العراق: حجم عمالة أجنبية ضخم.. ونسب بطالة مفزعة

لم تقتصر الاستعانة بالعمال الأجانب على القطاع الخاص فقط

عراقيون يقومون بأعمال حفر («الشرق الأوسط»)
TT

يرى مسؤولون عراقيون أن اتساع رقعة العمالة الأجنبية في العراق بعد عام 2003 بشكل غير شرعي ومن دون الحصول على تراخيص رسمية يشكل ظاهرة خطيرة، وأنه لا بد من إصدار قوانين جديدة لضمان تنظيم هذه العمالة بشكل يتناسب وارتفاع نسب البطالة في البلاد.

لقد تواكب توافد العمالة الأجنبية إلى العراق مع ارتفاع معدلات البطالة في العراق إلى 12 في المائة، حسب الإحصاءات العراقية الرسمية، وغالبية تلك العمالة بين الفئة العمرية من15 إلى 19 عاما، بينما بلغ مستوى الفقر في العراق 23 في المائة.

وقال محمود الشيخ راضي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية في ندوة لمناقشة واقع العمالة الأجنبية في العراق: «إن وجود العمال الأجانب في العراق غير شرعي.. وقد احتل هذه الموضوع حيزا كبيرا من الأهمية، فالكل يعلم حجم البطالة، وأسبابها ونسبها المرتفعة في البلاد».

وأضاف: «نسمع شكاوى عن تدني مستوى العمالة الوطنية، وناحية الالتزام والضبط، والمطالبة بضرورة إدخال العمالة الأجنبية في بعض قطاعات العمل»..

وبما أن الوزارة هي الملزمة بالسعي للتصدي لمشكلة البطالة، فهي أيضا ملزمة بالسعي لتوفير أفضل الظروف لإنجاح المشاريع بمختلف ألوانها، خاصة ما يتعلق بالعمالة الأجنبية، فهي مسؤولة عن التصدي لهذا الموضوع.. ومحاولة إيجاد حلول علمية تأخذ بنظر الاعتبار كل النقاط التي تحترم العمالة الوطنية».

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، يشاهد العاملون الأجانب، وغالبيتهم من العمالة الآسيوية، في شوارع بغداد وفي مكاتب الشركات والأسواق الكبرى والمطاعم بشكل ملفت منذ الغزو الأميركي للعراق على الرغم من أن تلك العمالة كانت منتشرة في العراق أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، لكنها تلاشت بالتدريج، بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) واختفى بالكامل بعد فرض الحظر الاقتصادي على العراق، على خلفية غزو الكويت عام 1990.

وقال نوري الحلفي، وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية: «إن أفواج العمالة الأجنبية تتوافد إلى البلاد من خلال استقدام الكثير منهم للعمل في المنطقة الخضراء لصالح القوات الأجنبية، وعند انتهاء عقودهم تسربوا إلى قطاعات العمل المختلفة بصورة غير مشروعة، كما ظهر كثير من المكاتب والشركات الأهلية التي تستقدم العمالة الأجنبية دون سند قانوني».

وأضاف: «لم تقتصر الاستعانة بالعمالة الأجنبية على القطاع الخاص، بل شملت أيضا بعض المشاريع الحكومية، إما بصورة مباشرة أو عن طريق المقاولين. واللافت للنظر أن هذه العمالة تتركز في قطاع الخدمات والمهن التي لا تتطلب أي خبرة».

وأشار إلى أن الآراء انقسمت حول استقدام العمالة الأجنبية في العراق بين مؤيد ومعارض، ولعل أبرز مبررات المؤيدين؛ قلة أجور العمالة الأجنبية، وطول ساعات عملهم، وانضباطهم، وأداؤهم مختلف الأعمال.. أما مبررات المعارضين، فتتمثل في انتشار البطالة، حيث تزدحم المقاهي وأرصفتها بالشباب العاطلين عن العمل، الذين يمتلكون الخبرة والمؤهلات».

