مصر تسعى للتغلب على أزمة القمح بتنويع دول المنشأ وزيادة المخزون الاستراتيجي

خلاف بين وزارتي التجارة والمالية بسبب العجز عن توفير المخصصات لاستيراد القمح الروسي

TT

تبذل الحكومة المصرية حاليا قصارى جهدها لتوفير كميات القمح اللازمة للاستهلاك المحلي، وأيضا لتنوع الدول التي يتم الاستيراد منها، وأعلنت أمس أنها أجرت مناقصة جديدة لاستيراد 55 ألف طن من القمح الأميركي بسعر 277.5 دولار، للطن، وسيتم توريد هذه الكميات اعتبارا من 16 إلى 30 سبتمبر (أيلول) المقبل، ويأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإنشاء صوامع تخزين جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص لزيادة مخزونها الاستراتيجي من القمح عن 4 أشهر.

واستبعد على شرف الدين، رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصري، وجود تأثيرات بقرار روسيا حظر تصدير الحبوب حتى نهاية سبتمبر المقبل، مؤكدا عدم وجود أي نقص في مخزونات القمح المصرية.

وأرجع شرف الدين ذلك لوجود الكثير من الدول البديلة التي ستتعاقد معها مصر لتوريد القمح خلال الفترة المقبلة، حيث استقبلت مصر 460 ألف طن من القمح من فرنسا الأسبوع الماضي، لمواجهة أي عجز من الممكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية أن الوضع آمن وأن البلاد بها مخزون استراتيجي، فإن تداعيات الأزمة بدأت تظهر في السوق المصرية، التي تعتبر الأعلى عالميا في استهلاك القمح.

أكدت مصادر مطلعة أن خلافا نشب بين وزارتي التجارة والمالية بسبب عجز وزارة المالية عن توفير المخصصات المالية لاستيراد القمح الروسي، وذلك بعد طلب وزارة التجارة من وزارة المالية توفير مبلغ يتراوح بين 2.5 و4 مليارات جنيه لاستيراد القمح من أسواق أخري لتعويض كمية النقص، إلا أن وزارة المالية رفضت هذا المبلغ، على اعتبار أنه سوف يسبب عجزا كبيرا في الموازنة العامة، يصل إلى نحو مليار جنيه، في الوقت الذي بررت فيه وزارة المالية رفضها، بأن هيئة السلع التموينية مخصص لها موارد مالية في الموازنة، تصل إلى 13.5 مليار جنيه، أي يمكن الحصول على المخصصات المالية لاستيراد القمح من هذه الموارد، وذلك مع صعوبة توفير موارد مالية جديدة.

وخصصت الحكومة المصرية نحو 7.6 مليار جنيه، في الموازنة العامة خلال العام المالي الحالي، لاستيراد القمح، بالإضافة إلى 2.1 مليار جنيه كاحتياطي للمتطلبات الزائدة من القمح لهيئة السلع التموينية.

ومن جانب آخر، فإن تداعيات تلك الأزمة لم تتوقف عند خلاف حول تخصيص موارد إضافية لاستيراد القمح، ولكنها تعدتها لتؤدي إلى ارتفاع أسعار الدقيق في الأسواق، حيث ارتفع طن الدقيق الفاخر (المستخدم في إنتاج الخبز السياحي) بنسبة تجاوزت الـ47 في المائة، ليصل سعره إلى 3750 جنيها (658 دولارا) بدلا من 2550 جنيها (447 دولارا) خلال الأيام القليلة الماضية، بحجة ارتفاع أسعار القمح، إضافة لارتفاع سعر كيلو المعكرونة في المحلات إلى الضعف تقريبا.

وأكد أحمد يحيى، رئيس شعبة البقالة (المواد الغذائية) بغرفة تجارة القاهرة، أن أزمة القمح تسببت في زيادة سعر الدقيق، حيث سجل سعر طن الدقيق ما بين 3000 و3750 جنيها بدلا من 2250 و2500 جنيه مصري، وذلك عقب قرار روسيا حظر تصدير القمح، مشيرا إلى أنه على الرغم من عدم صدور أي بيانات تفيد تعاقد مصر على كميات قمح جديدة بالأسعار الجديدة والمرتفعة عن الأسعار القديمة فقد لجأ الكثير من التجار وأصحاب المصالح، مستغلين الأزمة لرفع سعر طن الدقيق للاستفادة من فارق الأسعار الخيالية.

وطالب رئيس الشعبة، الحكومة المصرية، بعدم الإدلاء بتصريحات بعيدة عن أرض الواقع أو في غير موضعها وأن تقوم بتوضيح المعلومات أمام الرأي العام، حرصا على مصلحة المواطنين.

