نتائج مفاجئة للشركات تعزز الثقة في اقتصاد منطقة اليورو

بعد أشهر من الاضطرابات والمخاوف الناجمة عن مشكلات الديون

ذكرت شركة «راندستاد» الهولندية للتوظيف أنها لا ترى مؤشرات على تجدد الركود مع مواصلة الشركات توظيف مزيد من العاملين (رويترز)
TT

سجلت مجموعة من كبرى الشركات في أوروبا نتائج إيجابية مفاجئة، أول من أمس (الخميس)، مما عزز ثقة المستثمرين في المنطقة، بعد أشهر من الاضطرابات الناجمة عن مشكلات الديون، والمخاوف بشأن مستقبل اليورو. وعززت بيانات بشأن الاقتصاد الكلي هذا الاتجاه، بعد صدور أرقام قوية مفاجئة الأسبوع الماضي، إذ ارتفعت الثقة في اقتصاد منطقة اليورو بشكل كبير في يوليو (تموز)، وتراجع معدل البطالة في ألمانيا إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008. وقال اقتصاديون إن الأداء الاقتصادي الأساسي في المنطقة ككل، لم يكن بالسوء الذي صورته الأنباء المتكررة بشأن مخاطر التخلف عن سداد الديون في اليونان، واقتصادات أخرى في جنوب أوروبا تضررت بشدة بسبب الركود في عام 2008 -2009. لكنهم حذروا أيضا من أن هذا التحول المفاجئ باتجاه حالة إيجابية لا يغير حقيقة أن اقتصاد المنطقة لن ينتعش على الأرجح إلا بوتيرة بطيئة، في ظل إجراءات التقشف الحكومية التي ستظهر آثارها في الأشهر القادمة.

ومع ذلك فقد كانت هذه الأنباء السارة من عدد من الشركات الأوروبية الكبرى، أول من أمس (الخميس)، مبهرة، وقد جاءت في أعقاب دراسات مسحية في الأسبوع الماضي أظهرت مستوى مرتفعا من النمو في قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الخدمات في المنطقة. وسجلت «بابليسيس» -ثالث أكبر شركة للإعلان في العالم من حيث الإيرادات- أرباحا فاقت التوقعات في النصف الأول، ورفعت توقعاتها، ووصل رئيسها إلى حد إعلان نهاية الفترة الصعبة. وقال موريس ليفي، الرئيس التنفيذي للشركة لـ«رويترز»: «نشعر حقا بأننا في نهاية الأزمة المالية، أو أنها أصبحت خلف ظهورنا تماما». ولم تكن تصريحاته فريدة من نوعها. فقد ذكرت شركة «راندستاد» الهولندية للتوظيف، وهي ثاني أكبر شركة في العالم في هذا المجال، أنها لا ترى مؤشرات على تجدد الركود، وذلك مع مواصلة الشركات توظيف مزيد من العاملين، خاصة في ألمانيا وفرنسا. وقال المدير المالي للشركة، روبرت جان فان دي كراتس، لـ«رويترز»: «نرى نموا في كل مكان. حتى في اليونان نرى هذا النمط المعتاد. لا نرى مؤشرات على حالة ركود ثانية، «واشتعلت شرارة أزمة سوق السندات في أوروبا أواخر العام الماضي في اليونان، عندما انتابت الأسواق مخاوف بشأن حجم العجز الذي تعانيه البلاد ونمو الدين، مما أثر على اليورو والأصول الأوروبية، حيث بدأ المستثمرون يحاذرون من خطر التخلف عن السداد في المنطقة. وأصدرت الشركات العملاقة في قطاع الأدوية والهندسة نتائج جيدة أيضا. وسجلت شركة «سانوفي أفنتيس» الفرنسية أرباحا في الربع الثاني فاقت التوقعات، كما أعلنت «أسترازينيكا» نتائج قوية، في حين تجاوزت أرباح شركة «بي إيه إس إف» للصناعات الكيميائية توقعات المحللين للربع السادس على التوالي، مدعومة بانتعاش في صناعتي السيارات والإلكترونيات. وسجلت شركة «سيمنس» الهندسية الألمانية زيادة فاقت التوقعات في الأرباح التشغيلية في الربع الثالث من سنتها المالية، بلغت 40 في المائة، وذلك بدعم من خفض التكاليف ونمو الصادرات، بفضل تراجع سعر صرف اليورو، وذلك إحدى فوائد أزمة الديون ومخاوف المستثمرين، التي أثارت في بعض المراحل تساؤلات بشأن مصير العملة الأوروبية الموحدة. وأثار كل ذلك أجواء إيجابية في أوساط المستثمرين، إذ إن منطقة اليورو تستفيد أيضا من حقيقة أن المستثمرين باتوا أقل ثقة من ذي قبل في انتعاش الاقتصاد الأميركي، بعد سلسلة من الأنباء المخيبة للآمال في الأسابيع الأخيرة. وأصدر بنك الاستثمار «يو بي إس»، الذي طالما أكد خبراؤه الاقتصاديون أن المستثمرين يبالغون في التشاؤم بشأن المشكلات المالية في المنطقة، مذكرة أشارت إلى تغير الأجواء بالقدر الذي يراه البنك. وقالت المذكرة: «اليوم رفع فريق الاستراتيجية العالمية بالبنك تصنيف أوروبا إلى محايد (من توصية بخفض الوزن النسبي في المحفظة الاستثمارية) بعد أن هيأوا محافظهم الاستثمارية لوضع أكثر إيجابية»، وأضافت: «نواصل رفع تصنيف أوروبا بفضل تقييمات وبيانات اقتصادية جذابة وحالة ارتياح للبنوك تمكنها من جني أرباح»، مشيرا إلى أن مؤشر ايفو الألماني لمعنويات الأعمال سجل أكبر قفزة في 20 سنة في يوليو (تموز)، وأن الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا في الربع الثاني فاق التوقعات، علاوة على أن نتائج اختبارات التحمل للبنوك الأوروبية جاءت مطمئنة إلى حد كبير. لكن الاقتصادي، جيل مويك، في «دويتشه بنك» حذر من الإفراط في التفاؤل. وقال مويك: «ليس ثمة فرصة كبيرة فيما يتعلق بصورة الاقتصاد الكلي.. إننا نتجه إلى نمو بطيء»، وبعد أن سجلت معظم بلدان أوروبا ناتجا محليا إجماليا ضعيفا في الربع الأول، فإن من المتوقع أن تكون أرقام الربع الثاني أفضل في حد ذاتها، وليس نتيجة لأي تحسن رئيسي، وذلك في ظل استمرار خطط التحفيز الحكومية لمكافحة الركود، على الرغم من أن الجانب الأكبر من الركود، الذي يلي إجراءات التقشف، لم يأت بعد. وقال مويك: «الأمر المبهر حقا هو السرعة التي تحول بها تركيز المستثمرين عن انتقاد أوروبا إلى النظر بحذر إلى الولايات المتحدة».

من جهة أخرى أعلن المكتب الأوروبي للإحصاء (يوروستات) في تقديرات الجمعة أن معدل التضخم استأنف ارتفاعه في يوليو في منطقة اليورو ليبلغ 1.7 في المائة على مدى عام. وهذا المعدل المطابق لتوقعات محللي وكالة «داو جونز نيوزواير»، هو الأعلى منذ نوفمبر 2008، عندما ارتفعت أسعار الاستهلاك 2.1 في المائة.