الفيتناميون يكدسون الدولار لحماية أنفسهم من التضخم

انتشار ظاهرة دولرة اقتصاد البلاد وتسعير جميع المنتجات بالعملة الأميركية

متعاملون فيتناميون يتابعون تطور أسعار الأسهم والأوراق المالية في بورصة هانوي (أ.ف.ب)
TT

يتولى محل «ها تام» للحلي هنا بيع العملة الأجنبية كما لو كان محطة بنزين. ولذا لم تمض سوى ثوان قليلة على وصول غوان فان على متن دراجته البخارية حتى قام بتبديل مجموعة من الدونغ الفيتنامي بدولارات أميركية من فئة مائة دولار.

«يرغب المواطنون الفيتناميون دائما في أن تكون لديهم دولارات»، هذا ما قاله المهندس فان قبل أن يعود إلى الانضمام إلى عدد كبير من ركاب الدراجات البخارية في وقت الذروة. ويقول إنه يقوم عادة بتحويل جزء من راتبه إلى دولارات أميركية.

وتسعى الدول النامية – وفي هذه الأيام بعض الدول المتقدمة مثل اليونان وإسبانيا – بصورة مستمرة إلى المحافظة على ثقة المستثمرين الأجانب المتقلبين. ولكن تواجه فيتنام مشكلة مختلفة قليلا، حيث تكابد الحكومة هناك من أجل استعادة ثقة المستثمرين المحليين، من أمثال فان.

ولا يخشى الفيتناميون من أن يثقل كاهل الحكومة عجز ودين على غرار ما حدث داخل اليونان، فالعجز داخل هانوي متواضع نسبيا، كما لم يمض وقت طويل على وجود فيتنام داخل أسواق مالية دولية بالصورة التي تجعل الديون تتراكم عليها. ولكن ما يجعل المواطنين الفيتناميين يشعرون بالقلق هو الشك في أن الحزب الشيوعي الحاكم سيقوم بأي شيء من أجل تحقيق مستهدف النمو الاقتصادي الذي وضعه قبل حلول موعد انعقاد مؤتمر الحزب مطلع العام المقبل، حتى لو كان ذلك يعني ترك التضخم يخرج عن نطاق السيطرة.

ومن أجل حماية أنفسهم من هذه الاحتمالية، يجمع مواطنون الذهب والدولار الأميركي. ويقول محللون إنه على ضوء ذلك توجد مخاوف من نفاد الذهب والدولارات الأميركية من المصرف المركزي «بنك الدولة في فيتنام». ويقولون إنه في حال حدوث أي صدمة، مثل حدوث ركود اقتصادي عالمي، تؤثر على الصادرات والاستثمار الأجنبي، يمكن أن تجد فيتنام نفسها من دون دولارات كافية للدفع مقابل واردات هامة مثل الوقود.

وتقول نجيام آي لينغ، مديرة التقييمات السيادية الآسيوية في «فيتش راتينغز» داخل سنغافورة التي حذرت في مارس (آذار) من أنها قد تقلل من تقييم فيتنام الذي يقل بالفعل عما تعتبره الهيئة درجة التأهل للاستثمار: «السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو هل سيكون للدولارات فائدة».

ومنذ عام 1986، عندما تبنت فيتنام برنامج إصلاح اقتصادي يعتمد على التحرير الاقتصادي، تتخذ الدولة خطوات مترددة إزاء العودة للانخراط في الاقتصاد العالمي. وقام الرئيس الأميركي بيل كلينتون برفع الحظر التجاري الأميركي عام 1994، ووقعت الحكومة داخل هانوي اتفاقا تجاريا بارزا مع الولايات المتحدة عام 2000 يسمح لها بالتصدير إلى أميركا. وفي 2007 قبلت فيتنام داخل منظمة التجارة الدولية.

وقد حققت هذه الجهود نتائج جيدة. وفي عام 2008، تجنبت فيتنام الركود الاقتصادي العالمي، وشهدت نموا نسبته 5.3 في المائة ورفعت الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للفرد لأعلى من 1000 دولار مع المحافظة على توزيع الدخول بتوازن أكثر مما يحدث داخل الولايات المتحدة.

ولكن يعد مأزق ميزان المدفوعات آخر خبطة ضمن عدد من الخبطات القوية التي تحملتها البلاد مثل أي مسافر على طريق السوق الحرة الوعرة. ويجد واضعو السياسات الذين يتعلمون استخدام وسائل رأسمالية أنفسهم ينتهون إلى وسائل شيوعية معروفة.

ويقول بنديكت بينغام، ممثل صندوق النقد الدولي المقيم داخل هانوي: «إنهم يتحولون من نظام يتضمن قيودا وتعليمات إلى نظام يعتمد على أدوات السوق». ولكن يتغير المشهد بينما يقومون بذلك. ويضيف: «تحول الاقتصاد إلى سلوك قطاع خاص أكثر سرعة، وقد جعل ذلك إدارة الاقتصاد الكلي أكثر تعقيدا».

ويقول محللون وتنفيذيون إن فيتنام تحتاج إلى أن تبذل المزيد من أجل رفع يد الدولة، ولا سيما من خلال خصخصة صناعات مملوكة للدولة لتحفيز تحسينات أكثر فعالية في مشاريع البنية التحتية.

