وزارة الداخلية وقضايا الاحتيال المصرفي

سعود الأحمد

TT

كنت إلى عهد قريب أرى أن المتهم بقضايا الاحتيال المالي له من أمره فسحة، حتى يتمكن خصومه من متابعة تحركاته ويحددوا موقع إقامته، ليبلغوه موعد جلساتهم معه لدى الجهات القضائية، ويستلم رسميا طلب الحضور، وتمضي الأشهر والسنين بين جلسات وتأجيلات ومماطلات، وإلى أن يصدر في حقه قرار يدينه، وتنتهي مهلة الاعتراض، ويرسل الحكم إلى محكمة الاستئناف، ويتم الانتهاء من ذلك، ويرسل الحكم إلى الجهات التنفيذية، ويأتي من أصحاب الحقوق من يستطيع متابعة هذا القرار لدى الجهات التنفيذية، فإن المتهم يعيش طليقا يسرح ويمرح في بحبوحة من أمره يتقلب في بلدان العالم.

والغريب في قضايا الاحتيال المالي والمصرفي، أنه كلما زادت مبالغها، زادت فرص براءة المحتال منها! وهذه حقيقة يدركها المحامون ورجال القضاء، بل إن المحامي لا يقبل الترافع في قضية ما لم يكن مبلغها ضخما، ليضمن لنفسه أتعابا مجزية، ومن جانب آخر ليجد في الأمر مجالا للمفاوضات والثغرات القانونية. ولذلك نجد أن اللصوص في قضايا المبالغ الزهيدة تصدر في حقهم أحكام وتنفذ بسرعة، على عكس كبار المختلسين والمحتالين، إذ تمر بهم السنون وهم خارج القضبان.

ويروى قديما أن محاسبا في أحد المصارف الإنجليزية اختلس مبلغ سبعمائة جنيه إسترليني، وأحس أن أمره لا بد أن ينكشف، فذهب إلى محام، وطلب منه استشارة، لعله يجد له مخرجا من هذه الورطة. فقال له المحامي: الأمر بسيط جدا، فما دمت لا تزال على رأس العمل، فعليك أن تعود وتسرق مبلغ تسعة آلاف وثلاثمائة جنيه، وأنا أجد لك البراءة. فقام المحاسب باختلاس ذلك المبلغ وعاد للمحامي، فقام المحامي وذهب مع هذا المختلس إلى رئيس البنك وقال: إن موظفكم الأمين هذا أغراه الشيطان فاختلس عشرة آلاف جنيه، لكن ضميره الحي وولاءه للمصرف دعاه إلى أن يعيد المبلغ بعد أن صرف منه سبعمائة جنيه فقط، فما كان من مدير المصرف إلا أن سامحه على السبعمائة جنيه، وشكره على ضميره الحي.

ولا شك أن لمتابعة القضايا لدى الجهات القضائية والتنفيذية ثمنا غاليا، وهو في تقديري ما حدا برئيس البنك للتسامح مع هذا المختلس، وخاصة إذا كان المحتال من ذوي النفس الطويل، ووجد له محاميا متمرسا ضالعا في استغلال الثغرات القانونية والإجراءات التنفيذية، عندها قل على حقوق المساكين «المنصوب عليهم» السلام، وما أطولك يا ليل! وبالنظر إلى أن مجانية التقاضي هي التي ضيعت بعض الحقوق! ولقطع دابر هذا الأمر، لا بد من تدخل السلطات التنفيذية. ولذلك فإن توجه الحكومة السعودية بتولي وزارة الداخلية ملف قضايا الاحتيال المالي له ما يبرره، شرط ألا يطبق إلا على مجرم مستحق للعقوبة.

والقرار الذي صدر مؤخرا بأمر من الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بإدراج قضايا الاحتيال المالي، ضمن قائمة الجرائم الموجبة للتوقيف، وربط الإفراج فيها بإنهاء الحقوق، لا شك أنه سيساهم بشكل فاعل في مكافحة انتشار عمليات الاحتيال المالي في السعودية.

ملاحظة: القصة التي رويتها قرأتها في مقال للدكتور خالد القشطيني في هذه الصحيفة، منذ ما يقارب عقدين من الزمن. حتى يسند الفضل لأهله.

* كاتب ومحلل مالي