السعودية تخطط لرفع طاقة مخزون القمح وزيادة أعداد المصانع

الخريجي مدير عام الصوامع لـ «الشرق الأوسط»: المخزون يبلغ 2.5 مليون طن ويكفي استهلاك عام

المهندس وليد الخريجي مدير عام مؤسسة صوامع الغلال ومطاحن الدقيق
TT

طمأن المهندس وليد الخريجي المدير العام للمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق على مستقبل الاستهلاك من سلعة القمح في المملكة حتى في حال بروز تداعيات جديدة لوقف روسيا - أحد أكبر المصدرين في العالم - التصدير الخارجي، مشيرا إلى أنه لم تلُح في الأفق أزمة واضحة حتى الآن.

وخفف الخريجي من وتيرة التداعيات المرتقبة لحال وقف روسيا تصدير القمح، إذ وصفها بأنها لا تستحوذ سوى على عُشر الإنتاج العالمي فقط، مؤكدا أن البدائل المتبقية كثيرة على مستوى قارات وبلدان العالم.

وكشف الخريجي عن أن مخزون المملكة يبلغ 2.5 مليون طن من القمح، منها 1.5 مليون موجودة حاليا في مخازن الدولة، بينما تم إبرام صفقة كبرى لاستيراد قرابة مليون طن من القمح من كندا وألمانيا، يتم استلامها حاليا على دفعات وفق جدولة واضحة.

وأفصح الخريجي عن خطط تطويرية طموحة تتجه إليها المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق ترمي إلى توسيع أعمالها من خلال رفع السعة الاستيعابية للمخازن، وكذلك زيادة أعداد المصانع العاملة، مشيرا إلى التوجه لتوسيع نشاط الإنتاج عبر المنتجات المنزلية.

وأبان الخريجي خلال حوار أجرته «الشرق الأوسط» معه في مكتبه أمس، أن العمل يجري لإطلاق منتج المؤسسة تحت مسمى «فوم»، وهو اسم قرآني يعني القمح كما هو مستمد من الآية الكريمة: «فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وِفُومِهَا...»، ليكون علامة تجارية منتظرة ذات جودة عالية من الدقيق الفاخر ليطرح في الأسواق المحلية. وإلى تفاصيل الحوار:

* دعنا ننطلق من إعلان روسيا وقف تصدير القمح خارجها على المستوى الاستهلاك العالمي، فما تأثير التصدير الروسي من القمح على العالم وكم يقدر استحواذها على سوق القمح العالمية؟

- روسيا تنتج 65 مليون طن سنويا تمثل 10 في المائة من الإنتاج العالمي، وتعتبر ثالث أكبر مصدر للقمح، بيد أن هذه المعلومات لا يمكن أن تدخل الخوف في نفوس المستوردين مع وجود بدائل كثيرة لديها فوائض ضخمة من القمح وتقوم بتصديره إلى جميع مناطق العالم.

* ولكن متى تتوقعون بداية تأثير الإحجام الروسي عن التصدير للعالم، وما سيناريوهاتها على المستوى العالمي؟

- لا بد أولا أن أوضح أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالحرائق التي داهمت مزارع القمح في روسيا قد يكون لها تأثيرات بلا شك في حال استمرارها لمدة طويلة، لكن لا بد لنا نحن كمستوردين أيضا أن لا نركز فقط على نسبة 10 في المائة التي تصدرها روسيا خارجيا، حيث إن هناك 90 في المائة متبقية تمثل بدائل لدول مصدرة أخرى. وبالمناسبة، لعلني هنا أؤكد للجميع بأن الحالة التي تمر حاليا بروسيا لم تتشكل بعد في صيغة «أزمة» بمعناها الحقيقي، بل لا يمكن حتى وضعها في المقارنة بما حصل في عام 2007.

