أكبر برنامج روسي للخصخصة: بيع حصص أقلية في 11 شركة عملاقة

يجمع ما يزيد على 29 مليار دولار في 3 سنوات

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين يرأس جلسة للهيئة الحكومية الخاصة بالميزانية في موسكو يوم الأربعاء(ا.ف.ب)
TT

تواجه الحكومة الروسية، التي كانت حتى سنوات قليلة مضت تدخر مليارات الدولارات من العائدات النفطية، عجزا بالغا في الميزانية، دفع وزراءها للموافقة أول من أمس على خطة واسعة لبيع ممتلكات تخص الدولة، حسبما أفاد مسؤولون رفيعو المستوى.

وتشير بعض التقديرات إلى أن هذه الخطة ستمثل أكبر برنامج خصخصة في روسيا منذ حركة بيع ممتلكات الدولة التي شهدتها تسعينات القرن الماضي في أعقاب نهاية الحقبة الشيوعية. إلا أن الحكومة تنوي بيع حصص أقلية فقط في الشركات التي تملكها، بحيث تحتفظ بالسيطرة عليها في الوقت الذي تسمح فيه لمستثمرين خصوصيين بالمشاركة بنصيب أكبر في المخاطر والربح.

يذكر أنه منذ بداية الأزمة المالية ثارت توقعات حول أن روسيا ستقدم على نمط ما من الخصخصة، لكن حجم الخطة يوحي بأن الأزمة المالية العامة التي تعصف بدول أوروبية أخرى وجدت طريقها إلى روسيا أيضا. وحتى وقت قريب، عمدت الحكومة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين، الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي، إلى تعزيز نصيبها من الاقتصاد عبر إجراءات تأميم.

ويتضمن البرنامج، الذي تمت الموافقة عليه أول من أمس، 11 شركة، بينها شركة النفط الوطنية وشركة خطوط السكك الحديدية الوطنية، وأسطول من السفن التجارية، ومصرفان مملوكان للدولة، وشركة تتولى إدارة سدود هيدروليكية، حسبما أعلن أليكسي أوفاروف، مدير قسم شؤون الممتلكات بوزارة الاقتصاد.

الملاحظ أن بعض الشركات نمت من رحم الخصخصة، لكن مسؤولين وخبراء اقتصاديين مستقلين يرون أن الوقت الراهن مناسب لبيعها لمستثمرين خصوصيين.

في هذا السياق، قال سيرغي إم غورييف، رئيس الكلية الاقتصادية الجديدة بموسكو وعضو مجلس إدارة «سبيربانك»، خلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف «أسعار السلع مرتفعة، في الوقت الذي تحتاج فيه روسيا لنقد. لذا، فإن الوقت الحالي مناسب تماما للبيع».

وأضاف أن إجراءات البيع الراهنة ستختلف بوضوح عن إجراءات الخصخصة التي شهدتها تسعينات القرن الماضي، حيث ستأتي الأسعار أعلى هذه المرة لامتلاك روسيا حاليا بنية تحتية من مصارف استثمارية وأسواق أوراق مالية لإدارة عمليات البيع بشروط السوق. وقال غورييف «إنها خطوة كبيرة للغاية في الاتجاه الصحيح».

وجرت دراسة الخطة خلال اجتماع عقد الأربعاء في موسكو برئاسة بوتين الذي علق لاحقا بقوله إن روسيا ستعمل على القضاء على العجوزات بالميزانية بحلول عام 2015. إلا أنه لم يتناول تفاصيل برنامج الخصخصة الذي سيتضمن شركة «روزنفت» النفطية المملوكة للدولة.

وبعد سنوات من الفوائض الناشئة عن العائدات النفطية، تعرضت الحكومة الروسية لأزمة شديدة خلال العامين الماضيين بسبب اقتراضها وتقليصها مدخراتها. مثلا، من المتوقع أن يصل عجز الميزانية هذا العام إلى 5.9 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

ورغم أن هذا العجز يبقى داخل حدود يمكن السيطرة عليها طبقا لمعايير حكومات أخرى خلال فترات الركود، فإنه يشكل تراجعا خطيرا بالنسبة لروسيا. ومن الواضح أنه قاد إلى قرار بيع حصص من شركات مملوكة للدولة. المعروف أن العائدات النفطية نجحت في إحداث تحول في روسيا خلال العقد الماضي، حيث خلقت حالة من الازدهار وأنقذت الملايين من براثن الفقر وأقرت ما بدا أنه أوضاع مالية عمومية قوية.

