رئيس الوزراء البريطاني في زيارة للهند لدعم التعاون الاقتصادي

مليار دولار حجم التعاون التجاري بينهما

استطاعت الهند تسجيل نمو بمعدل 8.3% (إ. ب . أ)
TT

يصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى الهند مساء اليوم رافعا شعارا جديدا يدعو إلى «علاقات خاصة» مع الهند بعد انتقاده الشديد للإهمال النسبي للعلاقات بين البلدين في عهد حكومة حزب العمل السابقة.

وينظر إلى الزيارة على أنها زيارة تجارية أكثر منها سياسية. وذلك لأنه لا يوجد قضايا سياسية هامة بين البلدين في حاجة للتباحث في حلها. كما أن الزيارة تتعلق أيضا بدرجة كبيرة بدلالتها الرمزية حيث تأتي في وقت بدأت الحكومة البريطانية الجديدة في إعادة ترتيب سياستها الخارجية في خضم الجدل الدائر حول المكانة التي تناسب بريطانيا في العالم «الجديد».

وسيتوجه كاميرون إلى الهند ومعه فريق كبير من السياسيين ورجال الأعمال، من بينهم نصف أعضاء مجلس الوزراء، وهو أكبر عدد وزراء بريطانيين يقومون بزيارة للهند وفى وقت واحد في تاريخ بريطانيا، ويهدف ذلك إلى أخذ العلاقات المزدهرة والحديثة مع «جوهرة تاج» الإمبراطورية البريطانية سابقا إلى آفاق جديدة.

ويركز جدول الأعمال الرئيسي للزيارة على التجارة والأعمال بين البلدين حيث تأمل الحكومة البريطانية الائتلافية الجديدة في حدوث انتعاش سريع للاقتصاد المحلي من خلال الاستفادة بالنمو المتسارع في الهند. وبريطانيا في حاجة ماسة لزيادة في الاستثمارات الهندية من أجل المساعدة على خلق المزيد من فرص العمل للبريطانيين.

ومن الجدير بالذكر أن أغنى شخص في بريطانيا هو لاكشمي ميتال وهو هندي، وأكبر مصنع هو مجموعة «تاتا» الهندية وذلك باستحواذها على شركة «كورس للصلب» وشركة صناعة السيارات البريطانية الشهيرة (جاغوار لاند روفر). ويوجد بالمملكة المتحدة أكبر نسبة من المهاجرين الهنود الذين يزيد عددهم عن 20 مليونا. كما أن الهند ليست أحد بلدان العالم الثالث بل قوة عظمى ناشئة تملك ثاني أكبر اقتصاد على المستوى العالمي.

وفي الوقت الذي يجد العالم صعوبة في مواجهة الركود الاقتصادي، استطاعت الهند تسجيل نمو بمعدل 8.3%. ويتطلع كبار رجال الصناعة البريطانية إلى الحصول على جزء من الاقتصاد الهندي المزدهر، الذي وفقا لصندوق النقد الدولي من المتوقع أن ينمو بنسبة 9.5%. ويقدر حجم التجارة بين البلدين بـ13 مليار دولار، وتعتبر المملكة المتحدة رابع أكبر مستثمر منفرد في الهند. ومن المتوقع أن يكون محور الزيارة البدء في مرحلة جديدة في الشراكة بين الهند وبريطانيا من أجل تحقيق نمو متسارع للعلاقات التجارية بين البلدين واستكشاف مجالات جديدة للتعاون مثل الخدمات المصرفية والتأمين والخدمات المالية والمهنية.

وسيخاطب كاميرون أقطاب الصناعة الهندية يوم 29 يوليو (تموز) وذلك خلال اجتماع غداء سينظمه الاتحاد الهندي لغرف التجارة والصناعة حيث من المتوقع أن يدعو كاميرون في خطابه إلى تعميق العلاقات التجارية بين البلدين. وتعتقد الحكومة البريطانية أنه يتعين على بلادها زيادة التعاون التجاري مع الشركات والجامعات الهندية من أجل الحصول على حصة من تجارة التجزئة والخدمات المصرفية وأسواق الخدمات الهندية، التي من المتوقع أن تحقق نموا سنويا يقدر بنسبة 10%.

