خبراء يؤكدون تحول العراق «مكب» نفايات للمصانع الأجنبية

حجم التبادل التجاري العراقي ـ الإيراني يرتفع إلى7 مليارات دولار

طابور سيارات في أحد شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

لم تقتصر هيمنة التاكسي الإيرانية الصنع أو كما يحب العراقيون تسميتها بالسيارة «الصفوية»، على الشارع العراقي، بل يمكن القول إن سوق العراق وسوق إيران أصبحت توأما متشابها بكل تفاصيله، وحتى دون أن تكون هناك اتفاقية رسمية بين البلدين، بل نتيجة اعتماد سوق العراق كليا على ما تنتجه إيران، بدأ من حبة الثوم وصولا لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.

حجم التبادل التجاري ما بين العراق وإيران جاء مختلفا؛ حيث ما أعلنته إيران من أرقام هو أعلى بكثير من الرقم العراقي، وقد يعود ذلك لحجم السيطرة على الحدود وإحصاء البضائع الداخلة والخارجة، حيث أعلن السفير الإيراني الجديد في بغداد، حسن دانائي، في أول مؤتمر صحافي له أن العقوبات الدولية المفروضة على إيران لن تؤثر على العلاقات الاقتصادية مع العراق، «مشيرا إلى أن بلاده تقوم بسد حاجة العراق من الكثير من السلع والبضائع، وتزوده بكميات من الوقود والطاقة الكهربائية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين طهران وبغداد سبعة مليارات دولار، مرجحا أن يتضاعف حجم التجارة البينية في المستقبل القريب، في ضوء العقود التجارية الموقعة بين رجال الأعمال من البلدين».

أما وزارة التجارة العراقية قد أعلنت، وعلى لسان مدير عام التجارة الخارجية، هاشم السوداني،عن إن «حجم التبادل العراقي الإيراني ارتفع خلال العام الماضي إلى أكثر من أربعة مليارات دولار»، مؤكدا وجود مساع لكلا الطرفين لرفع حجم التبادل إلى أكثر من 12 مليار دولار سنويا.

وعن أسباب هذا التفاوت في الأرقام، قال السوداني لـ«الشرق الأوسط» نحن احتسبنا فقط حجم التبادل في القطاع السلعي من استيرادات حكومية مباشرة، مثل سيارات وكهرباء ومشتقات نفطية، أما إيران فاحتسبت جميع القطاعات، بما في ذلك تبادل الزوار بين البلدين، والخدمات، وغيرها، مؤكدا أن كلا الرقمين صحيح.

وكيل وزارة التجارة، وليد الحلو، أعلن، خلال لقائه وكيل وزارة التجارة الإيراني علي خاني، عن بدء المباحثات العراقية الإيرانية لتطوير آفاق التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، موضحا أن حجم التبادل التجاري مع الجارة إيران قد بلغ أربع مليارات دولار سنويا، ونحن نسعى إلى رفع حجم التبادل ليصل إلى 10 - 12 مليار دولار سنويا.

السفير الإيراني السابق، حسن قمي، أشار إلى أن التبادل التجاري شمل قطاعات الطاقة والسياحة وتبادل السلع والخدمات والأمور الفنية والهندسية. كما أن لدينا أكثر من «مليوني زائر يدخلون ويخرجون سنويا بين البلدين، وإرادة حكومتي البلدين عاكفة على زيادة النشاطات التجارية والصناعية، من خلال ربط شبكات الطاقة الكهربائية بين إيران وتركيا والعراق من جانب، وربط أنابيب النفط وشبكات الهاتف بين العراق وإيران من جانب آخر، كاشفا عن نية الحكومتين العراقية والإيرانية «بناء مراكز اقتصادية ضخمة على الحدود البرية والبحرية، إضافة إلى عقد بروتوكولات عمل لإعادة أعمار العراق».

الخبير الأول في البنك المركزي العراقي الدكتور مظهر محمد صالح أكد لـ«الشرق الأوسط»، وبشان حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران، أن هذه سقوف تبادلية موجودة بشكل أقوى مع تركيا وبأرقام إيران نفسها هناك الأردن وسورية وحتى دول الخليج.