* ما الدول الأخرى القادرة على سد الصادرات الروسية؟

- هناك دول أخرى أكبرها الولايات المتحدة يليها كندا فأستراليا فالاتحاد الأوروبي، كما أن هناك بلدان دول البحر الأسود مثل كازاخستان وأوكرانيا وكذلك الأرجنتين، وهناك الصين والهند وباكستان، والدول الثلاث الأخيرة ما تنتجه تقوم باستهلاكه محليا. ونحن في المملكة نفخر بعلاقتنا القوية جدا مع جميع تلك البلدان، فقد اشترينا من الاتحاد الأوروبي وكندا وأميركا ومؤخرا كازاخستان التي ستصل أول دفعة منها قريبا، كما أن تلك البلدان جميعها تفي بالمواصفات المطلوبة حيث نستورد قمحا بنسبة بروتين 14 في المائة و12.5 في المائة من الأقماح الصلدة، لإنتاج الخبز العربي، كما أن هذا النوع من القمح يساعد على إنتاج مخبوزات كثيرة، منها «التوست» و«الصامولي» و«الباكيت» و«الخبز الإيطالي» وغيرها.

* دعنا نفترض مزيدا من التداعيات جراء أزمة قمح روسيا، أو دعنا نسأل: كيف ستتصرف المملكة في حال بروز ملامح سلبية للأزمة؟

- لا بد أن أؤكد أنه لا بد من التساؤل كذلك عن مدى التأثير التي ستؤدي إليه هذه الحالة التي نراها حاليا، وهل سيكون «كارثيا»، ولعلي أفاجئك بالرد بأنه حتى في روسيا لم يتم حتى الآن فترة الحصاد الرئيسية، إذ يبدأ في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. إذن الروس أنفسهم قد لا يعلمون إلى أي مدى ستصل الإشكالية.

أما السعودية فلدينا جدولة بواخر قادمة إلى المملكة من أكتوبر وحتى أبريل (نيسان) المقبل من عام 2011، إضافة إلى أن لدينا في الشهرين الحاليين بواخر نستقبلها، إضافة إلى مخزون استراتيجي قوامه 1.5 مليون طن.

* طمأنتم حول احتياطات المملكة من القمح، فكم يقدر حجم المخزون المحلي الإجمالي؟

- المملكة تحافظ على مخزون استراتيجي يقدر بـ6 أشهر من الاستهلاك المحلي مقارنة بالدول المستوردة، وهذا المخزون الاستراتيجي يعطي مرونة كبيرة، كما يعد في عرف التخزين مساحة زمنية كبيرة مع حركة التدوير العالية للسلع. والمملكة تستهلك سنويا من القمح بين 2.8 إلى 3 ملايين طن من القمح، ونحن لدينا حاليا 1.5 مليون طن في مخازننا، إضافة إلى استقبال مليون طن من شحنة ضخمة لأول مرة بهذا الحجم من ألمانيا وكندا.

* وماذا عن الطاقة التخزينية، إلا ترون بأن المملكة تحتاج إلى طاقة تخزينية أكبر؟

- بلا شك نحن لدينا مشاريع بناء صوامع جديدة ستزيد من قدرتنا في التخزين، ولدينا توسعات قريبة في الدمام وجدة ومكة ستصب في صالح زيادة السعة التخزينية، حاليا نحن نستطيع تخزين ما قوامه 2.5 مليون طن متري، وبإضافة التوسعات الجديدة بما مقداره 500 ألف طن متري، لنصل إلى مرحلة المخزون الآمن جدا مهما كانت حركة التدوير.

* هل ترى أن الزراعة المحلية من القمح قادرة على سد حاجة البلاد في حالة الضرورة؟ وبالمناسبة، حدثونا عن قدرة الإنتاج المحلي.

- المؤسسة جهاز تنفيذي، ونعمل لاستلام القمح من المزارع المحلي ومن ثم تحويل القمح إلى دقيق ثم عملية التوزيع، وبعدها هناك أدوار لجهات أخرى، كما تعمل «صوامع الغلال ومطاحن الدقيق» وفقا لقرار مجلس الوزراء 353 القاضي بترشيد استهلاك المياه وقيام المؤسسة بالتوقف التدريجي عن شراء القمح الذي بدأ منذ قبل عامين بنسبة تخفيض سنوي قوامها 12.5 في المائة.

