعة الأدوية «صناعة متغطرسة تماما، لا تستعين بمصادر خارجية»، حسبما ذكر سوجاي شيتي، المدير بشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» في مومباي. لكنه يتوقع أنه على مدار السنوات الكثيرة المقبلة «سينتقل كل شيء في سلسلة القيمة إلى مناطق مختلفة من العالم أقل تكلفة». وأضاف أن الهند ستكون من المستفيدين الرئيسيين.

ومن الممكن أن تأتي الفرص التالية للهند في الأهداف الأكثر تطورا في صناعة الأدوية، بما في ذلك الأبحاث والتطوير لصالح الشركات العالمية العملاقة، بل وحتى تطوير الأدوية المحمية ببراءات اختراع.

وقال بيرامال الذي احتفظ بعمليات الأبحاث والتطوير في «بيرامال لايف ساينسز ليمتد»، عندما باع بقية شركته إلى «أبوت»: «نستطيع القضاء على اكتشاف الأدوية المرخصة ببراءة اختراع في الهند بتكلفة أقل بكثير».

وفي المختبر الرئيسي في شركة «بيرامال» في شمال مومباي، يبحث نحو 300 عالم أدوية جديدة لمعالجة الالتهابات واضطرابات الأيض والسرطان. وقال بيرامال إنه إذا تكلف الأمر من شركات الأدوية الكبرى «من مليار إلى 1.5 مليار دولار لاكتشاف دواء جديد، فإننا نستطيع القيام بذلك بعشر التكلفة فقط» وذلك نظرا إلى الأجور المنخفضة.

وقال جي في براساد، الرئيس التنفيذي لـ«مختبرات الدكتور ريدي»، إن شركات تصنيع الدواء الهندية لديها «القدرة على التعامل مع تطوير المنتجات بصورة كبيرة للغاية وبتكلفة منخفضة». وقد أتم الدواء الأصلي لمعالجة السكري لشركة «الدكتور ريدي» المرحلة الثالثة المتمثلة في الاختبارات السريرية، وهي الخطوة الأخيرة قبل السعي إلى موافقة إدارة الأغذية والأدوية.

وعلى الجانب الآخر، يعمل نحو 650 عالما في شركة «صن» مدعومين بأعداد كبيرة من المعدات المكلفة و10 آلاف حيوان للتجارب، على تحليل الأدوية بهدف إعادة تصنيعها بأسعار منخفضة مع آثار جانبية أقل.

وقال تي راجامانار، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «صن فارما أدفانسد ريسيرش» إن العلم الثوري لا يتعلق فقط بتطوير المنتجات التجارية الجديدة، لكنه أيضا يهدف إلى تعلم كيفية تصنيع أحد الأدوية الموجودة «بكفاءة عالية».

ومع ذلك، لا يزال أمام صناعة الأدوية في الهند، بكل إمكانياتها، طريق طويل للوفاء بوعودها.

ووفقا لإحصاءات الحكومة، صدرت الهند أدوية وخدمات تصل قيمتها إلى 384 مليار روبية (8.3 مليار دولار) خلال العام المالي 2008 - 2009، بارتفاع قدره 25 في المائة عن العام الأسبق.

ومع ذلك تأثر النمو في الآونة الأخيرة بمشكلات متعلقة بالجودة. وذكرت إدارة الأغذية والأدوية مخالفات في التصنيع ارتكبتها شركة «رانباكسي» مرات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، وأمرت في شهر فبراير (شباط) الماضي بإجراء مراجعة لعمليات التصنيع العالمية للشركة.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، سحبت شركة «سانوفي أفينتيس» لقاحات صنعتها شركة «شانثا بيوتيكنيكس»، التي تم توزيعها إلى منظمة الصحة العالمية، بعدما اشتكى المستخدمون بشأن وجود رواسب بيضاء في العبوات الزجاجية. وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، بعدما تم اكتشاف مادة طافية في عبوات الحقن، سحبت شركة «فايزر» عبوات الحقن التي صنعتها شركة «كلاريس لايف ساينسز» وتم بيعها في الولايات المتحدة.

