البورصة العراقية تحقق نجاحات محدودة.. لكنها ملحوظة

بعد مرور 6 سنوات على إطلاقها

ترك المأزق السياسي والمخاوف الأمنية المستثمرين الأجانب خائفين من ضخ أموال في العراق (أ.ب)
TT

يختلف الوضع نوعا ما عما هو داخل وول ستريت.

يجلس على صفوف من الكراسي السوداء رجال كبار يتحدثون، وينظرون من حين لآخر إلى شاشات عرض تظهر آخر التحركات في السوق داخل البورصة العراقية. ومن حين لآخر، يقف شخص ويسير إلى مؤخرة الغرفة المظلمة. ولا يعلو صوت أحد بالصراخ خلال إعطائه أوامر.

ويأتي هذا الفتور النسبي متناقضا مع آمال مسؤولين عراقيين وأميركيين عندما أعيد افتتاح البورصة المدعومة من الولايات المتحدة في 2004. في ذلك الوقت، كانت التوقعات أنه بعد الإطاحة بصدام حسين قبل عام وإعادة دمج الدولة في المجتمع الدولي فإنه سيمكن تحقيق تقدم اقتصادي من جديد، وستكون البورصة وسيلة للتعرف على قدرات الدولة.

ولكن، ترك المأزق السياسي والمخاوف الأمنية المستثمرين الأجانب خائفين من ضخ أموال في العراق على الرغم من الحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات من أجل إعادة بناء كل شيء بدءا من البنية التحتية المترهلة وصولا إلى القطاع الخاص. ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة، وكذا الحال بالنسبة لمعدلات التضخم، على الرغم من أنها أقل من نسبة 60 في المائة الذي كان موجودا قبل أعوام قليلة.

ولا تزال سوق الأسهم، التي تعد محركا اقتصاديا هاما داخل معظم الاقتصاديات الكبرى، على قائمة آمال لم تتحقق حتى الآن في عراق ما بعد الحرب.

وقت إطلاقها، جرى تسجيل ما يزيد قليلا على عشر شركات على لوحة بيضاء داخل قاعة التداول الواقعة داخل أحد فنادق بغداد. وتوقع مسؤولون آنذاك أن يرتفع عدد الشركات المسجلة إلى 120 في غضون شهر.

وبعد مرور ست سنوات، بلغ عدد الشركات المسجلة 85 شركة فقط. وجاءت نجاحات البورصة محدودة. وتمكنت من الانتقال إلى مبنى خاص بها. وبدلا من عقد جلستي تداول أسبوعيا، أصبح يجري عقد الجلسات خلال خمسة أيام كاملة. الأهم من ذلك أن نظام تداول إلكتروني حل محل اللوحات البيضاء.

من ناحيته، قال طه عبد السلام، الرئيس التنفيذي لبورصة العراق: «كل ليلة، أتوجه بالشكر إلى الله قبل نومي لنجاحي، للمرة الأولى في تاريخ البورصة العراقية، في إقرار نظام التداول الإلكتروني».

حتى في خضم أسوأ موجات العنف التي ضربت العراق عامي 2006 و2007، عندما عجت البلاد بتفجير السيارات وأعمال الاغتيال والاختطاف، حرص المستثمرون على المشاركة في كل جلسة تداول. وعن ذلك، قال عبد السلام: «لم نجمد عملياتنا ولو ليوم واحد». إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت البورصة ستحقق آمال مؤسسيها.

خلال الأسابيع الأولى من عام 2004 التي شهدت نشاطا كبيرا بها، جرى نقل ملكية أسهم بقيمة 10 ملايين دولار في الجلسة الواحدة وارتفعت أسعار الأسهم بنسبة وصلت إلى 600%. الآن، مع تزايد أعداد الشركات المسجلة لأكثر من ثلاثة أضعاف، لا يتجاوز متوسط قيمة التداول اليومي مليون دولار تقريبا، حسبما أشار عبد السلام، مضيفا أن رسملة السوق بالنسبة للشركات المسجلة في البورصة تقف عند مستوى 3 مليارات دولار تقريبا. ويصف جان راندولف، مدير تحليل المخاطرة لدى مؤسسة «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، هذا المستوى بأنه «مقارب لمستوى سلسلة متاجر متوسطة الحجم» في الغرب.

