المصارف الأميركية تخطط لتحويل قانون الإصلاح المالي إلى صالحها

لم تترك حبر القانون يجف لتوجه ضربة استباقية

TT

لم يكد الحبر الذي كتبت به القواعد الجديدة لتنظيم العمل في «وول ستريت» يجف، حتى تقدم المصرفيون بالفعل خطوة للأمام على الجميع. وبطرق صغيرة وكبيرة، تلتهم الإصلاحات واسعة النطاق في نظام الرقابة المالية، التي صادق عليها الكونغرس الأميركي يوم الخميس الماضي، الأرباح التي تحققها المصارف في البلاد. لذا، فبعد إنفاق ملايين الدولارات لحشد المعارضة للتشريع الجديد، يتجه المصرفيون الآن إلى الخطة البديلة: التكيف مع هذه القواعد وجعلها تصب في مصلحتهم.

فعلى سبيل المثال، يفرض مصرف «بنك أوف أميركا» و«ويلز فارغو» وغيرهما من المصارف التي واجهت قيودا جديدة على الرسوم المرتبطة ببطاقات الائتمان، رسوما جديدة على فحص الحسابات. وتقوم مصارف ضخمة مثل «مصرف جيه بي مورغان الاستثماري» و«غولدمان ساكس»، اللذين اضطرا إلى تداول المشتقات في وضح النهار في دور مقاصة تخضع للرقابة بصورة وثيقة بدلا من الأسواق غير الرسمية، بتعزيز عمليات الوساطة في المشتقات المالية الخاصة بها. وتهدف هذه المصارف من وراء ذلك إلى التعويض عن أي خسائر في الأرباح - وربما تحقيق مزيد من الأموال أكثر من السابق - عن طريق لعب دور الوسيط في السوق الواسعة لهذه الأدوات المالية، التي يقول عنها ناقدون إنها كانت السبب الرئيسي وراء الأزمة المالية. وعندما يتعلق الأمر بما قد يكون أكبر قاعدة جديدة - وهي منع المصارف من إجراء الرهانات بأموالها الخاصة - فإن المصارف عثرت على ما تعتقد أنه حل، وهو السماح لبعض التجار بمواصلة القيام بهذه الرهانات، ما داموا يعملون أيضا مع العملاء.

ويقر رؤساء المصارف بأنهم يميلون إلى تمرير التكاليف المرتبطة بمشروع القانون إلى عملائهم. ويهدف هذا التشريع، الذي من المتوقع أن يوقع عليه الرئيس باراك أوباما لكي يصبح قانونا الأسبوع المقبل، إلى معالجة الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008 والحد من هذه الممارسة الأكثر خطورة في «وول ستريت».

وقال جامي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف «جيه بي مورغان تشيس»، بعدما أعلن المصرف عن أرباح وصلت إلى 4.8 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الحالي، يوم الخميس الماضي: «إذا كان نشاطك التجاري هو مطعم، ولا تستطيع تقاضي الأموال مقابل تقديم الصودا، فإنك ستتقاضى أموالا أكثر مقابل البورغر. وبمرور الوقت سيجري إعادة تسعيرة ذلك في النشاط التجاري».

وحسب تقديرات المحللين، قد تقود التغييرات التي فرضها التشريع الجديد وغيرها من الإصلاحات الأخيرة إلى خفض الأرباح في الصناعة المصرفية على المدى القريب بنحو 11 في المائة. وعلى المدى البعيد، ستكون وول ستريت قادرة على حل جزء من المشكلة على الأقل عن طريق القيام بما يحقق نجاحا أفضل، وهو ابتكار منتجات تستفيد من التشريعات الجديدة.

وفي «مورغان ستانلي»، سيستمع مجلس الإدارة إلى استراتيجيات بشأن كيفية التكيف مع النظم الجديدة خلال اجتماعه الأسبوع المقبل. وقد تخلص «سيتي غروب» بالفعل من وحدات الاستثمار المحفوف بالمخاطر التي حظرها مشروع القانون، لتوفير نقدية يستطيع أن يستخدمها سريعا في مجالات أخرى. وفي «جيه بي مورغان»، يلتقي 90 فريقا من فرق المشروعات بصورة يومية لمراجعة القواعد وإعادة تنظيم الشركات وفقا لذلك.

وقال ديمون في مقابلة أجريت معه: «كنا نستعد لذلك مثل استعدادنا للاندماج». وقال إن القيود الجديدة المفروضة على رسوم بطاقات الائتمان وبطاقات المدين، وكذلك المشتقات المالية، من الممكن أن تكلف مصرفه ما لا يقل عن عدة مئات الملايين من الدولارات سنويا، لكنه أضاف أن المصرف سيعثر على مصادر جديدة للإيرادات لسد هذه الفجوة.

وهناك دلائل على أن ذلك يحدث بالفعل في جميع مجالات الصناعة المصرفية. وقد تسلك خدمة فحص الحساب المجاني، وهي إحدى الدعائم الأساسية في النظام المصرفي على مدار العقد الماضي، قريبا، طريق أجهزة تحميص الخبز المجانية التي كانت تقدم لأصحاب الحسابات الجديدة. وتتجه المصارف بالفعل إلى تعويض الإيرادات التي ستخسرها بسبب انخفاض السحب على المكشوف ورسوم عمليات بطاقات المدين عن طريق رفع الرسوم المفروضة على خدمات أخرى. وعلى سبيل المثال، بدأت بعض المصارف مثل «ويلز فارغو» و«ريجنز فاينانشال» بولاية ألاباما و«فيفث ثيرد» بولاية أوهايو، في الآونة الأخيرة تقاضي رسوم صيانة شهرية من العملاء الجدد تتراوح بين دولارين و15 دولارا - بحد أقصى 180 دولارا في العام - على الحسابات الأساسية. وحتى مصرف «تي سي إف فاينانشال» في ولاية مينيسوتا، الذي كانت عقيدته في التسويق هي «الفحص المجاني تماما»، بدأ فرض رسوم العام الحالي ترقبا للقواعد الجديدة.

