بعد أعوام من «السمعة السيئة».. إندونيسيا تبرز كنموذج اقتصادي جيد

تخرج حاليا من الأزمة المالية العالمية ولها سمعة جديدة تثير الدهشة

شهد الاقتصاد الإندونيسي، وهو الأكبر داخل جنوب شرقي آسيا، نموا بمعدل سنوي بلغ 6.2 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي (رويترز)
TT

على مدار أعوام، كانت إندونيسيا تعرف بضعف الكفاءة والفساد وانعدام الاستقرار، ولكنها تخرج حاليا من الأزمة المالية العالمية ولها سمعة جديدة تثير الدهشة. ويأتي ذلك بعد أن شهد الاقتصاد الإندونيسي، وهو الأكبر داخل جنوب شرقي آسيا، نموا بمعدل سنوي بلغ 6.2 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وهذا حسب ما تفيد به بيانات نشرت يوم الخميس. ويعني ذلك أن وتيرة النمو تسارعت بالمقارنة بـ2009 حين ارتفع الناتج المحلي بنسبة 4.5 في المائة.

وقد وصلت سوق الأسهم إلى مستوى مرتفع الأسبوع الماضي، لتكون من بين أفضل أسواق الأسهم أداء داخل آسيا خلال العام الحالي بعد أن ارتفعت بنسبة تتجاوز 20 في المائة منذ الأول من يناير (كانون الثاني). وارتفعت قيمة العملة داخل إندونيسيا، الروبية، بنحو 5 في المائة خلال العام الحالي في مقابل الدولار، ويعد ذلك الأداء الأفضل داخل آسيا إلى جانب أداء الين الياباني.

كما بدأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي كانت محدودة على مدى أعوام بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت آسيا عام 1997، تعود إلى جاكرتا. وبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 33.3 تريليون روبية (3.7 مليار دولار) خلال الربع الثاني من العام الحالي، بزيادة 51 في المائة بالمقارنة بقيمة الاستثمارات قبل عام، وذلك حسب ما أفاد به مجلس تنسيق الاستثمارات داخل إندونيسيا الأسبوع الماضي. وتمضي الدولة في طريقها من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية العام الحالي لتتجاوز معدلات 2008، حين تمكنت من جذب استثمارات قيمتها 14.87 مليار دولار. وقد دفعت هذه الإحصاءات البعض هنا إلى القول بحذر إن إندونيسيا - وهي ديمقراطية ذات أغلبية مسلمة وإحدى أكبر الدول من حيث عدد السكان - سوف تحوز قريبا الاهتمام نفسه الذي يوليه مستثمرون للصين والهند.

ويقول لانانغ تريهارديان، وهو محلل لدى شركة إدارة الأموال «سيالندرا كابيتال»: «تعد إندونيسيا من أكثر المقاصد جاذبية وإثارة في العالم. وقد بدأ المستثمرون الأجانب يتدافعون إلى إندونيسيا منذ نحو منتصف عام 2009، وتشهد مقدارا كبيرا من السيولة يجعل إندونيسيا متجهة في الأغلب إلى أسواق الأسهم والسندات». وبلا شك، لا تزال بعض المعوقات المهمة تقف أمام النمو المستدام. وعلى الرغم من التقدم في مجال محاربة الفساد، لا يزال المستثمرون يشتكون من لوائح مربكة وقوانين عمل تجعل من الصعب فصل الموظفين. ولم يتم بناء سوى مقدار قليل من مشاريع البنية التحتية منذ الأزمة الاقتصادية الآسيوية عام 1997. وعلى الرغم من أن النظام التعليمي حقق نجاحا من ناحية الوفاء بالمتطلبات الأساسية، ينظر إلى الجامعات والكليات داخل إندونيسيا على أنها قديمة بدرجة كبيرة.

ولكن بعد مرور أكثر من عقد على الإطاحة بحكم سوهارتو الدكتاتوري عام 1998 - والمخاوف التي تلت ذلك، من تفسخ البلاد على يد جماعات انفصالية وتهديد التسلح الإسلامي - تبدو إندونيسيا بلدا مستقرا. وتزخر إندونيسيا بموارد طبيعية مثل زيت النخيل والنحاس والخشب، وهي السلع التي تحتاج إليها الصين بدرجة كبيرة.