كما تعد الملكية الفكرية قضية أخرى، فقد قامت الهند، في محاولتها تغيير صورتها كمصنع غير قانوني لأدوية غير أصلية، بتشديد قوانين براءات الاختراع عام 2005. بيد أنه لا يزال هناك عشرات قضايا الملكية الفكرية قائمة في المحاكم بين شركات هندية وشركات أجنبية في جميع أنحاء العالم. ولا تزال شركات الأدوية الكبرى تنظر إلى تأمين حماية الملكية الفكرية في الهند على أنه أمر صعب.

وعلى الجانب الآخر، لا يزال التزييف الصريح متفشيا في صناعة الأدوية في الهند، حسبما يقول المسؤولون التنفيذيون والمحللون. واكتشفت دراسة حول الأدوية من تجار الجملة في الهند عن أن 3.6 في المائة من الأدوية لا تحتوي على مكونات نشطة على الإطلاق.

وكل ذلك هو السبب في أن المسؤولين التنفيذيين في صناعة الأدوية في الولايات المتحدة يقولون إن نظراءهم في الهند قد يكونون متفائلين للغاية بشأن آفاق صناعة الأدوية في بلادهم.

وقال بانوس كالاريتيس، الرئيس التنفيذي لشركة «إريكس للأدوية»، وهي شركة متخصصة في أبحاث وتصنيع الدواء بولاية كارولينا الجنوبية، التي تتنافس مع المختبرات والمصانع الهندية: «تعد التكلفة واحدة من القضايا المهمة، لكن هناك عاملين آخرين مهمين؛ الملكية الفكرية، وقضايا الجودة والأمان».

وردا على النفوذ المتنامي للهند، افتتحت إدارة الأغذية والأدوية مكتبين في هذا البلد، أحدهما في دلهي في مطلع عام 2009 والآخر في مومباي في شهر يونيو العام ذاته. وعندما يتم الانتهاء من تجهيز المكتبين، سيشمل طاقم العاملين بهما 10 من الموظفين، بما فيهم مفتشون واختصاصيون فنيون. ويعادل هذان المكتبان حضور الإدارة في الصين. وقالت متحدثة باسم الإدارة، إنه من بين الإجراءات الأخرى، سيساعد هذان المكتبان الإدارة على «التحقق من أن الأدوية المهمة والطريقة التي تُصنع بها تفي بمتطلبات الصحة والسلامة الأميركية».

وفي حين أن الصين هي بلا منازع المصنع لعدد كبير من السلع الاستهلاكية منخفضة التكلفة، فقد تكون لدى الهند ميزة نادرة في صناعة الأدوية. قاد التقليد قديم الأزل للهند في صناعة الأدوية غير المحمية ببراءات اختراع إلى إنشاء نظام تعليمي قوي في البلاد للعلماء المتخصصين في الأدوية، إضافة إلى خبرة طويلة في التعامل مع الهيئات التنظيمية الغربية. وأصدرت إدارة الأغذية والأدوية نحو 900 موافقة لمصانع في الهند لتوريد الأدوية أو المواد الخام في الصناعة إلى الولايات المتحدة، والغالبية العظمى منها خلال الأعوام الأخيرة، مقارنة بأكثر من 300 موافقة للصين.

وقالت سويثا شانتيكومار، المحللة في مجال الأبحاث بشركة «فروست أند سوليفان»، التي توقعت مزيدا من صفقات شراء الشركات الهندية من جانب الشركات العالمية العملاقة في المستقبل القريب، إن الشركات الهندية لديها «الكثير لتقدمه، إضافة إلى ميزة التكلفة». وأضافت أن الشركات الصينية «ليس لديها القدرة الفنية على إنتاج أدوية معقدة. إذا كنت تريد تصنيع أدوية بسيطة، مثل الأسبرين، فإنك تصنعها في الصين».

* خدمة «نيويورك تايمز»