ولك أن تعلم أن المزارعين السعوديين كانوا ينتجون ما يفوق 2.7 مليون طن لينخفض المحصول حاليا إلى 1.1 مليون طن من القمح، والتي أمر الدكتور فهد بالغنيم وزير الزراعة ورئيس مجلس إدارة المؤسسة السبت الماضي ببدء صرف مستحقاتهم بقيمة 1.1 مليار ريال.

لذا فدور المؤسسة حاليا حيال القمح وتطبيق قرار مجلس الوزراء هو استيراد الكميات لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، الذي يبلغ في حدود 2.8 إلى 3 ملايين طن من القمح.

* ما آلية استقراء الأسواق العالمية للسلع الرئيسية وكذلك طريقة طرح المناقصات؟

- شراء القمح يتم في المؤسسة عن طريق فريق عمل مكون من المؤسسة ووزارة المالية بإشراف مجلس الإدارة، وهناك متابعة للسوق بشكل دقيق، ونقدم تقارير للأسواق وبالتالي اختيار الوقت المناسب لتنفيذه، كما أستطيع أن أقول إن معظم الاختيارات كانت موفقة، وهذا بفضل الكوادر الوطنية المؤهلة في هذا المجال، حيث نجحنا دائما في الحصول على أسعار في مستويات جيدة لنا. وعلى أي حال عند وقوع أي إشكاليات أو أزمات فنحن ملتزمون بإبرام صفقات مهما كانت القيمة لتوفير الأمن الغذائي للمملكة، والمناقصة الأخيرة هي أكبر مناقصة من حيث الكمية التي تقدر بنحو مليون طن، ولو اشتريت بأسعار اليوم فسنكون قد فقدنا 80 مليون دولار. ونحن دائما وأبدا في متابعة دقيقة لحركة الأسواق العالمية.

* ولكن ما منتجات مؤسسة صوامع الغلال ومطاحن الدقيق؟

- المؤسسة لها دور مرسوم من قبل الحكومة بموجب النظام والتشريعات، ونحن ننتج الدقيق وكذلك إنتاج الأعلاف ولنا دور في إنتاج مشتقات القمح والدقيق، وحاليا نحن ننتج تقريبا سنويا 50 مليون كيس دقيق تكفي استهلاك المملكة بما فيها زوارها، إضافة إلى المعتمرين والحجاج، ونحن نحاول المحافظة على توفر مليوني كيس في مستودعات المؤسسة.

وكذلك لنا حصة في سوق الأعلاف تقدر بين 5 إلى 7 في المائة، نعمل من خلالها على تشجيع صغار المربين حيث الأسعار مدعومة من الدولة، نوفر لهم قرابة 50 نوعا من الأعلاف كبديل للشعير بوجود مكونات غذائية كاملة بجودة عالية جدا، ولا أخفيك سرا لو قلت إن لدينا طلبات أكثر من القدرة على التصدير. ونحن حاليا نعمل على قيام مشروع جديدة لتشييد مصنع ضخم مهتم بتصنيع أنواع كثيرة من الأعلاف بطاقة 800 طن.

* هنا تساؤل مهم حول استفادة المؤسسة من سوق المملكة الاستهلاكية بتفعيل الدور التجاري لديها.

- بالفعل لدينا نشاط واسع في تقديم المنتجات المنزلية من الدقيق مع وجود 5 مصانع بطاقة إنتاجية 2100 طن في اليوم، وعملنا دراسات كثيرة لتعديل المكون وطريقة التعبئة والتغليف، ولعلي أكشف هنا عن إطلاقنا لمنتج جديد اسمه «فوم»، وهو اسم قرآني للقمح، وسيكون علامة تجارية للمؤسسة في منتج الدقيق الفاخر، وأعدنا طرق تغليفه وتعبئته كما حدثنا ماكينات المصانع في معظم الفروع لدينا لتتوازى مع هذا الاسم التجاري الجديد.