وتشير الأرقام إلى أن روسيا لا تزال تملك احتياطيات ذهب وعملة أجنبية تقدر بـ467 مليار دولار، جرى ادخارها خلال فترة الازدهار النفطي. إلا أن إنفاق تلك الأموال على الاقتصاد قد يرفع قيمة الروبل بما يضر بالصناعة المحلية - وقد يضع روسيا في مأزق حال تراجع أسعار النفط مجددا.

تشير أصابع الاتهام الرئيسية عن العجز إلى تنامي الإنفاق العسكري، طبقا لما نشرته صحيفة «فيدوموستي» الروسية الاقتصادية. من المتوقع أن ترتفع الإنفاقات العسكرية بنسبة 13 في المائة عام 2011، مما يوحي بأن المسؤولين الروس اضطروا للاختيار بين خيارين أمر من بعضهما بعضا: المؤسسة العسكرية أو الأصول النفطية والصناعية الحكومية. كما يسهم التعليم وخدمة الدين في تضخيم الميزانية الروسية.

من ناحيته، صرح أليكسي إل كوردين، أمام حشد من المراسلين، الأربعاء، بأن بيع أسهم بالشركات الحكومية من شأنه جمع 29 مليار دولار خلال ثلاث سنوات. ورغم أن خطة الخصخصة تلك ربما تكون الأكبر من نوعها منذ تسعينات القرن الماضي، فإن حصة أقل بكثير سيجري بيعها هذه المرة وبأسعار أعلى بكثير.

يذكر أن الكثير من الحقول النفطية القيمة التابعة لـ«روزنفت» تمت خصخصتها بالفعل وتأميمها من قبل. وقد يكون ذلك سببا كافيا لدفع المستثمرين إلى التروي.

إلا أن الشركات المعروضة مربحة على نحو كاف لإثارة اهتمام مختلف المستثمرين. كما أن خليفة بوتين، ديمتري إيه ميدفيديف، أعلن رغبته في تقليص دور الحكومة في الاقتصاد.

في هذا السياق، قال بيتر ويستين، الخبير الاستراتيجي البارز لدى مصرف «أتون» الاستثماري في موسكو «أعتقد أن هناك تحولا جوهريا حيال فكرة ملكية الدولة»، مستطردا أن مسألة ما إذا كان المستثمرون سيقدمون على الشراء أم لا تعتمد على السعر المعروض.

في السنوات الأخيرة، كان من شأن رفع الأسعار في الطرح العام الأول لأسهم الشركات الروسية فقدان نصف الأسهم الصادرة حديثا قيمتها بعد تعويمها، حسبما ذكر ويستين، الأمر الذي ربما يشكل اعتبارا مهما من وجهة نظر المشترين المحتملين.

يذكر أن قرابة 10 في المائة من «روزنفت» يجري التداول فيها داخل سوق لندن للأوراق المالية. كانت الأصول الجوهرية للشركة تنتمي إلى «يوكوس» حتى أشهرت الأخيرة إفلاسها في نزاع ضريبي. ومن الممكن طرح 24.1 في المائة أخرى من «روزنفت» أمام المستثمرين خلال جولة جديدة من الخصخصة، طبقا لما أوردته تقارير إعلامية روسية.

ومن الممكن بيع الشركات الروسية المملوكة للدولة عبر عروض أولية أو ثانوية أو إلى مستثمرين استراتيجيين.

منذ قرابة عام 2003 حتى بداية الأزمة المالية عام 2008، خضعت المزيد من قطاعات الاقتصاد لسيطرة الدولة. في البداية كانت شركات النفط والغاز الطبيعي، أعقبتها مصانع الأسلحة وتصنيع الطائرات والسيارات ومؤسسات أخرى سيطرت عليها الدولة بحجج مختلفة. وتسود سيطرة الدولة بين الشركات الضخمة التي يجري التداول في أسهمها بأسواق الأوراق المالية. مثلا، تسيطر الدولة على نحو 60 في المائة من رسملة السوق أو إجمالي قيمة الأسهم الخاصة بالشركات التي يجري التداول فيها في موسكو.

* خدمة «نيويورك تايمز»