إسبانيا تتصدر معدلات البطالة في منطقة اليورو بأكثر من 10%

سجلت أعلى معدلاتها خلال 12 عاما

وزيرة المالية الإسبانية إلينا سالغادو تتحدث للصحافيين بعد اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (أ.ب)
TT

تشير إحصاءات البطالة إلى مواجهة أوروبا مشكلة كبيرة أخرى، إلى جانب مسألة الدين العام. فحتى الآن تركز حكومات دول أوروبا انتباهها وقراراتها السياسية على التقشف من أجل احتواء العجز. بيد أن الإحصاءات الأخيرة يجب أن تجبرهم على مراجعة سياساتهم المالية الأخيرة، نظرا لبلوغ معدلات البطالة في شهر يوليو (تموز) 10 في المائة، وهو أعلى معدل لها خلال 12 عاما، بحسب بيانات «يوروستيت»، في حين تنخفض معدلات البطالة في الولايات المتحدة دون 10 في المائة وفي اليابان عن 5 في المائة. وهو ما يعني 16 مليون عاطل عن العمل في أوروبا، أي أكثر من سكان دولة مثل آيرلندا.

وتتصدر إسبانيا الموقف الحالي كأكثر دول منطقة اليورو في معدلات البطالة بـ20.3 في المائة، أعلى من لاتفيا (20.1 في المائة) وإستونيا (18.6 في المائة)، ويواصل الرقم ارتفاعه. وبموجب هذه الإحصاءات فإن واحدا من بين أربعة عاطلين أوروبيين عن العمل من إسبانيا.

ويصر أماندو ألفا تاي، المتحدث باسم الشؤون الاقتصادية والمالية، في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية «إي إف إي»، على أن الأرقام الأوروبية لا تزال تثير القلق، فقد تبين أنه على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، فإن هذا لم يترجم بعد في توافر فرص عمل. وفي حالة إسبانيا تؤكد الأرقام مدى التحدي الذي تواجهه والحاجة إلى إصلاحات هيكلية مهمة.

وإذا كانت ألمانيا وفرنسا، حتى هذه اللحظة، هما اللتان ستأخذان بيد بقية الدول الأوروبية ماليا، ففي قضية البطالة تتمتع النمسا وهولندا بأدنى معدلات بطالة بنسبة تبلغ 3.8 في المائة و4.4 في المائة على التوالي في معدلات البطالة. والواقع أن النمسا ومالطا وألمانيا انخفضت فيها معدلات البطالة هذا العام عبر خلق الوظائف.

هذه البيئة تظهر أن أوروبا تسير نحو انتعاش اقتصادي بسرعتين مختلفتين. ففي القمة هناك هولندا وألمانيا، حيث تظهران تقدما إيجابيا. وفي القاع هناك إسبانيا ولاتفيا وسلوفيكيا وآيرلندا واليونان تواجه مشكلات جمة في البطالة والدين العام غير المستقر.

ويؤكد رويترز كارستيرن برزيسكي، الاقتصادي في شركة «آي إن جي» أن «هناك بعض الدول التي لم تتحسن فيها معدلات البطالة، فيما ترد أخبار سارة من قلب أوروبا عن سوق العمل تتوافق والخروج من الأزمة».

الأرقام الأكثر إثارة للقلق هي معدلات البطالة في الشباب دون الخامسة والعشرين التي تصل إلى 19.6 في المائة في منطقة اليورو. وزادت نسبة البطالة بين الذكور بثلاثة في المائة لتصل إلى 9.8 في المائة، فيما انخفضت النسبة لدى النساء لتصل إلى 10.3 في المائة. وهو ما يعني خطرا بالغا لهذه الفئة، لأن أرقام الشباب العاطلين عن العمل تظهر المشكلات التي تواجه جيلا ينبغي أن يتحمل مسؤولية هذه الدول خلال العقد المقبل.

وكانت أدنى معدلات للبطالة بين الشباب في هولندا، حيث بلغت 8.1 في المائة، وكانت أعلاها في إسبانيا بنسبة بلغت 41.5 في المائة وفي لاتفيا وصلت إلى 39.5 في المائة وبلغت في إستونيا 37.2 في المائة. من ناحية أخرى أصدرت «يوروستيت» تواريخ التضخم في المنطقة، وبموجب توقعات المصرف المركزي الأوروبي، انخفضت الأسعار في أغسطس (آب) نقطة واحدة وهو ما جعل المصرف يحجم عن اتخاذ قرار برفع معدلات الفائدة حتى الآن، بحسب محللين في عام 2011.

وقال إريك نلسن، الاقتصادي في «يوروب دي غولدمان ساكس»: «هناك الكثير من الأفراد الذين يعتقدون أن التقشف يمكن أن ينتهي مع التعافي الاقتصادي. هذا أمر ممكن، بل محتمل إلى حد ما، فالتباطؤ في أوروبا سيكون معتدلا فقط». ولعل أفضل الأمثلة على ذلك ألمانيا، تلك الدولة التي شهدت نموا بواقع 2.2 في المائة في النصف الثاني من العام الحالي، تتقدم دولا مثل إسبانيا التي شهدت معدل نمو بلغ 0.2 في المائة. وخلال العام الماضي شهد معدل البطالة في ألمانيا انخفاضا تدريجيا، في الوقت الذي كانت سياساتها المالية تؤتي ثمارها خطوة بخطوة. بيد أن موقف دول مثل إسبانيا أو لاتفيا تجعل من الصعب جدا على المصرف المركزي الأوروبي اتخاذ قرارات. فزيادة معدلات الفائدة ستكون لعنة على الاقتصادات المتردية والحفاظ على أسعار النقد سيثير مشكلات للدول التي تتعافى من الركود بصورة أسرع.

ويرى الخبراء أن التركيز سينصب على إصلاح سوق العمل. وفي هذا الإطار رد عضو حزب الاستقلال البريطاني وعضو البرلمان الأوروبي جودفري بلوم بالقول: «أوروبا لم تتعاف بعد من ركودها، والمبالغة في زيادة فرض التشريعات على الأعمال يمكن أن تزيد فقط من صعوبة الأوضاع». الحل هو أن الاتحاد الأوروبي لا يملك أداة مشتركة لتنظيم سوق العمل في اتجاه واحد لأنها مسؤولية أعضائه من الحكومات. غير أن القرارات الجديدة التي اتخذتها الدول الأوروبية نجم عنها ردود مشتركة للنقابات العمالية التي تستعد ليوم العمل الأوروبي في التاسع والعشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي.

سيكون يوم العمل مظاهرة أوروبية في بروكسل والنقابات العمالية في الدول الأوروبية المختلفة، وفي إسبانيا أيضا، حيث وافقت أهم نقابتين عماليتين على تنظيم إضراب عام.

وقالت النقابة العمالية على موقعها: «إن النقابات العمالية الأوروبية ستنظم مظاهرات ضد إجراءات التقشف التي تبنتها الكثير من الدول الأوروبية مؤخرا والمطالبة بخطط انتعاش تسعى إلى تحسين الوظائف والنمو».

بالنسبة للحكومات الضعيفة (مثل إسبانيا) يأتي مثل ذلك التجميع كدليل حاسم لمعرفة قوة النقابات العمالية الإسبانية أو ضعف القرارات التي اتخذت خلال العام.

* صحافية في جريدة «ألموندو» الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»