* وهل هناك نوايا لتبني منتجات سلعية أخرى؟

- بالطبع لدينا الدقيق الموجود بقوة في الأسواق وتم استهلاك كميات كبيرة في فترة ما قبل رمضان، حيث نبيع نحو 6 منتجات دقيق، منها «البودرة»، و«الفاخر»، و«البر»، و«الخميرة»، إلا أن العبوات المنزلية لا تمثل إلا 5 في المائة فقط من إجمالي مبيعات سوق الدقيق مقارنة بأسواق المخابز والحلويات والمطاعم.

إذن لدينا منتجان: الأول يأخذه المصانع والمخابز الكبيرة، والثاني لسوق العبوات الصغيرة، إلا أن لدينا خطة تطويرية لعمل منتجات متخصصة مثلا لأنواع من الكيك والحلويات والبسكويتات لتكون نوعا من أنواع البدائل للمستهلك. وكما هو معروف، هناك عوامل أخرى مؤثرة في ما يخص التوجه نحو التصنيع والإنتاج كالعرض والطلب، ونحن نقوم بعمل دراسات متواصلة، ولدينا منتجات موسمية كـ«هريس» و«جريش» وغيرها لها طلب في السوق.

* اتجهت بعض القطاعات والأجهزة الحكومية إلى إنشاء شركات مستقلة تقوم كذراع استثمارية أو تجارية، لتستفيد من مميزات المرونة والتسويق والقدرة على التحرك في الأسواق، ألا تعتزم القيام بفكرة مشابهة؟

- نحن جهة إنتاج، وهي أقرب للتجاري من العمل الحكومي، وهو واقع العمل الذي نقوم به كل يوم حيث نعمل على مدار ساعات اليوم، فمجالنا إنتاجي، ونحن قريبون جدا للقطاع الخاص، كما نعتمد حاليا على القطاع الخاص في كثير من الخدمات مثل النقل، حيث تقوم شركات محلية بنقل القمح بين المناطق، وكذلك عمليات الصيانة وغيرها.

* ماذا عن عملية توسيع أعمال المؤسسة من حيث الانتشار الجغرافي في المملكة، وهي البلد الكبير الذي يحتاج إلى وصول كل الخدمات والمنتجات إليه؟

- لدينا 11 فرعا منتشرا في المملكة، وننتهي حاليا من الانتهاء لإطلاق فرعين جديدين في جازان ومكة المكرمة، وهذه الفروع تمثل مصانع دقيق.

* ماذا يتعلق بملف الخصخصة التي كانت المؤسسة قد أعلنت عنها في وقت سابق، وصدر عنها مرسوم ملكي بالموافقة على دراسته خلال عام 2008؟

- كل ما أستطيع أن أشير إليه هنا هو أننا قمنا بكل الدراسات اللازمة وتم رفعها حاليا إلى المجلس الاقتصادي الأعلى، ونحن بانتظار ما يتم تحديده للخيارات التي تم رفعها، ولا أستطيع الإفصاح عنها، لكن ننتظر اختيار الخيار الأمثل لتطبيقه على المؤسسة.

* كم يقدر حجم عوائد المؤسسة خلال العام الماضي؟ وكيف تنظرون إلى نمو أعمالكم لهذا العام؟

- الإيرادات أكبر من المصروفات لدينا، ولا يمكنني الإفصاح عن الأرقام المتعلقة بالعوائد، لكن ما أؤكده هو أن لدينا نموا طبيعيا مُرضيا، إضافة إلى التحسينات التي نقوم بها عبر رفع الكفاءة الإنتاجية، بجانب حركة التوسعات الحالية لمواكبة الزيادة السكانية، وكذلك تغير نمط العمل من قمح داخلي إلى استيراد، مما اضطرنا إلى توسعات تطل على الموانئ لزيادة طاقتها التخزينية وطاقة التفريغ لتقصير المدة الزمنية من بقاء السفن والبواخر في الموانئ.