بعد عام من إفلاسها.. «جنرال موتورز» تطرح أسهمها للبيع في اكتتاب عام

سيتيح للحكومة الأميركية تقليص حصتها في الشركة إلى أقل من 50%

مقر «جنرال موتورز» الرئيسي في ديترويت الأميركية («الشرق الأوسط»)
TT

اتخذت «جنرال موتورز» الخطوات الرسمية الأولى، أول من أمس، لطرح أسهمها للبيع مرة أخرى في اكتتاب عام، مما يلقي الضوء على تحول ملحوظ بالنسبة لهذه الشركة العملاقة بعد عام من إفلاسها، ويمهد الطريق أمام واشنطن للانسحاب من حصة الأغلبية التي تمتلكها في الشركة المصنعة للسيارات.

ويشير تقديم طلب بيع الأسهم للمنظمين إلى بداية عملية تستغرق شهورا، ستسعى خلالها الشركة، التي انتعشت بفضل خطة إنقاذ حكومية تكلفت 50 مليار دولار، إلى ترويج دلائل تحقيق الأرباح والنجاح لديها أمام مستثمرين كبار داخل البلاد وخارجها.

وسيتيح طرح الأسهم للبيع في اكتتاب عام، الذي من المحتمل أن يكون إحدى أكبر عمليات الطرح في التاريخ، ومن المحتمل أن يتم في وقت ما في الخريف المقبل، للحكومة الأميركية التخلص من بعض أسهمها، مما يقلص حصتها لأقل من 50 في المائة، وفقا لما ذكرته مصادر مطلعة على عملية الطرح طلبت عدم ذكر هويتها، لأنها غير مخولة بمناقشة هذه القضية علنا. وبحسب الوثائق التي تقدمت بها الشركة، ستتخلى الحكومة أيضا عن سلطتها في تعيين أعضاء في مجلس إدارة «جنرال موتورز».

وبعد تقديم طوق النجاة للشركة المصنعة للسيارات العام الماضي، أسرعت الحكومة وأنقذت الشركة من الإفلاس وتملكت نحو 61 في المائة من أسهمها. وفيما يتعلق بكم أموال الإنقاذ التي قد يتم إعادتها، فإن ذلك يعتمد بصورة كبيرة على السعر الذي من الممكن أن تصل إليه الأسهم في عملية الطرح.

ولم تفصح الشركة في الطلب الذي تقدمت به يوم الأربعاء الماضي عن أي معلومات حول السعر أو عدد الأسهم التي سيجرى طرحها للبيع.

بيد أن الحقيقة التي تقول إن «جنرال موتورز» تتجه لبيع أسهمها في السوق، تعد انعكاسا للثقة المتجددة في شركة تعثرت قبل عام واحد فقط، بفعل الديون وسنوات من انخفاض حصتها السوقية، وكانت متجهة إلى الانهيار المالي. وتعد الحصص المطروحة للبيع سياسية بقدر ما هي مالية.

في حين أن إنقاذ الحكومة لشركة «جنرال موتورز» بدأ في ظل إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، إلا أن إدارة أوباما هي التي ضخت الجزء الأكبر من الأموال الفيدرالية في الشركة، مقابل الحصول على حصة أغلبية. كما أجبرت إدارة أوباما الشركة على إجراء إعادة هيكلة، وعزلت الرئيس التنفيذي، آنذاك، جي ريتشارد واغونر الابن، وهو الآن عضو في مجلس إدارة شركة «واشنطن بوست».

ووصف ناقدون سيطرة إدارة أوباما على شركة «جنرال موتورز» بأنه بمثابة الاتجاه إلى الاشتراكية. بيد أن الرئيس روج الإنقاذ باعتباره إجراء أنقذ مليون وظيفة واستعاد شركة أميركية مهمة.

وقال أوباما، أثناء رحلة إلى ميتشغان في الآونة الأخيرة: «هناك الكثيرون في واشنطن من الذين لا يقولون سوى لا، ولا يزالون يقولون ذلك. إنهم يقولون: حسنا هذا استثمار رهيب، وما علينا سوى أن ندع السوق تأخذ مجراها، وندع «جنرال موتورز» و«كرايسلر» تشهران إفلاسهما. لذا كان هناك الكثير من التشكك. لكننا اتخذنا القرار بالتدخل».

والآن، وفيما يتعلق بما إذا كانت الحكومة تستطيع استرداد استثماراتها، فإن ذلك يعد اختبارا للبعض، ليروا ما إذا كانت خطة الإنقاذ لها ما يبررها.

ومن الممكن أن تأتي عملية بيع الأسهم باعتبارها إحدى قضايا الحملة الانتخابية، حيث إنها قد تحدث في فترة الانتخابات، التي تعقد في الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني). ولم يتحدث طلب الشركة طرح الأسهم للبيع، عن التوقيت بالضبط.