وتحظى إدارة الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو بالثناء لأنها تمكنت من تقليل الديون وحققت بعض النجاحات في محاربة الكسب غير المشروع. وقد أعيد انتخاب الرئيس يودويونو في 2009 لولاية ثانية من خمسة أعوام، وأجريت تعديلات تهدف إلى تعزيز الديمقراطية من خلال منح سلطات إلى إدارات حكومية محلية، حيث كانت الانتخابات سلمية ومنظمة.

وتبدو إندونيسيا أكثر جاذبية في هذه الأيام بسبب الكآبة التي تسيطر على قطاع كبير من السوق العالمية. ويأتي الدين المنخفض والنمو المرتفع وإحساس بالتفاؤل في مقابل إحساس باليأس داخل أسواق متقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا.

ويرجع الفضل بدرجة كبيرة فيما يتعلق بالحفاظ على النمو إلى السوق الاستهلاكية الضخمة داخل البلاد. وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية العالمية قوضت من الثقة، ساعد المواطنون وسياسات التحفيز الحكومية وبرنامج تحويلات نقدية مباشرة إلى الفقراء على المحافظة على وتيرة الاستهلاك.

وداخل جاكرتا، ينظر إلى المرور المزدحم وانتشار المراكز التجارية الضخمة على أنها إشارات على القوة المتنامية للطبقة الوسطى. وداخل مركز العاصمة، افتتح المركز التجاري الإندونيسي الكبير في 2007 وشهد توسعات خلال فترة الركود العالمي. وتقول تيجس بريتا سورية، المتحدثة باسم المركز التجاري: «نروج لماركات عالمية هنا، ولذا لا يضطر الإندونيسيون إلى التسوق خارج البلاد بحثا عنها». وأشارت إلى أن المعاملات التجارية، ولا سيما المرتبطة بالعلامات التجارية المرتفعة المستوردة، زادت على الرغم من الأزمة العالمية.

ويوجد داخل المركز التجاري أول فرع للمتجر البريطاني الشامل «هارفي نيكولاس» داخل إندونيسيا، ويوجد به أيضا بوتيكات لعلامات تجارية فخمة مثل «شانل» و«أرماني» و«دوليس آند غابانا» التي لديها أفرع داخل مراكز تجارية أخرى في المدينة.

ولكن، ثمة انتقادات تقول إن النمو الاقتصادي كان له أثر أقل مما يجب بالنسبة إلى الأغلبية. ويعيش نحو 15 في المائة من السكان أسفل خط الفقر الرسمي داخل إندونيسيا الذي يقدر بنحو دولار في اليوم، ولكن يقول ناشطون يدافعون عن حقوق الفقراء إن النسبة يمكن أن ترتفع بدرجة أكبر إذا قدرت إندونيسيا خط الفقر بـ1.25 دولار في اليوم. ويعني النمو البطيء نسبيا في الصناعات الكثيفة العمالة تقدما بطيئا في الحد من البطالة، التي تبلغ أكثر من 7 في المائة.

وتعتقد الحكومة أنه من الحلول التي يمكن أن تتخذ من أجل الوصول إلى مستوى أعلى من النمو المستدام هو الاتجاه إلى الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما داخل قطاعات مثل التصنيع. وتأمل هيئة تنسيق الاستثمارات الحكومية أن تتمكن إندونيسيا من جذب ما بين 30 مليارا إلى 40 مليارا في شكل استثمارات أجنبية بحلول 2015، أي أكثر بمقدار ثلاثة أو أربعة أضعاف مما حققته العام الماضي، حسب ما يقول جيتا ويرجاوان، رئيس الهيئة. وداخل اقتصاد تبلغ قيمته حاليا 650 مليار دولار سنويا ومن المتوقع أن يرتفع إلى تريليون دولار خلال خمسة أعوام، لا يعد ذلك رقما كبيرا. ولكن يعد ذلك مهما لجعل إندونيسيا مقصدا استثماريا جادا، حسب ما أضاف.

وقد حصلت إندونيسيا على النصيب الأكبر من استثماراتها الأجنبية من داخل رابطة دول جنوب شرقي آسيا، بينما تستحوذ دول أخرى خارج الآسيان مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول أوروبا على جزء كبير من بقية الاستثمارات.