وكشف مظهر أن «الاستيراد العراقي يبلغ 40 مليارا سنويا، والصادرات تبلغ 60 مليارا، أي هناك فائض إيجابي، وبلدان الإقليم تسهم بنسبة 50 في المائة في تجارة العراق الخارجية التي تميل للجانب الاستهلاكي، وأغلب إنتاجنا تراجع؛ فهل يعقل استيراد طابوق البناء أو مياه معدنية من دول لا تملك مياها عذبة وأنهارا؟»، مشيرا إلى أن العراق تحول إلى بلد استهلاكي، وهنا الأفضل الاعتماد على دول قريبة لتخفيض التكلفة، كما التحويل المالي أسهل حاليا، ويجري نقدا على الحدود أو تحويلا مستنديا.

وبين أن طبقة التجار الحاليين هي طبقة بدأت ونمت منذ بداية التسعينات، وتحديدا بعد فرض العقوبات الاقتصادية، وحاليا هناك تعاملات واسعة بين سوق العراق وأسواق الإقليم، خاصة مع تركيا التي قد تصل لـ15 مليار دولار، ومع الأردن أربعة مليار، وسورية الرقم نفسه، أما صادراتنا فتعتمد على النفط فقط.

وعن الجهات التي تراقب وتحصي وتنظم تجارة العراق الخارجية، قال صالح إن هذه التجارة تمر عبر وزارة التجارة بدائرة الإجازات، وأيضا هناك تحويلات مالية ورقابية، وهناك أجهزة السيطرة النوعية، ودائرة الجمارك، وللأسف هناك ضعف رقابي فأصبحت سوق العراق سوقا مليئة بالسلع، بسبب الإعفاء الجمركي، وهنا جعلت سوقنا مكب نفايات لمصانع العالم، وأي بضاعة رديئة يستوردها بعض ضعاف النفوس من التجار للأسف، لم تعد هناك أخلاق التاجر، فالأرباح والجشع عما أعين التجار، فيستوردون أغذية منتهية الصلاحية، ولا يمكن السيطرة عليها إلا بالقانون، معتبرا تحرير التجارة شبه تسيب، ويجب إخضاع هذه التجارة للضوابط.

هاشم السوداني مدير عام دائرة العلاقات الخارجية في وزارة التجارة بين لـ«الشرق الأوسط» أن العراق يستورد كل شيء من إيران؛ سيارات منزلية زراعية وخدمية ووقود، ولا يمكن تحديد أي هذه السلع هي الأكثر تعاملا، فهناك ميزان تجاري يبين الأمر، فمثلا نصف مليار دولار يدفع العراق لإيران سنويا مقابل الطاقة الكهربائية 850 ميغاواطا، وهناك مشتقات تصل مبالغها لأرقام كبيرة، وتفصيل الميزان السلعي لا يمكن تفصيله باعتباره من اهتمام دائرة الجمارك.

وعن سؤال بزيادة حجم التبادل التجاري إلى 13 مليارا، هل يعني اعتماد العراق كليا على سوق إيران؟ هنا قال السوداني إن هذا التصريح (أي زيادة حجم التبادل) أطلقه الجانب الإيراني، وكل جهة مسؤولة عن كلامها، ونحن لم نتوقع أرقاما كهذه، وزيادة حجم التبادل لا يعني زيادة اعتماد بلدي على إنتاج جاري، بل على العكس نحن نبحث الآن عن الاستثمار في كل القطاعات، وقد نصبح بلدا مصدرا في أقرب وقت، وزيادة التبادل التجاري لا يعني أننا فقط نستورد وإيران تصدر، وقد يكون العكس أو بدرجات متفاوتة، لأن التبادل التجاري يعني نصدر ونستورد بالوقت ذاته، ونحن نسعى لزيادة صادراتنا لإيران وليس العكس.

وبشان تحول سوق العراق لمكب نفايات مصانع دول أخرى؟ قال السوداني إن هناك جهات رقابية فعلت على الحدود وبدأت سيطرتها على كل سلعة داخلة، حتى وصل الأمر إلى أن دولا كثيرة شكت من شدة رقابتنا على بضائعها، ومطالبتنا إياها بشهادة منشأ مختومة من سفاراتنا، وإخضاعها للتقيس والمواصفات العراقية، وإخضاع عقود مع شركات أجنبية للتقيس أيضا، نعم هناك دخول لبضائع رديئة سابقا، أما الآن فلا يوجد أمر كهذا، وهناك تعديلات على بعض القوانين، مثل المواد السلعية التي تدخل العراق ولم تستخدم لانتفاء الحاجة، نسعى لصدور تعليمات لنعيد تصديرها لدول أخرى، وعدم بقائها كسلع غير مستعملة أو نفايات، كما ذكر الخبير الاقتصادي.