وقال راندولف: «ما تزال السوق العراقية شبه ناشئة. ويعني نقص البيانات والسيولة.. أنها لن تضم اسميا إلى أي مؤشر محافظ بالأسواق الناشئة».

وتعد أسهم المصارف أكثر الأسهم التي تجري إضافتها بنشاط، حيث تشكل ما بين 40% إلى 75% من النشاط اليومي. في 12 أغسطس (آب)، على سبيل المثال، جرى نقل ملكية أسهم مصرفية بقيمة 564.2 مليون دينار تقريبا (505.109 دولار) من بين إجمالي قيمة تداول بلغت 921 مليون دينار (824.300 دولار). يذكر أنه يجري يوميا تنفيذ إجمالي 230 عملية بالسوق.

من ناحيته، أشار محمد جمالي، 60 عاما، مستثمر ومحلل، إلى صفوف من المقاعد حيث يحدق رجال متقدمون في العمر في شاشات عرض. وجرى تركيب الشاشات بسبب شكوى الكثيرين من أن الإخفاق في رؤية البيانات بصورة مناسبة جعل من العسير عليهم قراءة البيانات المعروضة على شاشات تلفزيونية كبيرة مسطحة تقع على جدار خلف قاعة التداول.

وقال جمالي: «يشارك نحو 10% منهم بنشاط في التداول - وهؤلاء يضطلعون بقرابة 90% من النشاط التجاري هنا. أما الباقون فيكتفون بالانتظار. أحيانا يرون فرصة ويغتنمونها، فهم حذرون للغاية».

بصورة عامة، يبلغ مؤشر بورصة العراق نحو 92 نقطة، بانخفاض بنسبة تقارب 7.9% على أساس عام. بصورة نسبية، ما يزال أداء هذه البورصة أفضل من أداء نظيرتها في دبي وأبوظبي، رغم كون الأخيرتين سوقين أكبر بكثير.

وأثرت نفس القضايا السياسية والأمنية، التي أعاقت التنمية في معظم أرجاء البلاد، على نمو سوق العراق للأوراق المالية.

ويمثل المستثمرون الأجانب نحو 4 في المائة من حجم التداول اليومي في السوق، حسبما ذكر عبد السلام. ويأمل المسؤولون ارتفاع هذا الرقم في الوقت الذي تدخل فيه صناديق الاستثمار الرئيسية السوق بمجرد إنشاء مصرف تجاري.

بيد أن هذه التغييرات تحتاج إلى قرارات سياسية، بطيئة في أفضل الأوقات، وأسوأ مع المأزق المتعلق بتشكيل حكومة جديدة منذ إجراء الانتخابات غير الحاسمة في السابع من شهر مارس (آذار) الماضي.

وقال علي جمال، المدير بشركة «الجوهرة» للسمسرة، إن المستثمرين يريدون رؤية «الوجه الاقتصادي للحكومة الجديدة، وسياساتها الاقتصادية». يؤثر التأخير في تشكيل حكومة جديدة مباشرة على التداول.

كما تتسبب قضايا البنية التحتية هي الأخرى في الأضرار. يصف عبد السلام انقطاع الكهرباء بأنه «المشكلة المميتة» في العراق، حيث إنها ترفع التكاليف بالنسبة إلى الشركات والأسر. والآن، يتطلع عبد السلام إلى ما يمكن القيام به. يريد أن تعمل جميع دور السمسرة الـ45 المرخصة من مكاتبها بصورة أكبر، وأن يجري المستثمرون نشاطهم عبر الهاتف أو خارج البورصة.

وقال: «هذا هو الشيء المتحضر (الذي ينبغي القيام به).. سيقلص ذلك المخاطر الأمنية وغيرها من المخاطر».