وكالة الحماية البيئية تدرس مخاطر استخراج الغاز الطبيعي

أصابع الاتهام تتجه نحو «التكسير الهيدروليكي» وأضراره

شاحنة ممتلئة بالرمال المستخدمة في التنقيب عن الغاز في بنسلفانيا التي ساعدت على النهوض بالقطاع (رويترز)
TT

توافدت حشود من الناس على المؤتمر العام الذي انعقد في كانونسبرغ يحمل كل منهم قصصا عن مياه الآبار صفراء اللون كريهة الرائحة، والماشية المشوهة، والأسماك المسممة والتهابات الجلد.

وأشار أحد المشاركين إلى أحداث فيلم الإثارة «ليلة الموتى الأحياء» الذي أنتج عام 1968، وجرى تصويره على مسافة ساعة من هذه المدينة الواقعة بجنوب غربي بنسلفانيا.

ووجه المشاركون أصابع الاتهام إلى «التكسير الهيدروليكي»، وهو أسلوب لاستخراج الغاز الطبيعي يتضمن تفجير صخرة تحت سطح الأرض باستخدام مزيج من الماء والرمال ومواد كيميائية.

في المقابل، تصدت شركات الغاز الطبيعي لتلك القصص المرعبة التي جرى وصفها في مؤتمر بنسلفانيا وتجمعات أخرى عقدت مؤخرا في تكساس وكولورادو بالتأكيد على أن تلك الشكاوى إما محض خيال أو أن الشركات لا تتحمل مسؤوليتها. وحذر مسؤولو صناعة الغاز الطبيعي من أن فرض مزيد من التنظيمات على الصناعة من شأنه قتل الوظائف وخنق القدرة على إنتاج الغاز الطبيعي الذي تعده الشركات وقودا نظيفا تحتاجه البلاد بشدة.

ومثلما يشكل خليج المكسيك ميدان قتال حول مستقبل عمليات التنقيب عن النفط خارج السواحل، تعد بنسلفانيا مركزا لمعركة حول «التكسير الهيدروليكي»، الذي يعد بفتح مساحات واسعة من الأراضي أمام عمليات استخراج الغاز الطبيعي، لكن ما يزال الغموض يكتنف المخاطر البيئية المرتبطة بها. يذكر أن الغاز الطبيعي يشكل قرابة ربع إجمالي الطاقة المستغلة داخل الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تنمو هذه النسبة مع تحرك البلاد بعيدا عن مصادر الطاقة الأكثر تلويثا للبيئة، مثل الفحم والنفط.

من جانبها، نظمت وكالة الحماية البيئية جولة استماع وحرصت على طلب المشورة من الأطراف كافة بشأن السبيل الأمثل لوضع دراسة تعكف عليها بتكلفة 1.9 مليون دولار حول تأثير أسلوب «التكسير الهيدروليكي» على المياه الجوفية.

مع تفاقم تكاليف استخراج الوقود الحفري حسبما يتضح في السواحل الممتدة من تكساس إلى فلوريدا - وتكشف معلومات توحي بأن الأساليب المباشرة التي اعتمدتها الصناعة وإهمال الجهات التنظيمية لها ربما أسهما في كارثة «بريتيش بتروليم» بمنطقة خليج المكسيك - باتت شركات الغاز الطبيعي تجد نفسها في مواجهة استقبال فاتر مهما أطلقت من تأكيدات على أن عمليات الاستخراج التي ستقوم بها آمنة.

في هذا الصدد، قال دينسيل بيكوس، المقيم قرب بليزانت تاونشيب، خلال لقاء جماهيري انعقد مساء الخميس: «أشار مسؤولو الصناعة إلى عدم وجود حالات موثقة لتسبب (التكسير الهيدروليكي) في تلويث المياه. لكن تجربتنا في بنسلفانيا توحي بأن هذا الأمر لا يمكن أن يكون صحيحا».

