شركات التطوير العقاري الهندية تبحث عن مشاريع عقارية موفرة للطاقة

الاتجاه نحو الخيارات الصديقة للبيئة في تزايد مستمر

TT

ذكرت لجنة التخطيط في الهند أن البلاد ستحتاج إلى توليد ما لا يقل عن 700 ألف ميغاواط إضافية من الكهرباء بحلول عام 2030 من أجل الوفاء بالمطالب المتنامية للكهرباء، وهو ما يضطر الهند إلى البحث عن مصادر للطاقة البديلة من أجل توليد جزء ضخم من هذه الطاقة.

وتجعل هذه الحاجة المتنامية للطاقة شركات التطوير العقاري الهندية تبحث عن مشاريع عقارية لا تعد فقط موفرة للطاقة، بل أيضا صديقة للبيئة.

تخيل أنك تعمل في مكتب يستخدم ضوء الشمس بدلا من الأضواء الاصطناعية، ويستخدم نظام تكييف مركزي للهواء، بدلا من أجهزة التكييف المنفصلة أو المثبتة في الجدران. وفي ثورة متزايدة تلجأ الشركات إلى الخيارات الصديقة للبيئة.

ومن مشاريع «الإسكان الفاخر» في المراكز المزدحمة في المدن إلى «منازل الغولف» على ضواحي المدن، ومن المجمعات التجارية التي تحتوي على وسائل راحة غير كافية إلى الأسواق التجارية التي تحتوي على حدائق جميلة، هناك مجموعة كبيرة من الفرص الاستثمارية للاختيار من بينها.

وفي حين أن شركة «أنسال للتطوير العقاري والبنية التحتية» أطلقت في الآونة الأخيرة مشروعا أخضر راقيا في جورجاون، تمتلك شركة «ثري سي يونيفريسال» للتطوير العقاري خططا لتطوير 20 مليون قدم مربع من المساحات الخضراء في المناطق السكنية والتجارية. واستثمرت شركة أخرى للتطوير العقاري وهي شركة «الأرض للبنية التحتية»، والتي تقع في دلهي 6.5 مليار روبية هندية في اثنين من المشاريع الخضراء في نويدا الكبرى.

وقال فيكاس غوبتا، مدير شركة «الأرض للبنية التحتية»: «لدينا مستثمرون من أوروبا والهند يعتمدون على مشروعينا السكني والتجاري. ولا تعد الأسعار في مشروعنا الإسكاني مبالغا فيها، وبالاعتماد على الخطة التي يتم اختيارها، تتراوح الأسعار من 1900 روبية إلى 2100 روبية للقدم المربع. نرى أن المستثمرين في القطاع العقاري يقودون السوق في المستقبل، ونرى أن هناك زيادة في المشاريع السكنية مقارنة بالمشاريع التجارية». وتعد «شركة الأرض للبنية التحتية» أحد الأعضاء المؤسسين لمجلس البناء الأخضر في الهند.

وكان أول مبنى أخضر (أو صديق للبيئة) في الهند وهو مبنى مركز سوهاربجي غودريج التجاري الأخضر في حيدر آباد. ويدعي مبنى «كولكاتا تكنوبوليس» أنه أول مبنى أخضر في البلاد لتكنولوجيا المعلومات. وبالمثل، يتخذ البعض خطوات صديقة للبيئة من أجل تسخير القدرات الهائلة للطاقة الشمسية. وكان آخر مثال لهذا التفكير المستقبلي هو مشروع «رابي راشمي أباسان»، الذي قدم مشروعا إسكانيا كاملا يعمل على الطاقة الشمسية في مدينة كولكاتا شرقي الهند. وتم بناء هذا المجمع السكني على مساحة بلغت 176 فدانا.

وستحتوي المنازل على تصميمات كامنة للاستفادة من الطاقة الشمسية وسمات نشطة للطاقة الشمسية. وستجعل السمات الشمسية الكامنة المنازل باردة أثناء فصل الصيف، وتضمن إضاءة طبيعية ودورة أفضل للهواء داخل المنزل. وتشمل عناصر الطاقة الشمسية النشطة نظاما لتسخين المياه بالطاقة الشمسية. كما أن هذا المجمع السكني سيحتوي على سمات مستدامة أخرى مثل نظام لإدارة المخلفات، وسيارات تعمل بالبطاريات للسكان، وإضاءة في الشوارع تعمل بالطاقة الشمسية وحمام سباحة يعمل بنظام تدفئة يعتمد على الطاقة الشمسية.

ومن بين مشاريع المنازل الخضراء، التي لا تزال في مرحلة الإنشاء في المدن المختلفة، تجد أحدث مشروع في حيدر آباد تشيده مجموعة «ساتيا فاني»، والتي بدأت تشييد أحد أكبر المدن للمنازل الخضراء في الهند.