وبينما سيسعى كاميرون إلى التركيز على الدبلوماسية التجارية بدرجة أكبر خلال زيارته، فإن الهند ستركز أكثر على شراكتهما الاستراتيجية وخاصة فيما يتعلق بمستقبل أفغانستان.

وكما يشير دبلوماسي هندي رفيع المستوى على اطلاع بالزيارة فإن كاميرون سيكون بحاجة إلى العمل على طمأنة الهند من أن النهج الذي تتبعه بريطانيا في أفغانستان وباكستان سيراعي مصالح الهند. وهناك خلاف بين مصالح الهند والمملكة المتحدة في هذه القضية. وقد وجدت الهند نفسها مهمشة في مؤتمر لندن حول الوضع في أفغانستان الذي عقد في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في موضوعين هما «المصالحة مع وإعادة دمج» عناصر حركة طالبان والنفوذ المتنامي لباكستان في مستقبل أفغانستان السياسي.

ومع توجه حكومة كاميرون إلى سحب قواتها من إقليم هلمند في جنوب أفغانستان خلال الدورة البرلمانية الحالية، ستستمر المملكة المتحدة في الاعتماد على محاولات التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مع عناصر طالبان «القابلة للمصالحة». ولكن الهند، على النقيض، تشكك في هذا النهج وترى أنه سيؤدي في النهاية إلى إعطاء الشرعية لحكم طالبان لأفغانستان. وتكمن أهمية المملكة المتحدة للهند في أنها إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي الدول التي لها حق الاعتراض (الفيتو) على قرارات المجلس، وكذلك في كون العاصمة البريطانية لندن مركزا ماليا عالميا. وتمثل الهجرة إحدى القضايا المثيرة للقلق أيضا. فالحكومة الائتلافية البريطانية مصرة على تخفيض العدد الإجمالي للمهاجرين المهرة غير الأوروبيين، وقد أثار هذا القرار شكوى واعتراضات كثيرة من قادة الأعمال في الهند. فهذه الإجراءات الصارمة ضد المهاجرين تهدد أيضا بضرب قطاع التعليم البريطاني المتعطش للمال، الذي يعتمد بشكل كبير في دخله على الطلاب الأجانب. وفي خطوة مفاجئة قبل الزيارة، رفعت بريطانيا حظرا مؤقتا على تأشيرات الطلبة في 3 مراكز هندية، جلندهار، وتشانديجار ونيودلهي. وكانت بريطانيا قد فرضت هذا الحظر العام الماضي بعد زيادة مفاجئة في عدد المتقدمين بطلبات للحصول على التأشيرة.

وسيبدأ كاميرون زيارته في بنغالور بدلا من دلهي في يوم 28 يوليو، في حين يتوجه زملاؤه الآخرون في مجلس الوزراء إلى عواصم ولايات هندية الأخرى، بما في ذلك مومباي وتشيناي وحيدر آباد وكلكتا وربما تشانديجار وذلك قبل التجمع في نيودلهي للقاء رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ.