من جهته، اعترف مات بيتزاريلا، المتحدث الرسمي باسم «رينج رسورسيز»، وهي شركة لإنتاج الغاز الطبيعي مقرها تكساس، بأن حادثة التسريب النفطي في خليج المكسيك زادت من المخاوف العامة حول أي صورة من صور التنقيب. وأضاف خلال رسالة بريد إلكتروني بعث بها: «لكن عندما تتاح للناس مراجعة الحقائق وتجنب الانسياق وراء المشاعر القوية التي يثيرها الحادث، يصبح بإمكانهم معاينة اختلاف هائل بين عمليات التنقيب عن النفط في أعماق بعيدة خارج السواحل التي تنطوي على مخاطر كبرى والنشاطات التنموية المرتبطة بالغاز الطبيعي التي تجري على البر وتتمتع بقدر أكبر بكثير من الأمان».

في هذا الجزء من البلاد، تدفع كميات الغاز الطبيعي الهائلة التي يحتمل وجودها في مارسيلس شيل الكثير من السكان إلى تأجير أراضيهم إلى شركات إنتاج الغاز الطبيعي. وتتنوع التقديرات حول حجم مخزون الغاز الطبيعي في مارسيلس شيل الممتدة من ويست فيرجينيا عبر الكثير من أرجاء بنسلفانيا وشرق أوهايو وصولا إلى الجزء الجنوبي من نيويورك. إلا أن جميع التقديرات تتفق على ضخامة المخزون الذي ربما يصل إلى 500 تريليون قدم مكعب. (يذكر أن ولاية نيويورك تستهلك سنويا ما يزيد قليلا على 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي).

يذكر أن دراسة ممولة من صناعة الغاز الطبيعي نشرت هذا الأسبوع أشارت إلى أن الخطر ربما يتهدد عائدات حكومية تصل إلى 6 مليارات دولار وما يصل إلى 280.000 وظيفة داخل منطقة مارسيلس شيل.

المعروف أن «التكسير الهيدروليكي» يجري استخدامه منذ عقود، ويعد واحدة من السبل التي تحظى بأهمية متزايدة في إطار الجهود الرامية للوصول إلى احتياطيات غاز طبيعي كان من المتعذر الوصول إليها من قبل. وتقدر صناعة النفط والغاز الطبيعي أن 90% من أكثر من 450.000 بئر عاملة للغاز الطبيعي داخل الولايات المتحدة تعتمد على «التكسير الهيدروليكي».

وأكدت الصناعة أن قرابة 99.5% من المواد المستخدمة في «التكسير الهيدروليكي» لا تعدو كونها مياها ورمالا، مع كميات صغيرة من مواد كيميائية وزيوت ومركبات أخرى تعمل على تيسير عملية الاستخراج. ويجري ضخ هذا الكوكتيل على عمق يصل لعشرات الأقدام تحت مستوى الماء الباطني، مما يجعل من المستحيل أن تكون هذه العملية مسؤولة عن الشكاوى المتنامية من تلوث القنوات المائية والآبار، حسبما يؤكد مسؤولو الصناعة. إلا أن بعض النقاد يرون أن العلاقة بين «التكسير الهيدروليكي» وتلوث المياه الجوفية من المتعذر دراستها بصورة كاملة - وأن إثبات وجود صلة بين الأمرين زادت صعوبته بسبب القيود الشديدة التي تفرضها شركات النفط والغاز الطبيعي على الأسرار التجارية المرتبطة بماهية العناصر الكيماوية المستخدمة في كل بئر على وجه التحديد.

وتبقى هناك العديد من المخاوف الأخرى المرتبطة بـ«التكسير الهيدروليكي»، بجانب جوانب أخرى من عملية استخراج الغاز الطبيعي - بينها تصميم وسلامة أغطية الآبار والنقل واحتمالات وقوع تسريب للمواد الكيماوية والحاجة لملايين الغالونات من الماء لتنفيذ عملية «تكسير هيدروليكي» واحدة.

الواضح أن سلسلة الحوادث التي شهدتها صناعة النفط والغاز مؤخرا - بينها حادثة التسريب النفطي في خليج المكسيك وانفجار حقل غاز طبيعي الشهر الماضي كليرفيلد كاونتي في بنسلفانيا، مما ترتب عليه انطلاق غاز طبيعي ومياه ملوثة على مدار 16 ساعة - أثارت قلقا بالغا في نفوس السكان ومسؤولي الجهات التنظيمية.