ويقول ويرجاوان إن إندونيسيا تعمل من أجل تغيير القواعد لتسهل عملية الحصول على أراض من أجل مشاريع البنية التحتية وتشهد حاليا اهتماما بالاستثمار في البنية التحتية. وقامت الحكومة مؤخرا بتسهيل قواعد الاستثمار داخل قطاعات من بينها الرعاية الصحية والتعمير والكهرباء. وفي الوقت نفسه، تعمل من أجل الاستخدام الأمثل للأموال وتمرر قوانين بخصوص السندات الحكومية تشترط على المستثمرين الأجانب الاحتفاظ بأموالهم داخل البلاد إلى وقت أطول.

ويبدو أن لهذه الجهود نتائج طيبة. وأعلنت الحكومة مؤخرا أن الصندوق السيادي الصيني (شركة الصين للاستثمار) كان يأمل في استثمار 25 مليار دولار في مشاريع بنية تحتية داخل إندونيسيا. ووقع عملاق الصلب الكوري الجنوبي «باسكو» على صفقة قيمتها 6 مليارات دولار يوم الأربعاء من أجل بناء مصنع داخل إندونيسيا مع شركة «كراكاتاو للصلب».

وعلى الرغم من أن الاستثمار داخل القطاع الصناعي لا يزال متأخرا عن القطاعات الأخرى، قال ويرجاوان إن إندونيسيا حققت ارتفاع التكلفة داخل الدول المنافسة عالميا على ضوء تكاليف العمالة المنخفضة نسبيا هناك. ويقول: «يقوم التايوانيون والكوريون واليابانيون بنقل المصانع من فيتنام والصين على ضوء نصيبهم من تكاليف العمالة وعلى ضوء زيادة الاستقرار الذي يراه المواطنون من وجهة نظر اقتصادية وسياسية».

وقالت رابطة الأحذية الإندونيسية، إن علامات تجارية كبيرة مثل «آسيكس» و«ميزونو» و«نيو بالانس» نقلت جزءا من إنتاجها إلى إندونيسيا خلال العام الحالي بسبب زيادة التكاليف المرتفعة داخل الأماكن الأخرى. ويعمل في قطاع الأحذية الإندونيسي 640000 شخص، وبلغت قيمة الصادرات نحو 1.8 مليار دولار خلال 2009، حسب ما ذكره رئيس الرابطة إيدي ويدجانركو. ويأمل المنتجون في زيادة الرقم إلى ملياري دولار خلال العام الحالي. وتقول كاتجا شريبر، المتحدثة باسم «أديداس» - التي وسعت إنتاجها داخل إندونيسيا بدرجة كبيرة - إن إندونيسيا، التي تعد ثالث أكبر مورد لها، تقدم «جودة عالية وعمالة كثيرة وأسعارا تنافسية واستقرارا سياسيا». وأضافت أنه على الرغم من أن الإنتاج هنا يشهد نموا متسارعا، فإنه يحدث على حساب موردين رئيسيين: الصين وفيتنام. وتعكس سوق الأسهم المحلية القوة التي يمر بها الاقتصاد. وقد حققت الأسهم المرتبطة بالسلع، وهو قطاع التصدير الرئيسي داخل إندونيسيا، أرباحا قوية. وارتفعت أسهم المصارف مع الزيادة العامة في الاستهلاك والقوة الجيدة نسبيا في القطاع، الذي تمكن من الخروج سالما من أزمة الائتمان. وقد كانت أسهم كبرى مثل «يونيلفر إندونيسيا» وموزع السيارات «استرا إنترناشونال» عناصر بارزة في المؤشر المحلي.

وقد أثارت هذه الوفرة بعض المخاوف من أن تمثل معدلات التضخم مشكلة داخل البلاد. وقرر المصرف المركزي الإندونيسي أن يبقى مؤشر معدلات الفائدة عند 6.2 في المائة خلال الأسبوع الحالي على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم السنوية إلى 6.22 في المائة خلال يوليو (تموز).

وعلى الرغم من ذلك، يشعر الكثيرون أن زمن إندونيسيا عاد من جديد. ويقول فوزي إحسان، وهو اقتصادي بارز لدى «ستاندارد تشارترد» داخل إندونيسيا: «يوجد شعور في آسيا بأنه بعد الاستثمار داخل الصين والاستثمار داخل الهند سيكون عليك الاستثمار داخل إندونيسيا، فهي مقصد طبيعي».

* خدمة «نيويورك تايمز»