وعلى صعيد متصل علمت «الشرق الأوسط» أن أزمة القمح قادت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية للعكوف على إعداد مشروع لإنشاء صوامع لتخزين القمح، وذلك لتقليل الفاقد، سواء من الكميات المزروعة منه في مصر أو الكميات التي يتم استيرادها من الخارج لتلبية الاستهلاك بالأسواق المصرية.

وقالت الوزارة إنها فور الانتهاء من إعداد المشروع ستقوم بتسويقه على القطاع الخاص، وذلك بعد إعداد دراسة الجدوى حول المشروع وإبراز مكاسبه ومميزاته للحصول على التمويل اللازم للمشروع، الذي من شأنه أن يقوم بتقليل الفاقد السنوي من القمح، سواء المستورد أو المزروع في مصر، الذي يقدر بمليون ونصف المليون طن، بنسبة تتراوح بين 10 و12 في المائة من الكميات التي تستهلكها مصر سنويا، بينما تحصل مصر من محاصيلها المزروعة على ما يتراوح بين 7 و7.5 مليون طن من القمح سنويا، بينما تستورد سنويا 6 ملايين طن.

وقالت الوزارة إن هذه النسبة التي يتم فقدها سنويا جاءت بسبب عدم وجود مشروع قومي أو خاص لتخزين القمح، وأن هذا التوقيت هو الأنسب لطرح مثل هذا المشروع، وبالأخص بعد الأزمة التي تعرضت لها مصر، خاصة بعد الحرائق التي التهمت محاصيل القمح في روسيا مما أثر في التعاقدات الخاصة بتصدير القمح لمصر.

الأزمة الاقتصادية التي أثارتها روسيا، جعلت الكثير من الخبراء يؤكدون أن مصر لا تستطيع مواجهة الأزمات بشكل فعال وسريع. وحذر اقتصاديون وخبراء في الزراعة من عدم وجود خطة طوارئ واضحة للدولة، من أجل مواجهة أزمة القمح، خاصة أن مصر تعتمد على استيراد ما يقرب من 40 في المائة من احتياجاتها من القمح، حيث تتراوح نسبة الاكتفاء الذاتي بين 56 في المائة و60 في المائة، حسب أحداث الإحصاءات الصادرة عن وزارة الزراعة.

وأوضح الخبراء أن مصر يجب أن تسعى لزيادة المخزون الاستراتيجي من القمح، ليصل إلى 9 أشهر بدلا من 4 أشهر حاليا، إلى جانب تنويع مصادر الاستيراد من دول مختلفة، واختيار أفضل البدائل، من خلال قائمة الدول التي تستورد منها.

وأكدوا أن على وزارة الزراعة المصرية، أن تعمل على رفع نسبة الاكتفاء الذاتي عن طريق زيادة المساحات المزروعة، بالإضافة لزيادة الإنتاجية عن طريق استخدام أفضل وسائل تكنولوجية وتعميم زراعة التقاوي الحديثة، مما يسهم في زيادة متوسط إنتاجية الفدان من 20 إردبا حاليا إلى ما يتراوح بين 24 و28 إردبا، الأمر الذي يؤدي لزيادة الاكتفاء الذاتي من نسبة تتراوح بين 50 في المائة و60 في المائة إلى أكثر من 80 في المائة.

وأشاروا إلى أن زراعة القمح تحتاج إلى اهتمام أكبر من الدولة، في ظل الأزمات المتكررة التي شهدتها السوق خلال الفترة الماضية، سواء بتراجع المخزون العالمي أو بارتفاع الأسعار، مؤكدين أن الأزمة التي حدثت في روسيا من الممكن أن تحدث في بلدان مماثلة موردة للقمح، حيث إن بعض الدول الأوروبية خاصة ألمانيا، تعاني هي الأخرى من الجفاف، ومن المنتظر أن تصدر قرارا بمنع التصدير.

وطالبوا بتقليل الاعتماد على الاستيراد مع الاستفادة من الأصناف الجديدة التي تم اكتشافها وتعميم زراعتها في أسرع وقت، مؤكدا أهمية الجهود البحثية لمراكز الأبحاث الزراعية في مصر، مما يسهم في زيادة إنتاجية الفدان من القمح.

وتشير الإحصاءات الحديثة للمجلس العالمي للحبوب إلى أن المخزون انخفض من 220 مليون طن من القمح في عام 2008 إلى 190 مليون طن في العام الحالي.