ويجري إنشاء هذا المشروع على طريق وارانغال السريع في أندرا براديش. وسيجري إنشاء المدينة بالكامل وفقا للمبادئ التوجيهية الصديقة للبيئة، مثل وضع قواعد لاستخدام الطاقة الشمسية واستخدام المواد الخام التي ينبعث منها أقل قدر من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء. وسيكون هناك الكثير من المساحات الخضراء، إضافة إلى أن الحدائق على أسطح المنازل ستزين المجمع بأكمله.

وهناك مشروع سكني أخضر آخر جدير بالذكر، وهو «زيد هومز»، وهو مجمع سكني على مساحة ستة أفدنة على طريق فاراثور في بانغالور. وتقوم بتشييد هذا المشروع شركة «بيودايفيرسيتي كونزيرفيشن إنديا ليميتد»، والتي تعد حاليا أكبر شركة لتشييد المباني الخضراء في آسيا. ويعد المجمع السكني «سي لاين» مبنى مكونا من سبعة طوابق في باندرا، مومباي، حيث يتمسك السكان المحليون بصورة صارمة باستخدام الطاقة الشمسية في تدفئة المياه أثناء فصل الشتاء. والقصد الرئيسي للسكان هنا هو استبعاد أزمة الطاقة.

وتعد شركة «راهيجا ديفيلوبرز» من بين أكبر شركات التطور العقاري في البلاد التي تستخدم تكنولوجيات صديقة للبيئة في بعض مشاريعها، مثل تخزين مياه الأمطار وإعادة استخدامها، وتوليد الطاقة من الشمس، واستخدام مواد بناء غير سامة واستخدام معدات إنارة تحتوي على مصابيح الفلوريسنت المدمجة الموفرة للطاقة.

واستخدمت شركة إنشاء أخرى تسمى «دي إل إف» نظاما لتوليد الكهرباء يعمل بالغاز كجزء متكامل من مشاريعها. كما يجري استخدام الحرارة المهدرة في أجهزة تكييف الهواء، لذا يجري توفير نحو 25 في المائة من استخدام الطاقة.

وتعتزم الشركة تحويل نظام الإضاءة في الشوارع إلى استخدام مصابيح الفلوريسنت المدمجة في واحدة على الأقل من المدن التي تقوم بتشييدها وتتوقع أن توفر ما بين 15 إلى 20 واط في كل مصباح من مصابيح الشوارع. وتشمل الاستثمارات الخضراء الأخرى مصانع لمعالجة مياه الصرف، وإدارة المخلفات الصلبة، وتخزين مياه الأمطار واستخدام مصابيح في الشوارع تعمل بالطاقة الشمسية.

كما تفضل الكثير من الشركات الآن إعادة تصميم مشاريعها الحالية للوفاء بالمعايير الصديقة للبيئة، إلى جانب الاستثمار في مشاريع تجارية جديدة.

وقال ميلي ماجومدار، مدير معهد الطاقة والموارد: «إن التصميمات الصديقة للبيئة في القطاع السكني محدودة، لأن شركات التطوير العقاري لا تمتلك القدرة على تكييف جميع المنازل لتعظيم كفاءة الطاقة، بالمقارنة بالمشاريع التجارية».

وقال فارون باهوا، مساعد نائب رئيس شركة «ديسيكانت روتورز إنترناشونال»، التي تورد مواد البناء الخضراء: «تشعر الشركات بأنها تحقق المسؤولية الاجتماعية عن طريق جعل مبانيها صديقة للبيئة».

وتشكل الإنشاءات الخضراء نحو ثلث المشاريع الجديدة، ورأى مجلس البناء الأخضر الهندي أن هذا الاتجاه بدأ من عام 2001. يوجد الآن نحو 315 مبنى أخضر في الهند، بما في ذلك 250 مبنى تجاريا. وبلغت الاستثمارات في المباني الخضراء نحو 800 مليون دولار.

وفي حين أن الهند في طريقها لأن تصبح سوقا حقيقيا للمباني الخضراء، لا يزال هناك نقص في مواد البناء المطلوبة لمثل هذه البنايات.

ووفقا لتقرير من سوهاربجي غودريج التجاري الأخضر، فإن المواد المتاحة تشمل إسمنت الرماد المتطاير والألمنيوم المعاد تدويره والصلب والبلاط والمنتجات القائمة على الخيزران، لكن هناك الكثير من المواد الأخرى غير متاحة.

