تحركات أوروبية لمنع تكرار أزمة اليونان

فرنسا تسعى إلى تفعيل الحوكمة الاقتصادية لمنطقة اليورو

TT

تركزت مناقشات مجموعة العمل الاقتصادي والنقدي أمس حول تحركاتها لتجنب تكرار تسجيل أزمة جديدة في أوروبا شبيهة بأزمة ديون اليونان، بالإضافة إلى إشكالية تعزيز ما يعرف بعقد الاستقرار النقدي الأوروبي، وهي المسألة المثيرة للجدل على الصعيد الأوروبي حاليا.

وتسعى فرنسا من جهة أخرى إلى تفعيل الحكومة الاقتصادية لمنطقة اليورو وهو اقتراح يواجه بمعارضة عدد من الدول المتشبثة بمعايير صارمة للاندماج النقدي الأوروبي مثل ألمانيا ودول الشمال الأوروبي.

وكانت مجموعة العمل الاقتصادي والنقدي الأوروبية قد عقدت اجتماعا أمس الاثنين في بروكسل، برئاسة هرمان فان رومابي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، للتحضير للقمة الأوروبية المقررة في السادس عشر من الشهر الجاري، والتي ستحمل طابعا اقتصاديا. وجاء اجتماع مجموعة العمل الاقتصادي والنقدي في اليوم الأول من اجتماعات مجلس وزراء المال والاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي، والتي تستغرق يومين، ومن المقرر أن يجتمع اليوم وزراء مجموعة اليورو التي تضم الدول الـ16 الأعضاء، التي تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة وبحضور رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه. وقالت مصادر المفوضية الأوروبية ببروكسل لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماع مجموعة اليورو سيركز على ملف اليونان ومدى التقدم الذي أحرزته أثينا على طريق تنفيذ الإجراءات المطلوبة لتحقيق برنامج للإصلاح الاقتصادي، ونتائج عمليات التفتيش التي قامت بها مجموعة مشتركة من الخبراء التابعين للمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، ومدى إمكانية تقديم مساعدات مالية جديدة للحكومة اليونانية، وتتمثل في الدفعة الثانية من الدعم المالي.

ولا يتوقع المراقبون تسجيل أي ثغرات تذكر على صعيد الإدارة الاقتصادية والنقدية الأوروبية قبل قمة الاتحاد الاقتصادية المقررة نهاية أكتوبر (تشرين الأول) بسبب التباين في النمو الاقتصادي حاليا داخل منطقة اليورو بين ألمانيا وشريكاتها من جهة والمخاوف المحدقة باقتصاديات بعض الدول الأخرى وخاصة في ملف الديون السيادية من جهة أخرى.

وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل أمس إن الاجتماعات يشارك فيها مفوض الشؤون النقدية والاقتصادية أولي ريهن ومفوض السوق الداخلية والخدمات ميشال بارنييه والجيرداس سيميتا مفوض الضرائب والاتحاد الجمركي. وحسب البيان الأوروبي يستعرض الوزراء التقدم الذي أحرزته مجموعة العشرين من أجل المضي قدما على طريق إصلاح صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق حول هذا الصدد في موعد أقصاه قمة زعماء المجموعة التي ستعقد في سيول بكوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وتوقع البيان الأوروبي أن تؤكد مناقشات المجلس على الالتزام بالعمل وبشكل بناء مع أعضاء صندوق النقد الدولي لإيجاد حل يضع في الاعتبار الاقتصادات الناشئة.

وتوقع البيان أن يتوصل الوزراء إلى اتفاق حول مدونة قواعد السلوك التي تتضمن المواصفات المطلوبة لتنفيذ وثيقة الاستقرار والنمو التي من شأنها أن تساهم في تنسيق السياسات الاقتصادية الأوروبية وعلى أن تدخل التنفيذ بشكل كامل في 2011، وقال البيان إن ذلك سيساهم جنبا إلى جنب في الإصلاحات الجارية حاليا في تنسيق أقوى لسياسة المراقبة المالية في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.

وكان المجلس الأوروبي قد اعتمد في يونيو (حزيران) الماضي موافقة على إدخال رسوم على المؤسسات المالية وتعتزم المفوضية الأوروبية إعداد اقتراح تشريعي لإدارة الأزمات المالية سيطرح في ربيع العام المقبل على أن تعلن عن مزيد من التفاصيل حول هذا الصدد عقب اتصالات مقررة في هذا الملف خلال شهر أكتوبر المقبل.

