إلى منتظري نظام الرهن العقاري

سعود الأحمد

TT

ينتظر البعض صدور نظام الرهن العقاري في السعودية (بفارغ الصبر!)، لأنهم يتوقعون أن أسعار العقارات ستنخفض بصدور هذا النظام!. ومما يحز في النفس أن غالبية هذه الفئة من الشباب والأسر ممن هم في مقتبل العمر.. ممن يحلمون بامتلاك مساكن. وبالفعل هناك ممن يروج لهذا الفكر من الكتاب والمحللين الماليين والاقتصاديين!. ولا شك أن العامة مجبولون على تصديق من يتحدث عبر وسائل الإعلام، اعتقاد منهم أن من يخرج ليتحدث عبر هذه المنابر، لا بد أن يكون مؤهلا لإبداء الرأي!.

وأنا هنا لست بصدد تقييم أحد، لكنني أؤكد على أن مثل هذا الرأي بحاجة إلى تأصيل.. حتى لا نقود الرأي العام إلى غير هدى. والذي أعرفه أنه بصدور نظام الرهن العقاري سيؤدي ذلك إلى طفرة عقارية، ربما تكون غير مسبوقة، خصوصا في العقارات التي يسمح الرهن العقاري بتمويلها ورهنها.

لكن الأمر يمكن تصوره ببساطة.. لأن الطلب سيزداد على العقارات التي سيسمح نظام الرهن العقاري بشرائها بتمويل بنكي ورهنها. وبالتالي سيرتفع الطلب ويزيد السعر. وبالمقابل، ستؤدي هذه الزيادة في الطلب على هذا النوع من العقارات إلى أن يكون على حساب العقارات التي لا يسمح النظام بتمويلها (إذا بقيت العوامل الأخرى المؤثرة). كأن يستبعد النظام قطع الأراضي السكنية بالمخططات غير المغطاة بالخدمات. وهذا معناه أن تنخفض أسعار قطع الأراضي الكبيرة الخام وأراضي المنح البعيدة عن الخدمات، ليكون هذا الانخفاض لصالح المخططات المشمولة بالخدمات.

وتجربة نظام الرهن العقاري ليست وليدة هذا العصر أو هذا المكان.. فأسعار العقارات في أميركا لم تحلق عاليا، إلا بسبب تسهيلات الرهن العقاري، وفي الإمارات، وبالأخص في دبي وأبوظبي، من المعروف أن أسعار الشقق السكنية لم تعرف الملايين إلا بفعل الرهن العقاري من شركات التمويل المالي والقروض البنكية. وهو ما أدى إلى الانتكاسة الحالية بانخفاض أسعار الوحدات السكنية مطلع هذا العام (2010) إلى قرابة 60 في المائة عن سعرها عام 2008، وهو السعر المقارب لأسعارها عام 2005. ومع هذا ينتظر لها أن تنخفض أكثر فأكثر، بفعل انخفاض الطلب المتأثر.. أولا: بفعل زيادة المعروض من العقارات السكنية، وثانيا: بتقلص السيولة المتداولة وانخفاض الجدوى الاقتصادية لدى مستثمري وشركات التمويل المالي.

لكن من جانب آخر، فإن صدور نظام الرهن العقاري له إيجابيات، حيث سيسهل من مهمة امتلاك المواطنين لمنازل، وينشط سوق العقار، ويغري مستثمرين جددا للدخول في الصناعة.. والشواهد كثيرة، ومنها ما حصل مؤخرا من تأسيس شركة «دويتشه الخليج» للتمويل. وبالمقابل سيفتح الباب على مصراعيه لزيادة حجم السيولة المتداولة في السوق. وهذا بالطبع سيرفع من أسعار مواد البناء وتكلفة الأيدي العاملة، ويؤدي إلى سرعة إعادة تدوير الرساميل والأصول العقارية، مما يساعد على ارتفاع نسبة التضخم.

والعبارة التي أود أن أهمس بها في آذان منتظري صدور نظام الرهن العقاري، هي أن «روح نظام الرهن العقاري معمول بها». فالشركات العقارية بدأت منذ زمن في بيع المساكن بضمان رهن أصل العقار، والبنوك شرعت (منذ أمد) في إقراض عملائها لشراء أراض ووحدات سكنية بضمان رهن هذه الأصول وبحجز ما لا يزيد على ثلث الراتب الشهري للمقترض.. فماذا بقي من روح نظام الرهن العقاري؟! لذلك.. ينبغي عدم الانتظار أكثر لمن يستطيع امتلاك المسكن عن طريق قرض بنكي، بأي نوع من التسهيلات، لأنه في الغالب سيكون في وضع أفضل، إن صدر نظام الرهن العقاري، وحتى إن تأخر النظام في الصدور.

* كاتب ومحلل مالي