ويقول أدام سيتكوف، المدير التنفيذي داخل غرفة التجارة الأميركية في هانوي: «لا تتوافر لدى الدولة الكهرباء الكافية، ولا توجد بها بنية تحتية مناسبة في أي فئة». وقد كان التضخم عرضا جانبيا مشتركا خلال ظهور فيتنام. وقد عاد التضخم الكبير في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات مع نمو استثماري تلا الإصلاح الاقتصادي. وفي الوقت الحالي، يتدافع المواطنون على تكديس المزيد من الدولارات عندما يرون أي بادرة تشير إلى حدوث تضخم، وقد أدى ذلك إلى تكون دائرة مفرغة تدفع قيمة الدونغ إلى أسفل وترفع الأسعار.

وخلال العامين الماضيين، تراجعت العملة الفيتنامية بنسبة 15 في المائة وسط هذه المخاوف. ويقدم برنامج «من سيربح المليون؟» المحلي جائزة قيمتها 120 مليون دونغ، ويساوي ذلك 6300 دولار فقط. ونتج عن ذلك ما يطلق عليه علماء الاقتصاد مسمى دولرة الاقتصاد الفيتنامي. وتحدد أسعار مختلف الأشياء مثل قيمة حجز غرف الفنادق وأسعار الكاميرات بالنسبة إلى الدولار.

ولكن السؤال: أين تذهب جميع هذه الدولارات؟ يذهب الكثير منها إلى ودائع دولارية ذات عائد منخفض داخل المصارف. ويخبأ قسم آخر داخل المنازل، ولا يعرف أحد كمية الدولارات التي تتداول داخل فيتنام.

وتعد الخزائن شيئا شائعا داخل المنازل في فيتنام. وتحدث أزمة مستمرة للمواطنين في كل مرة تغير فيها وزارة الخزانة الأميركية من خصائص الأمان على السندات الأميركية الكبيرة، ويرفض مغيرو العملات الأشكال القديمة.

وتعد المدخرات الكبيرة سمة في الاقتصادات الآسيوية، ويقول اقتصاديون إن ذلك ساعد على استمرار تفاوت تجاري عالمي وربما كان عاملا في الأزمة العالمية. وكما هو الحال داخل اقتصادات أخرى في المنطقة، تعد فيتنام دولة مصدرة كبرى حيث إنها ثاني أكبر مصدر للأرز والقهوة. وكما هو الحال مع الكثير من جيرانها، تثبت فيتنام سعر الصرف الرسمي لعملتها في مقابل الدولار.

ولكن لا تزال فيتنام في مستوى منخفض من التنمية، ولذا تضطر إلى استيراد الكثير من السلع المصنعة التي تحتاجها. وعلى الرغم من أنها تصدر النفط، تضطر إلى استيراد منتجات مكررة للوقود. ونتيجة لذلك تعاني البلاد من عجز في صافي التجارة.

وبينما تقوم دول آسيوية أخرى بتكديس الدولارات من أجل الحفاظ على عملاتهما من الارتفاع، تقوم فيتنام بالتخلص من الدولارات كي تحافظ على الدونغ من التراجع ومن ثم تزيد من التضخم، على الرغم من أن ترك الدونغ يتراجع في القيمة يجعل صادراتها أرخص.

وقد كانت فيتنام واحدة من الاقتصادات القليلة التي تجنبت الركود العالمي، ولكن بنهاية العام الماضي كان واضحا أن قارة آسيا تتعافى سريعا في المجمل وأن فيتنام في مؤخرة الركب. وعلى ضوء ارتفاع التضخم من جديد، واجهت الحكومة ضغطا جديدا على الدونغ.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) رفع المصرف المركزي معدلات الفائدة لتلطيف التضخم. وبعد أن عجز عن إعادة قيمة الدونغ إلى سعر الصرف الرسمي، قام المصرف المركزي بتخفيض السعر الرسمي حتى يستطيع أن يوقف بيع الدولار مقابل سعر مخفض. وفي فبراير (شباط)، قام المصرف بتقليل السعر الرسمي مرة أخرى.

وقد شهد الدونغ استقرار نوعا ما في الوقت الحالي، وهدأ النمو في الائتمان. ولكن لا يزال المستثمرون والمحللون الفيتناميون يشكون في أن الوضع استقر بالكامل، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن محاولات الحد من التضخم صحبتها تصريحات من هانوي تدعم نموا اقتصاديا أسرع.

ومن المقرر أن يعقد الحزب الشيوعي في مطلع العام المقبل المؤتمر الوطني الحادي عشر، وتعد هذه فترة هامة للمناورات السياسية، حسب ما يقول محللون. ويشيرون إلى أنه بالنسبة للمسؤولين الحكوميين يعد تحقيق مستهدفات النمو اختبارا هاما. وفي الشهر الماضي، تنبأ رئيس الوزراء نغوين تان دونغ بأن الناتج المحلي الإجمالي سيتجاوز مستهدف الحكومة.

ولكن تبدو جهود المصرف المركزي في بعض الأحيان متناقضة. وتشير لينغ، المسؤولة داخل «فيتش»، إلى أنه في الوقت الذي فرض فيه المصرف المركزي سقفا نسبته 1 في المائة على أرصدة المدخرات الدولارية لتقليل الطلب على العملة بين المواطنين، سعى المصرف إلى شراء الدولار من أجل تعزيز الاحتياطي الذي لديه. وتضيف: «مبعث القلق الرئيسي بالنسبة لنا هو أن الاقتصاد داخل فيتنام شمولي». وعلى الرغم من أن المصرف المركزي لم يصدر بيانات حالية عن الاحتياطي تقدر «فيتش» أنه تراجع إلى أقل من قيمة الواردات لشهرين. ويوصي علماء الاقتصاد عادة بأن يبلغ الاحتياطي قيمة واردات ثلاثة أشهر على الأقل. وتقول لينغ: «يعد ذلك رقما ضعيفا».

* خدمة «نيويورك تايمز»