لرفع مستوى الوعي العام

سعود الأحمد

TT

الدول الخليجية تطورت في مجالات كثيرة، وشيدت الكثير من البنى الأساسية، واكتسبت الكثير من المقومات الحضارية.. وآن الأوان أن تعيد النظر في أوضاعها، لتحدد وبشكل دقيق وموضوعي ماذا ينقصها.

نعم، لدينا شوارع مسفلتة وأرصفة ونظيفة وحدائق مطرزة بالورود والزهور الموسمية، ولدينا مبانٍ وأبراج (ناطحات سحاب) بجدران زجاجية ملونة غاية في الجمال والإبداع المعماري وبمصاعد مجهزة بأحدث التقنيات، ونسكن في فلل (معظمها) تعد في عرف دول الشرق والغرب بمثابة قصور. ولدينا شواطئ جميلة تلامس جنباتها الأرصفة والمسطحات الخضراء (كالجنات)، ولدينا شبكات طرق برية تصل بعضها الجسور والأنفاق الخرسانية.. وهناك جهود حثيثة لبدايات سكك حديدية، ومستشفيات وفنادق ومدن صناعية وأخرى جامعية... إلى غير ذلك من المكتسبات والمقومات الحضارية.

لكن الحقيقة المؤلمة أن مجتمع دول المجلس يعاني من أعباء اقتصادية، سببها عادات وتقاليد ما أنزل بها من سلطان. فهناك أخطاء نرتكبها في حياتنا اليومية (كأفراد) لا تستطيع الحكومات أن تصنع لها شيئا!... ربما لأنها تدخل ضمن ما نعتبره مساحة الحرية الشخصية! فالقضاء لن يعاقب من يصرف أكثر من دخله للمجاملات والترفيه، وإن استدان أو اعتمد على الصدقات لتغطية العجز. وأجهزة الأمن لا نقبل منها (كمجتمع) أن تقبض على من يقترض من بنك بضمان راتبه ليسافر لقضاء إجازة الصيف، وقد يصرف على حساب بطاقة الائتمان.. وقد يعرض نفسه للسجن. ولا يُعقل أن تقنن عقوبة لمن لا يجعل له ميزانية أسرية يتعود عليها ويعود أسرته عليها. كما لا توجد جهة تنفيذية مخولة لمحاسبة من يسرف في حفل زواجه أو في مهر عروسته أو يبالغ في إكرام ضيفه، وإن قدم على سفرته ما يفوق العقل والمنطق. والمرور مهما كثف إجراءاته الرقابية لن يتمكن من إجبار المجتمع على ربط الحزام وضبط كل من يرمي علبة أو منشفة من سيارته ويتابع ويعاقب كل من لا يتقيد بالسرعة النظامية في كل الأماكن ويفحص جودة الإطارات ومقادير هوائها. مع أن كل هذه أمور لها تبعات سلبية بالغة على الآخرين وخسائر اقتصادية كبيرة يدفع ثمنها المجتمع. والمسألة تحتاج إلى تشخيص ومعالجة بشكل دقيق.. لكن العائق هنا أنه لا توجد جهة معنية بذلك.

ولذلك فالحاجة ماسة بدول مجلس التعاون إلى هيئات مدنية تتولى مهمة الشأن العام. ومن ذلك تضع خطة شاملة لبرامج رفع مستوى الوعي العام، بحيث تستهدف في البداية إقناع المجتمع بوجود هذه المشكلات، وتشخصها بشكل دقيق وتقترح آليات وبرامج معالجتها.

وفي الختام.. أصدقكم القول إنني في البداية كتبت هذا المقال مدعما بإعطاء أمثلة لبعض العادات الاجتماعية الخاطئة، من ذات التأثير الاقتصادي السلبي البالغ في كل دولة خليجية. وحرصت من باب العدالة أن أعطي أمثلة حقيقية عن كل دولة. لكنني وجدت أنني وقعت في حرج، لكون بعض الأمثلة فيها نقد لاذع لبعض المجتمعات أكثر من بعض، خصوصا عندما وجدت علاقة هذه الأمثلة بالمعتقدات والأمور المذهبية وبالعادات والتقاليد التي تمثل لدى البعض مسلمات لا يقبل الخوض في مناقشتها! وبذلك اختل مبدأ العدالة الذي كنت أنشد.. وخلصت إلى قناعة أن الحديث بالعموميات في مثل هذه الحالات أنسب من الخصوصيات... وكل مجتمع أدرى بعيوبه.

* كاتب ومحلل مالي