في هذا الصدد، قال النائب جو سيستاك، الديمقراطي من بنسلفانيا في بيان أصدره الجمعة وأعلن خلاله عن دراسة فيدرالية حول آثار استغلال الماء في حوض ديلوير المائي: «هناك إمكانات اقتصادية غير عادية مرتبطة بتنمية موارد مارسيلس شيل، لكن هناك أيضا مخاطر كبرى. ومن بين سبل تفهم الإمكانات التنموية بشكل مناسب إدراك التأثيرات المحتملة».

وترى إيمي مول، محللة السياسة البارز مع مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية أن الإشراف جاء متأخر عن موعده بكثير، وقالت «أعتقد أن ذلك كله يساعد في إلقاء الضوء على هذه الصناعة ككل. فأحيانا ما تحدث تجاوزات، وتكون التشريعات، ببساطة، غير قوية بما يكفي».

المخاوف بشأن تأثير سوائل التكسير على إمدادات المياه شجعت المنظمين على الإشراف على ديلوار ووتر باسين للحد من اكتشافات الغاز حتى يمكن دراسة التأثيرات عن قرب. ويعكف المشرعون في ولاية نيويورك على دراسة قرار بوقف النشاط.

على المستوى القومي، غص التحقيق الذي أجراه الكونغرس عن التنقيب على الغاز والذي قادته لجنة التجارة والطاقة بمجلس النواب الأسبوع الماضي، إضافة إلى دراسة وكالة حماية البيئة، بطلبات أرسلت إلى العديد من الشركات لطلب تفاصيل حول عملياتها، خاصة كيفية التعامل مع طمي الماء والمواد الكيميائية التي طفت مرة أخرى من البئر.

ومن المتوقع، وإن كان من غير المحتمل، أن تتجدد الضغوط مرة أخرى لتمرير التشريع الفيدرالي الذي يبطل الاستثناء الذي قدم خلال إدارة الرئيس بوش التي يقول النقاد إنه حرر التشقق الهيدروليكي من التشريع وفق قانون مياه الشرب الآمنة.

وخلال الشهر الماضي قدمت ولاية وايومينغ بعضا من أقسى التشريعات الحاكمة للتكسير ومن بينها التشريعات التي تلزم الشركات بالكشف عن مكونات سوائل التكسير لمنظمي الولاية، على الرغم من عدم ضرورة الكشف عنها للعامة.

المنقبون عن الغاز، في استجابة إلى التدقيق المتزايد، المتطلعون إلى عقود الغاز الجديدة والمربحة في الآباتشي، عاودوا مضاعفة الجهود لإبعاد الإشراف الفيدرالي في بعض الحالات عبر خفض معارضتهم القوية للكشف عن سوائل التكسير. وقد ذهبت شركة «رانغ ريسورسز» الأسبوع الماضي إلى الإعلان عن نيتها الكشف عن محتوى سوائل التكسير إلى المنظمين في ولاية بنسلفانيا ونشرها على موقع الشركة.

وقال بيتزاريلا المتحدث باسم شركة رانغ: «كان يجب القيام بذلك قبل وقت طويل، فربما لا توجد مخاطر صحية من التركيزات التي نستخدمها. لكن إذا كان لدى البعض هذه المخاوف إذن فهي حقيقية وينبغي عليك التعامل معها». وقد رحبت جماعات البيئة بهذا التصريح لكنها قالت إن التشريعات الفيدرالية الواسعة النطاق والواضحة لا تزال ضرورة.

وقالت مول، «أي حادثة قد لا تكون على نطاق ما حدث لمنصة الحفر ديب ووتر هورايزون، لكن الحوادث تقع طوال الوقت، ولا يوجد نظام في الوقت الحالي يعمل على حماية صحة المجتمعات والبيئة المحيطة بصورة موسعة حيث يتم الحفر».

كانت تلك هي الفكرة المشتركة في اللقاء الذي تم يوم الخميس.

وقال باكوس إلى مجموعة من منظمي وكالة حماية البيئة: «يمكنني أن آخذكم الآن إلى جيراني الذين فقدوا موارد مياههم، ويمكنني أن آخذكم أيضا إلى أماكن قتل فيها التسرب الأسماك والحياة البحرية الأخرى. الشركات ليس لديها وازع من ضمير، ولذا يجب أن تمنحهم وكالة حماية البيئة هذا الضمير».

* خدمة «نيويورك تايمز»