ويشمل ذلك منتجات مثل المراحيض، والمبولة التي لا تعمل بالمياه، ومانعات التسرب والسجاد المعتمد والأخشاب المعتمدة وغيرها من المنتجات. وبحسب تقديرات مركز غودريج التجاري الأخضر، سيبلغ حجم سوق مواد البناء الخضراء في الهند نحو 4 مليارات من الدولارات بحلول عام 2012.

وفي الوقت الذي تعد فيه حركة الإنشاء الأخضر في الهند في مرحلة البداية، لذا فإن المعرفة الفنية لا تزال ضئيلة، مما يمهد الطريق لشركات التصميم الدولية للعمل في السوق الهندية.

وعلى سبيل المثال، تم تصميم مركز باير ماتيريال ساينس للابتكار بالقرب من نيودلهي على أيدي فريق من المعماريين في بانز آند ريكس وغيرها. وكان هذا المبنى مخططا للتكيف على المناخ، على عكس النهج التقليدي لتكييف المناخ على المبنى. والنتيجة هي مبنى يستخدم 70 في المائة من الطاقة أقل من المباني التقليدية في المنطقة.

وبالمثل، دخلت شركة «إتش أو كي»، وهي واحدة من أكبر الشركات المعمارية في العالم، في شراكة مع شركة «بيوميميكري غيلد» لدمج أفكار حديثة في تصميمات الشركة للمباني والمدن. وتستخدم شركة «إتش أو كي» هذه الشراكة في أحد أهم مشاريعها. ويشمل هذا المشروع سلسلة من القرى في لافاسا، وهي منتجع جبلي بالقرب من بيون، على مساحة 21 مليون قدم مربع. وسيركز المشروع على إدارة مستويات المياه والحفاظ عليها، في حين سيحجم التعرية وفقدان سطح التربة. وتهدف هذه الفكرة إلى مواكبة الأداء البيئي في الموقع قبل بدء أعمال الإنشاء.

وسيتم تجهيز مبنى البرلمان الهندي قريبا بأنظمة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وأجهزة تدفئة تعمل بالطاقة الشمسية في محاولة لتعزيز تكنولوجيات الطاقة المتجددة.

وهناك مبادرات تقوم بها الدولة والحكومة المركزية لتشجيع بناء منازل خضراء في الهند، وتشمل هذه المبادرات تقديم 55 في المائة دعما على معدات الطاقة الشمسية للمنازل والمكاتب.

وفرضت ولاية ماهاراشترا غربي الهندي على مباني مثل المستشفيات ودور الضيافة والفنادق وأمثالها أن تحتوي على أجهزة تدفئة تعمل بالطاقة الشمسية. وتعرض نيودلهي، التي تعاني من قطع التيار الكهربي، رد مبالغ تصل إلى 6000 روبية هندية إلى كل منزل يستخدم أجهزة تدفئة تعمل بالطاقة الشمسية. ويقدم مجلس الكهرباء بولاية أوتاراتشال بدلا قيمته 50 روبية كل شهر كتخفيض في أسعار الكهرباء للأفراد الذين يستخدمون أجهزة تدفئة تعمل بالطاقة الشمسية. وهناك طرق أخرى تستفيد منها مثل هذه المباني، مثل بيع محتويات الكربون.

كما أن هناك فوائد أخرى يمكن الحصول عليها. فعلى سبيل المثال، تجد شركات التطوير العقاري أيضا أنه من المفيد إنشاء مبان خضراء حيث إنها تستطيع طلب أسعار أعلى في مثل هذه المباني. وقال آجيت سينغ، مسؤول تنفيذي بشركة «أنسال للتطوير العقاري»: «تعد تكلفة المباني الخضراء أعلى بنسبة 4 إلى 10 في المائة مقارنة بالمباني العادية».

وبحسب تقديرات مجلس البناء الأخضر الهندي، سيصل الطلب على مواد البناء المطلوبة في المباني الخضراء 4 مليارات دولار كل عام بعد عام 2010. وتعد بعض المنتجات الصديقة للبيئة مثل إسمنت الرماد المتطاير والألمنيوم المعاد تدويره والصلب والبلاط متوافرة في الهند، لكن فيما يتعلق بالسلع المتخصصة، فإن الاستيراد هو الحل.

ومن المتوقع أنه في الوقت الذي تدرك في الهند التوفيرات طويلة المدى للتكلفة، سيتم جذب مزيد من اللاعبين لتطوير المباني الخضراء. ومع ذلك، وعلى الجانب السلبي، جعلت الحوافز التي تقدمها الحكومة والطلب القوي على المباني الخضراء بعض شركات التطوير العقاري تستخدم هذا المفهوم باعتباره أداة تسويقية أكثر من وسيلة حقيقية لتطوير بنية صديقة للبيئة.