خبراء يدعون إلى دراسة «الهزات المالية» بنفس الطريقة التي يدرس بها الجيولوجيون الهزات الأرضية

يقترحون اعتماد مقياس مماثل لمقياس «ريختر» لقياسها

يقول المختصون في الفيزياء الاقتصادية إن الأزمات المالية يصعب التنبؤ بها («الشرق الأوسط»)
TT

من المثير استخدام الاستعارة القديمة المرتبطة بالهزات الأرضية عند الحديث عن آخر الأزمات المالية. فكيف تصف الانهيار الاقتصادي، والهزات في السوق العقارية، والانهيار الزلزالي لبنك ليمان «براذرز» والردود الانعكاسية في أوروبا؟

لكن بعض الأكاديميين يأخذون هذه الاستعارة على محمل الجد الآن، متبعين في ذلك نهجا جديدا للاقتصاد يسمونه الفيزياء الاقتصادية. وهذا الحقل يمثل تحولا كبيرا عن الاقتصاد التقليدي، من خلال دراسة الهزات المالية بنفس الطريقة التي يدرس بها الجيولوجيون الهزات الأرضية.

وفي رسالة مفتوحة أرسلوها مؤخرا إلى الملياردير جورج سوروس، المستثمر وصاحب الأعمال الخيرية، قالت مجموعة من المتخصصين في الفيزياء الاقتصادية: «إن هناك حاجة لنهج جديد للتصدي للتحديات الأساسية والعملية التي تواجه نظامنا المالي والاقتصادي والاجتماعي».

خبراء الاقتصاد الكلي يضعون نظريات رائعة لتوضيح فهمهم للأزمات. أما المختصون في الفيزياء الاقتصادية فهم يرون الأسواق أكثر فوضى وتعقيدا، لدرجة أن تناغم ومنطق النظرية الاقتصادية أضحى بديلا ضعيفا.

ويعتقد المختصون في الفيزياء الاقتصادية أنهم بالاعتماد على أدوات العلوم الطبيعية ومن خلال مراجعة قدر هائل من البيانات المتاحة، يمكنهم العودة إلى الوراء للبحث عن الديناميات الكامنة وراء الزلازل الاقتصادية ومعرفة كيفية الاستعداد للأزمة المقبلة.

ويقول المختصون في الفيزياء الاقتصادية إن الأزمات المالية يصعب التنبؤ بها لأن الأسواق ليست، كما يعتقد بعض الاقتصاديين التقليديين، ذات كفاءة وقدرة على تنظيم تصحيح الذات. الاضطرابات الدورية تحدث نتيجة لسلسلة من الأحداث وردود الأفعال، التي تشبه إلى حد بعيد الاضطرابات التي تحدت تحت سطح الأرض.

ولقد وجد العلماء أن الزلازل، سواء الطبيعية أو المالية، لها سمات متشابهة. ويعتبر الدوران الصغير والهادئ للسوق حدثا متكررا بانتظام لدرجة أنه لا يكاد يلاحظه أحد، بينما الهزات شديدة القوة للسوق نادرة جدا. وكذلك الأمر مع الزلازل، التي تحدث وفق علاقة إحصائية معروفة باسم «قانون الطاقة».

كما أن الزلازل الاقتصادية يكون لها توابع خطيرة، ومثلما اكتشف علماء الفيزياء الجيولوجية اليابانيون في القرن الـ19 أن توابع الزلزال تبقى أصداؤها تتردد بعد فترة طويلة من الهزة الرئيسية الأولى، في العصر الحديث اكتشف علماء زلازل أسواق الأوراق المالية وجود نمط مماثل مع الانهيارات المالية. ويلاحظ إتش. يوجين ستانلي، أستاذ الفيزياء في جامعة بوسطن، الذي نشر دراسة رائدة عن الأسواق المالية في دورية «نيتشر»، أنه «إذا تم تحليل قانون الزلزال هذا فستجده يعطي نتائج رائعة، فالهزة الكبيرة تسبب هزات ارتدادية صغيرة ومن ثم هزات أصغر وأصغر».

والواقع أن الأزمات المالية تأتي في مجموعات، ففي أعقاب أزمة العملة التي شهدتها تايلاند خلال أواخر التسعينات من القرن الماضي تبعها أزمات مماثلة في إندونيسيا وكوريا الجنوبية. وبعد تعثر بنك «ليمان براذرز»، تساقطت مؤسسة «واشنطن ميوتشوال» ومؤسسة «وتشوفيا كورب» وعدد كبير من المصارف الصغيرة مثل قطع الدومينو.

بعض المختصين في الفيزياء الاقتصادية وخبراء الاقتصاد والسياسة يشيرون إلى أن الاضطرابات الحالية في دول أوروبا سببها الآثار المتبقية من حالة الذعر التي بدأت في 2008 في الولايات المتحدة.