وشكك بعض المحللين، بما فيهم مكتب المساءلة الحكومية، في أن الحكومة ستستعيد جميع الأموال التي أنفقتها. لكن خلال الأشهر الأخيرة، وفي ظل استعادة الشركة لنشاطها، قدم محللون آخرون توقعات تشير إلى أن ذلك قد يحدث.

وقال ميشيل كريبس، المحلل البارز في أحد مواقع صناعة السيارات على الإنترنت، «قبل عام، لم نكن متأكدين من أنهم سيواصلون البقاء. وتستحق الشركة قدرا كبيرا من الإشادة».

وحتى مع ذلك، فإن مهمة إقناع المستثمرين بالأسهم لا تزال قائمة. وعلاوة على ذلك، تواجه الشركة الكثير من التحديات، وكان سجلها من الأرباح التي تم استعادتها قصيرا.

وقال كريبس: «كانت لديهم فترة جيدة امتدت لستة أشهر. كنت أود رؤية مجموعة منهم قبل عملية طرح الأسهم».

وفي عروض للمستثمرين في الأسابيع المقبلة، فإن من المتوقع أن تلقي «جنرال موتورز» الضوء على الحقيقة التي تقول إنه من خلال الإفلاس، تخلصت الشركة من معظم الديون التي أعاقتها من الناحية المالية؛ وستؤكد أنها تحظى بوضع جيد في الصين والبرازيل، والتي يتوقع فيها حدوث الكثير من النمو في الطلب العالمي على السيارات؛ وأنها خفضت التكاليف عن طريق إغلاق مصانع وتسريح العمال، بحيث تستطيع الآن تحقيق الأرباح، حتى في الأوقات الاقتصادية العصيبة.

ومع ذلك، ففي حين أن أرباح الربع الأول من العالم الحالي كانت أول أرباح تحققها الشركة فيما يقرب من ثلاثة أعوام، وحققت الشركة أيضا أرباحا في الربع الثاني، فقد أقر مسؤولون بالشركة أن مستوى الأرباح قد ينخفض خلال الفترة المتبقية من العام.

وقال المدير المالي، كريس ليديل، الأسبوع الماضي: «أتوقع أن تكون نتائج أعمالنا معتدلة خلال النصف الثاني من العام الحالي».

وعلاوة على ذلك، فكما تقر الوثائق التي قدمتها الشركة أول من أمس، الأربعاء، فإن الشركة تواجه الكثير من المخاطر، تتمثل فيما يلي: لا يمتلك الرئيس التنفيذي الجديد دانيال أكرسون أي «خبرة خارج صناعة السيارات»؛ وقد تتطلب القوانين الجديدة مزيدا من كفاءة استخدام الوقود؛ وتعد عملية إعادة الهيكلة بالشركة غير مؤكدة في أوروبا؛ وتعاني خطة المعاشات بها من نقص في التمويل؛ ويسمح باستمرار الملكية الحكومية لواشنطن «ممارسة نفوذ كبير على شركتنا، إذا اختارت القيام بذلك».

وقد تواجه الشركة منافسة عالمية أكثر شراسة. وقالت «جنرال موتورز» في الطلب الذي قدمته: «ظهر مصنعون في الدول التي تقدم منتجات أقل تكلفة مثل الصين والهند، باعتبارهما منافسين في الأسواق الناشئة الرئيسية وأعلنوا عن نيتهم تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الكبرى».

وعلى الرغم من هذه المخاطر، فقد قال بعض المحللين إن المستثمرين قد يرون «جنرال موتورز» من منظور شبه وطني. قالت ليندا كيليان، المديرة بشركة «رينيسانس كابيتال»، «يريد الكثير من المواطنين الأميركيين أن تواصل (جنرال موتورز) النجاح، على الرغم من أنهم يعترضون على أسلوب الإفلاس والطريقة التي استحوذت بها الحكومة على الشركة».

وبعيدا عن الولايات المتحدة، فقد يلجأ المالكون الآخرون لأسهم «جنرال موتورز» لبيع أسهمهم خلال عملية الطرح. ويشمل هؤلاء المالكون حكومات محلية ووطنية في كندا (التي تمتلك 11.7 في المائة)، وصندوق المعاشات في اتحاد العاملين بصناعة السيارات (17.5 في المائة)، ومستثمرين كانوا يمتلكون سندات «جنرال موتورز» قبل إفلاسها (10 في المائة).

ويرجع التوقيت في بعض جوانبه لسعي «جنرال موتورز» لتحرير نفسها من سيطرة الحكومة، التي قادت إلى لقب أثار غضب الكثيرين بالشركة. وقال الرئيس التنفيذي السابق إدوارد ويتاكر الابن: «لقد سئمنا وصفنا بلقب (موتورز الحكومة)».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»