وحذر من أن مشكلة البطالة في العراق «وصلت إلى مستويات خطيرة، وعلى الرغم من الاختلاف في تحديد معدلاتها، فإن هذه المعدلات مهما قلت أو كثرت تشير إلى استشراء هذه الظاهرة التي تعد من التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد العراقي، لما لها من انعكاسات على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية».

واستطرد الحلفي قائلا: «لعل من الأسباب الأخرى لارتفاع معدلات البطالة زيادة أعداد العمالة التي تدخل سوق العمل سنويا، نتيجة ارتفاع معدلات نمو السكان، وارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، الذي أدى إلى انعدام القدرة على منافسة المنتج الأجنبي، مما ترتب عليه توقف كثير من الأنشطة الإنتاجية، وزيادة أعداد حاملي الشهادات الأكاديمية والوسطية بمعدلات لا تتناسب مع النمو الاقتصادي.. وعدم الترابط بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل».

وقال الدكتور رياض حسن، المدير العام لدائرة العمل والتدريب المهني: «إن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لم تمنح الرخصة لأي جهة بدخول أي عامل أجنبي إلى العراق، ما عدا بعض الإجازات المحدودة جدا لمربيات المنازل».

وأضاف: «العمال الأجانب الموجودون حاليا في العراق أتوا عن طريق شركات ومكاتب وهمية، ومن خلال العمال الذين كانوا يعملون في المنطقة الخضراء»، التي تضم مكاتب الحكومة العراقية، ومقار القوات الأميركية، وعددا من السفارات، ومقار الشركات الأجنبية الكبيرة.

«إن غالبية العمال الأجانب الذين يعملون في العراق اليوم هم من الآسيويين، وبالأخص من دولة بنغلاديش.. لا توجد أي إحصائية بعدد العمال الأجانب في العراق لكثرة دخولهم إلى البلد بشكل عشوائي، ومن قبل قوات الاحتلال وبعض الجماعات التي تدخل لأغراض سياحية، وتبقى تعمل من دون رقيب من أجهزة الدولة».

ولم تنظم الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 عملية استقدام العمالة الأجنبية بسن أنظمة وقوانين، حيث لا يزال هذا الموضوع خاضعا لقانون العمل العراقي القديم، الذي يمنع استقدام العمالة الأجنبية، إلا إذا كانت غير متوفرة بالعراق.

وأعدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قانون عمل جديدا، بعد الاستعانة بآراء خبراء دوليين، وآخرين من خبراء منظمة العمل العربية، والاستفادة من ملاحظاتهم، وتمت المصادقة عليه من قبل مجلس شورى الدولة ليعرض على مجلس الوزراء ومن ثم عرضه على البرلمان العراقي لمناقشته والتصويت عليه من أجل تنظيم دخول العمالة الأجنبية إلى العراق.

وتؤكد تقارير لوزارة النفط العراقية، أن عقود تطوير الحقول النفطية التي أبرمتها مع الشركات الأجنبية ستوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل للعراقيين خلال سنوات قليلة، وربما يحتاج العراق إلى استقطاب عمالة أجنبية لسد النقص المتوقع في الأيدي العاملة.

ووصف كاظم شمخي المدير العام للمركز الوطني للبحوث والدراسات في الوزارة، سوق العمل العراقية من الناحية الفنية بأنها «سوق خاملة وغير منظمة وتفتقد إلى الإطار المؤسسي، الذي أدى إلى (نسب) البطالة الكبيرة في البلد».

وأضاف: «يؤثر على سوق العمل العراقية موضوع فقر التشغيل وعمالة الأطفال، ويعتمد على قطاع الخدمات غير المستقر».

وتسعى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى وضع معالجات قانونية لقضية العمالة الأجنبية الوافدة، وإخضاعها لشروط ومواصفات تنظم بالتعاون بين وزارة العمل ومكاتب التشغيل.