وقالت مصادر المجلس الوزاري الأوروبي ببروكسل لـ«الشرق الأوسط» إن سبل الترجمة العملية للاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين المؤسسات الاتحادية ببروكسل، بشأن هيئات الرقابة المالية، وهو الاتفاق المقرر أن يعتمده البرلمان الأوروبي نهائيا يوم 20 سبتمبر (أيلول) الجاري، سيكون موضوعا أساسيا في أجندة وزراء المال والاقتصاد الأوروبيين، خلال اجتماعهم اليوم الثلاثاء.

وتوصلت السلطات في الاتحاد الأوروبي وبعد عام من المفاوضات الشاقة إلى اتفاق على إنشاء 4 هيئات للرقابة للمالية على المستوى الاتحادي الأوروبي. وستبدأ هذه الهيئات عملها رسميا بداية يناير (كانون الثاني) المقبل وستركز على احتواء المخاطر الاقتصادية الكبرى ومراقبة الأعمال المصرفية وقطاع التأمين والأسواق المالية. وسيعهد لهذه الهيئات وفق اتفاق تم صياغته في بروكسل بين المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي والبرلمان الاتحادي بسلطات مباشرة للإشراف، مع إمكانية تمديد مهامها ونفوذها مستقبلا.

وقال مفوض السوق الداخلية بالاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه في بيان صدر ببروكسل لقد وصلنا إلى مرحلة حرجة، عثرنا على توافق سياسي بشأن إنشاء آلية الإشراف المالي الأوروبي، وأضاف أن هياكل الرقابة الجديدة تمثل خطوة أساسية في جهودنا لاستخلاص النتائج المترتبة على الأزمة لتحسين حماية اقتصادنا ومواطنينا في المستقبل. وتتمثل النقاط الرئيسية في الاتفاق المسجل في بروكسل بين المفوضية والبرلمان والمجلس في إنشاء 4 سلطات جديدة وهي اللجنة الأوروبية للمخاطر النظامية التي ستركز على المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد عموما، وتتمثل السلطات الـ3 الأخرى في هيئات للإشراف على الأعمال المصرفية والتأمين والأسواق. وستتخذ اللجنة الأوروبية للمخاطر النظامية من فرانكفورت مقرا لها في حين أن الهيئات الـ3 الأخرى ستتوزع بين لندن وفرانكفورت وباريس.

وستتمتع السلطات الجديدة بنفوذ لمراقبة الهيئات القائمة على المستوى الأوروبي مثل وكالات التصنيف، مع تمديد مهامها على قطاعات أخرى، وستعهد رئاسة اللجنة الأوروبية للمخاطر النظامية في فترة أولى إلى رئيس المصرف المركزي الأوروبي ولمدة 5 سنوات فقط.

ويمكن لرئيس هذه اللجنة وبالاتفاق مع الدول الأعضاء إعلان حالة الطوارئ عند الضرورة والمطالبة بمنحه سلطات إضافية لإدارة أي أزمة عارضة.

ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين في بروكسل، تعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط كبيرة لإرساء هيئات محددة للرقابة والإشراف المالي بعد أن خطت الولايات المتحدة خطوات عملية في هذا الاتجاه.

وجاء التوصل لاتفاق بعد أن عرف البرلمان الأوروبي النصف الأول من شهر يوليو (تموز) الماضي تعطيل إقرار إجراءات تتعلق بالرقابة المالية في دول الاتحاد الأوروبي، وفشلت اجتماعات بين ممثلي المفوضية الأوروبية، والمجلس الوزاري الأوروبي، والبرلمان في التوصل إلى اتفاق يمهد الطريق أمام إقرار أعضاء البرلمان لمجموعة من المقترحات تقدمت بها المفوضية في ملف الرقابة المالية. وقال مصدر برلماني أوروبي إنه وبدلا من التصويت على الحزمة التشريعية العامة بشأن هذا الإطار الجديد للتحكم في المعاملات المالية، قرر النواب الأوروبيون الاقتصار على مجرد اعتماد بيان سياسي يحدد موقفهم تجاه مختلف الهيئات الجديدة التي يخطط الاتحاد الأوروبي لإرسائها لمراقبة النشاط المصرفي الأوروبي وقطاعي التأمين والأوراق المالية. وبين المصدر نفسه: واصل بعدها المفاوضون مناقشات صعبة مع الدول الأعضاء ممثلة في الرئاسة البلجيكية للاتحاد الأوروبي، حتى جرى التوصل للاتفاق. ويتعلق الأمر بمشروع أوروبي للرد على تداعيات الأزمة الاقتصادية وأزمة الديون السيادية المستفحلة، وينص على إرساء هيئات رقابة تقوم بمراقبة أنشطة المصارف، وأنشطة مؤسسات التأمين، وأنشطة الأسواق المالية، إلى جانب التعامل مع صناديق التحوط والصناديق السيادية.