وبحسب خبراء العلاقات الخارجية هنا، فإن هذا الترتيب الغريب للزيارة لم يقم به أحد من قبل. وسيرافق كاميرون في زيارته لبنغالور، مركز «تكنولوجيا المعلومات» والابتكار، وزير الأعمال فينس كيبل ووزير التغير المناخي غريغ باركر حيث يقومون بزيارة مقار شركة «أنفوسيز» رائدة صناعة تكنولوجيا المعلومات. ومن المتوقع أن يلقي كاميرون خطابا هاما هناك ويدعو فيه إلى «شراكة طموحة» بين بريطانيا والهند. وسيقوم وزير الخزانة جورج أوزبورن بزيارة مدينة مومباي، العاصمة المالية للهند، في حين يزور ديفيد ويليتس وزير الدولة للجامعات والعلوم مدينة تشيناي لتعزيز العلاقات بين الجامعات البريطانية والهندية. وفي الوقت نفسه، يتوجه جيرمي هانت، وزير الثقافة والرياضة، إلى دلهي التي ستستضيف دورة ألعاب دول الكومنولث في أكتوبر (تشرين الأول). وفي مومباي يقوم أوزبورن بإعلان بدء يوم التداول على كبرى شركات البرمجيات. وكشفت مصادر بالخارجية الهندية عن أن أوزبورن وكاميرون قد أعربا عن رغبتهما في مقابلة ليس فقط مسؤولي الحكومة بل أيضا مقابلة ممثلين عن مختلف شرائح المجتمع الهندي خلال زيارتهما التي تستمر يومي 28 - 29 يوليو. وهو طلب غير مألوف، ولكن يبدو أن نيودلهي قد وافقت عليه. وقد علق مصدر بالخارجية الهندية على ذلك قائلا: «هذا عالم متغير ولم يعد يتم كل شيء فيه من خلال الحكومات وممثليهم. وفي الحقيقة، فقد أصبح الكثير من الأعمال يتم من خارج الحكومة. وهذا هو القطاع الذي يرغب البريطانيون في التفاعل والتواصل معه».

وفي يوم 28 يوليو يقيم سوهيل سيث، وهو مستشار تسويق للكثير من كبريات شركات الأعمال الهندية والبريطانية، حفل غداء في نيودلهي على شرف وزير الخزانة البريطاني أوزبورن.

في اليوم التالي، سيكون كاميرون وفريقه الذي يضم الكثير من رجال الصناعة البريطانية في مومباي حيث تقيم بارميشوار غودريج، زوجة رجل الصناعة الهندي الشهير أدي غودريج حفل غداء لهم بحضور جمع غفير من مشاهير الهند. وتضم قائمة المدعوين لحفل كبار رجال الصناعة الهندية وكبار السياسيين والموسيقيين ورؤساء الشركات الإعلامية وصحافيين وكذلك بعض الوزراء. وقالت مصادر حكومية إنها لا تستطيع تذكر آخر مرة اختير فيها رئيس حكومة زائر أو كبار وزرائه ليكونوا ضيوفا لأفراد خارج نطاق العمل.

وسيسعى فريق كاميرون إلى دعم جهود الشركات البريطانية للحصول على صفقة تزويد الهند بـ126 طائرة مقاتلة، التي تقدر قيمتها بـ11 مليار دولار (7.1 مليار جنيه إسترليني). وتشكل مساعي شركة تصنيع الأسلحة البريطانية (بي إيه إي) لعقد صفقة بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني لإمداد الهند بـ57 طائرة تدريب أخرى من طراز «هوك» وذلك بالتعاون مع شركائها الهنديين (إتش إيه إل) بالقرب من بنغالور، جزءا مهما في زيارة كاميرون. وكانت الهند قد طلبت الحصول على 66 طائرة تدريب من طراز «هوك» من شركة «بي إيه إي» عام 2004 مقابل مبلغ مليار جنيه إسترليني.

وقد أشارت الهند بالفعل إلى أنها يمكن أن تتعاون مع بريطانيا في مشاريع البنية التحتية وتوليد الطاقة والطاقة المتجددة والطاقة النووية المدنية والتعليم والعلوم وتكنولوجيا المعلومات. كما يمكن فتح المجال لتعاون بين البلدين فيما يتعلق بالخدمات القانونية المهنية، وذلك إذا منحت الشركات الهندية العاملة في المملكة المتحدة حقوقا مماثلة.