ومما لا شك فيه أنه في حالات كثيرة يستطيع العملاء تجنب الرسوم الجديدة لفحص الحساب عن طريق المحافظة على الحد الأدنى من الرصيد أو استخدام خدمات مصرفية أخرى، مثل الإيداع المباشر للرواتب وإصدار بطاقة مدين.

ومع ذلك، في ظل انتشار رسوم فحص الحساب، أطلق «بنك أوف أميركا» حسابا بدائيا خاليا من الرسوم يوم الأربعاء، عشية التصويت على مشروع القانون في مجلس الشيوخ. ولتجنب أي رسوم، يجب على العملاء أن ينسوا أمر استخدام ماكينات الصرف الآلي في الفروع المحلية القريبة منهم، ويستخدموا ماكينات الصرف الآلي التابعة لمصرف «بنك أوف أميركا» فقط، وأن يختاروا تلقي كشوف الحساب عن طريق الإنترنت فقط.

وقال ديفيد أوين، المسؤول التنفيذي عن منتجات الدفع في «بنك أوف أميركا»: «سنرى مزيدا من هذه العروض المستهدفة».

وعلى سبيل المثال، أضاف مصرف «فيفث ثيرد» خدمات إضافية لخدمة فحص الحسابات لديه، مثل إنذارات السرقة وخصومات السمسرة، لكنه أضاف الآن رسوم صيانة شهرية. ويدرس مصرف «جيه بي مورغان تشيس» رفع الرسوم السنوية لبطاقات المدين التي تقدم نقاط مكافآت، أو خفض عدد النقاط التي تقدمها.

وقال آرون فاين، الشريك في شركة «أوليفر وايمان» للاستشارات المالية: «تشير التجارب إلى أن ذلك يكلف المصرف ما بين 150 إلى 350 دولارا في العام». وأضاف أنه إذا كانت المصارف لا تستطيع استرداد هذه الأموال، فقد تضطر إلى التخلص من العملاء غير المربحين.

وفي حين أنه من المتوقع أن تكون المصارف التجارية أول من يشعر بهذه الآثار، فإن المصارف الاستثمارية تستعد لتغييرات جوهرية في الأعمال التجارية المربحة مثل التداول في المشتقات المالية.

وفي الماضي، كانت المصارف تبيع عقود المشتقات المعقدة مباشرة إلى المشترين، وتحتفظ برسوم باهظة، لكنها كانت تتحمل مخاطر كبيرة في الوقت نفسه. والآن، سيتم تداول معظم المشتقات المالية من خلال دور المقاصة، التي ستتحمل المخاطر، مما يجعل المصارف تتوسط في العمليات بكل بساطة.

وسيغير التحول إلى دور المقاصة التداول في المشتقات المالية من سوق مربحة للغاية إلى نشاط قائم على الحجم بصورة أكبر، سيتعين على المصارف فيه التسابق حول خدمات العملاء والأسعار. ونتيجة لذلك، أنفقت المصارف بالفعل ملايين الدولارات على تحديث أنظمة الكومبيوترات لديها بحيث تكون أكثر كفاءة في السنوات العجاف المقبلة.

وفي الوقت الذي حاربت فيه جماعات الضغط بنجاح من أجل تخفيف الأجزاء الأكثر قسوة في القواعد الجديدة المتعلقة بالمشتقات، عجلت هذه الجماعات نفسها بصورة هادئة خططا للتكيف مع أي قواعد سيتم تمريرها في النهاية.

وفي مصرف «جيه بي مورغان» الاستثماري، كان أكثر من 100 فرد، من التجار إلى مديري المخاطر والمبرمجين، منشغلين طيلة الأشهر الماضية في إعادة تطوير النشاط الضخم للمشتقات في المصرف. وتخلى «سيتي غروب» عن عشرات الموظفين في مشروعات مماثلة، وقد ينشئ وحدة عالمية لنشاط خدمات المقاصة.

وعلى الرغم من أن القواعد المتعلقة بالمشتقات لن تدخل حيز التنفيذ حتى عام 2011، فإن المصارف الرئيسية كانت تبيع خدمات المقاصة الجديدة إلى صناديق التحوط وغيرها من العملاء المحتملين منذ نهاية عام 2009.

وقال دونالد موتشويلر، الشريك المدير ورئيس شركة «فيرست نيويورك سيكيوريتيز»: «إذا كنت تعمل في نشاط التداول الإلكتروني، فإن ذلك حتما يتم ذكره في المناقشات وتسعيره في اتفاق المقاصة الخاص بك».

وكما أن نشاط المشتقات المالية من المحتمل أن يتغير، لكنه من الصعب أن يختفي، فإن تداول الملاك ليس من المحتمل أن يختفي في أي وقت قريب.

وفي هذه الحالة، فإن مصارف مثل «سيتي غروب» وغيره بدأت تفكيك المكاتب المستقلة التي تستخدم أموال المصرف للقيام برهانات مضاربة، مما ينقل هؤلاء التجار إلى مكاتب تعمل لصالح العملاء. بيد أن هؤلاء التجار سيظلون قادرين على القيام برهانات عرضية في السوق، حتى وإن كانت مسؤوليتهم الأساسية هي خدمة العملاء.

* شارك في هذا التقرير أندرو مارتن

* خدمة «نيويورك تايمز»