كما أن الزلازل المالية أيضا تعيد تشكيل البيئة بشكل جذري، فكما أن الانطلاق المفاجئ للطاقة الكامنة في قشرة الأرض يحدث موجات زلزالية قوتها يمكن أن تحرك جبالا، كذلك الأزمات المالية يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بأنظمة معمول بها منذ سنوات.

بعد انهيار عام 1929 والكساد الكبير، صدر «قانون غلاس ستيغال» بهدف الفصل بين المصارف التجارية والاستثمارية. والآن وفي أعقاب الأزمة الأخيرة أكمل المشرعون أكبر عملية إصلاح للنظام المالي منذ ثلاثينات القرن الماضي. وفي هذا السياق يقول ديدييه سورنيت، أستاذ الفيزياء الجيولوجية، الذي يدير «مرصد الأزمة المالية» في زيوريخ حاليا: «إن الزلازل الكبرى تشكل وجه الأرض. والأزمات الكبرى تشكل النظم ومفهوم المخاطرة والحالة النفسية السائدة».

ولكن كما هو الحال مع علم الزلزال، فإن فهمنا للأزمات المالية بدائي، فعلماء الزلازل، على سبيل المثال، يمكنهم رصد حركة الأرض اليومية على طول صدع سان أندرياس، ونعلم أن فرصة حدوث زلزال مدمر - تزيد قوته عن 6.7 درجة على مقياس ريختر - على مدى السنوات الـ30 القادمة تفوق 99%. ولكنهم لا يستطيعون تحديد متى أو أين سيضرب، أو كيف ستكون قوته.

أما الزلازل الاقتصادية فأقل قابلية للتنبؤ بها، وأحد أسباب ذلك هو أن العالم الحقيقي يشكل نظاما معقدا يتغير باستمرار. ويتمثل سبب آخر في أنه في الوقت الذي توجد حدود جيولوجية للطاقة التي يمكن أن تطلقها هزة أرضية، لا توجد أي حدود للأسعار.

ويقول نسيم طالب، مؤلف كتاب «البجعة السوداء»، وهو أحد الكتب الأكثر مبيعا حول تأثير الأحداث المفاجئة: «إن العالم المادي لا يمكن أن يفاجئنا بمفاجأة كبيرة. لكن العالم المالي يستطيع ذلك».

لكن إذا كان من الصعب التنبؤ بالأزمات المالية، فهل يمكن اتخاذ أي ترتيبات لمنع الأضرار التي تسببها؟ الدروس المستفادة من علماء الزلازل مفيدة هنا أيضا.

بعد «الزلزال الكبير» عام 1906، قام المهندسون المعماريون بتغيير قوانين البناء بشكل كبير في سان فرانسيسكو بحيث تصبح المباني قادرة على تحمل ضربة أقوى. وبالمثل، فإن الإصلاحات التنظيمية التي صدرت مؤخرا تهدف إلى تعزيز البنية المالية للبلاد، كما تهدف القواعد الجديدة إلى امتصاص الصدمات لتعزيز قدرة السوق على مواجهة التقلبات الحادة. وقال لورانس سومرز، المستشار الاقتصادي للرئيس: «نريد تحصين الهياكل الاقتصادية حتى لا تنهار»، بينما يشير مسؤولون آخرون في الإدارة إلى أن ما يسمى بمجلس المخاطر النظامية، يمكنه مراقبة المؤشرات الأولى على الهزات في الأسواق المالية في وقت مبكر، تماما كما يفعل علماء الزلازل.

ويقول آلان كروغر، كبير الخبراء الاقتصاديين في وزارة الخزانة: «إذا كان لديك نظم رصد أفضل للزلازل يمكنك اتخاذ الاحتياطات اللازمة وإجلاء السكان في حالة توقع حدوث موجات مد عال»، أو الإعداد للاضطراب الجديد في الأسواق.

وقد طالبت لجنة الأوراق المالية والبورصات في الآونة الأخيرة من أحد علماء الفيزياء النووية في جامعة برينستون أن يتولى التحقيق في أسباب «الانهيار السريع» في مايو (أيار)، عندما انخفضت سوق الأسهم ثم انتعشت بسرعة مما زاد من مخاوف المستثمرين.

وحتى الآن، لا يبدو في الآفاق وجود علاج ناجع لتهدئة الأسواق المتقلبة. وقال بريان لويل، وهو شريك بارز في شركة «ماكينزي أند كومباني»: «يمكننا بناء مؤسسات مالية سليمة، لكن سنبقى في مواجهة وقوع زلازل مالية خطيرة إذا كانت السياسات التي تنتهجها الحكومات غير متوازنة في الأساس. ومن الواضح أنه ليس هناك من يرغب في التعرض لمثل هذه المحن».

* خدمة «نيويورك تايمز»