وأكدت دراسات حديثة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة الفاو، أهمية زيادة، الإنتاج المحلي، تحسبا لنقص الإنتاج العالمي، كما توقع مجلس الحبوب العالمي، كما أن وزارة الزراعة ركزت اهتمامها على استنباط أصناف جديدة من القمح، مما أسفر عن إنتاج نوعين جديدين من القمح يتميزان بمقاومتهما العالية للآفات، ويسهمان في زيادة إنتاجية الفدان.

وجملة الفقد والاستهلاك غير الآدمي وفي الأغراض غير المخصصة للقمح، تقدر في المتوسط بنحو 1.3 مليون طن، تقدر قيمتها بنحو 390 مليون جنيه، موزعة بين الاستخدام في مجال الإنتاج الحيواني والداجني، التي تقدر بنحو 670 ألف طن بنسبة 52.4 في المائة، في حين يقدر الفاقد خلال مراحل ما بعد الحصاد حتى تجهيز الخبز بنحو 609 آلاف طن بنسبة 47.6 في المائة.

وقال إن تكاليف الإنتاج وصافي عائد الفدان من العوامل المؤثرة في إنتاجية القمح، حيث أكدت مؤشرات زيادة تكاليف الإنتاج 6.3 في المائة، وصافي العائد 8.4 في المائة للفدان خلال 7 سنوات.

وكشفت دراسة رسمية صادرة عن وزارة الزراعة مؤخرا عن أن كمية الفاقد من القمح تقدر بنحو 1.3 مليون طن سنويا، بقيمة 390 مليون جنيه، موزعة ما بين الاستخدام في مجال الإنتاج الحيواني والداجني، التي قدرت بنحو 670 ألف طن سنويا، وأشارت إلى أن كميات الفاقد على المستوى الأسري ومراحل ما بعد الحصاد حتى تجهيز الخبز بنحو 609 آلاف طن.

وأكدت الدراسة تسرب الدعم الموجه للقمح المستورد في مجالات متعددة، أهمها الفروق السعرية الناشئة عن عدم تطبيق المواصفات القياسية من قبول اللجان الرقابية وارتفاع أسعار القمح المحلي عن نظيره المستورد، فضلا عن الاستخدام غير الرشيد للقمح والدقيق.

واتهمت الدراسة سياسة التحرر الاقتصادي بالتأثير السلبي على المساحة القمحية في مصر خلال الفترة ما بين 1982 و2009، حيث تبين زيادة الأهمية النسبية للمساحة القمحية خلال فترة التحرر الاقتصادي، مضيفة أن السعر الحقيقي للقمح يعد من أهم المتغيرات المحلية التي تؤثر في إنتاج القمح، وأن هذا السعر يتسم بالتناقص غير المعنوي، بينما اتسم نظيره بالأسعار الجارية بالازدياد المعنوي.

وأضافت الدراسة أن المتغيرات العالمية، كالمساحة المنزرعة وإنتاج الحبوب العالمية، أثرت في واردات مصر من القمح، وأكدت أن مساحة القمح العالمية تمثل ثلث المساحة المزروعة بالحبوب، وأن نسبة المخزون العالمي في تناقص مستمر.

وطالبت الدراسة بضرورة خلط دقيق القمح بدقيق الذرة الشامية البيضاء، وهو ما اعتبرته إحدى أهم آليات الحد من الفجوة القمحية في مصر، حيث أكدت التجارب إمكانية خلط القمح بالذرة والشعير والذرة الرفيعة والأرز في صناعة الخبز، ولكن يفضل خلطه بالذرة الشامية، بنسبة تتراوح ما بين 15 في المائة و25 في المائة.

وتزرع مصر حاليا ما يتراوح بين 2.8 و3 أفدنة من القمح سنويا، وتقدر إنتاجية الفدان بنحو 2.7 طن، إلا أن الحكومة تسعى لزيادة إنتاجية الفدان لتصل إلى 3.2 طن من ناحية، وزيادة الرقعة المزروعة بالقمح خلال الفترة المقبلة إلى 3.5 مليون فدان خاصة بعد تعرض مصر لهذه الأزمة.

وتقوم الحكومة بدعم المحصول الذي تحصل عليه من الفلاح المصري بنحو 700 جنيه مصري للطن الواحد (125 دولارا)، حيث يورد للحكومة سنويا ما يقرب من 3.8 مليون طن من قبل الفلاحين، في حين يحصل القطاع الخاص على الباقي، ليبلغ الدعم السنوي لمحصول القمح 2 مليار و660 مليون جنيه مصري (475 مليون دولار أميركي).