المصرفية الإسلامية تغزو عاصمة الضباب والمشككون يعتبرونها «صرافة علمانية بغطاء إسلامي»

الجامعات البريطانية تدرسها بعد انتشارها في البنوك

TT

سيبدأ في الشهر المقبل عدد من الجامعات البريطانية منح درجات علمية، كدرجة الماجستير، في الصرافة الإسلامية. وما أغرى الجامعات البريطانية للقيام بهذه الخطوة هو الطلب المتزايد من الطلاب على هذه الدراسة، وذلك تماشيا مع التوسع في الصرافة الإسلامية بالبنوك البريطانية الكبرى، التي أصبح غالبيتها يتضمن قسما للصرافة الإسلامية.. وعلى الرغم من أن هذه الكورسات والشهادات العلمية أصبحت متوفرة منذ العام الماضي في بعض الدول الأوروبية فإن بريطانيا تعتبر صاحبة النصيب الأكبر من هذه الدراسات، الأمر الذي يعكس وضع لندن نفسها كأكبر مركز مالي للصرافة الإسلامية في الغرب. ولوضع الأمور في نصابها الحقيقي لا بد من القول إنه على الرغم من أن قطاع الصرافة الإسلامية ينمو (وفق تقدير لصحيفة «غارديان» البريطانية) بمعدل يتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا؛ فإن جملة الأموال الخاضعة للصرافة الإسلامية لا تزال تمثل 1 في المائة فقط من حجم الأموال المتداولة في الأسواق المالية الدولية.

وحسب الصحيفة، فإن جملة المبالغ التي تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية في العالم تبلغ حاليا نحو تريليون دولار.

وعلى سبيل المثال، فإن جامعة نيوكاسل البريطانية ستقدم، بدءا من هذا العام، درجة الماجستير في «التمويل والقانون والصرافة الإسلامية». كما تقدم جامعة ريدينغ درجة الماجستير في «الاستثمار المصرفي والصرافة الإسلامية» منذ العام الماضي، وهي شهادة تستغرق عامين، يقضي الطلاب السنة الثانية منهما في العاصمة الماليزية كوالالمبور. وهناك أيضا جامعة بنغور في مقاطعة ويلز، وجامعة دارم وسط إنجلترا، اللتان أصبحتا تقدمان دراسات ودرجات علمية مشابهة في الصرافة الإسلامية لتلبية الطلب المتزايد على دراسة هذه المادة. ويأتي غالبية الطلاب من الدول الإسلامية، خاصة الآسيوية منها، بالإضافة إلى بعض البريطانيين.

ومن جانبها عزت صحيفة «فاينانشيال تايمز» المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، نمو الصرافة الإسلامية بهذا الشكل خلال السنوات السبع الماضية إلى سببين رئيسيين: الأول، أحداث 11 سبتمبر (أيلول) التي دفعت كثيرا من المسلمين نحو التمسك بهويتهم، فضلا عن نقل أموالهم بعيدا عن المصارف الغربية. والثاني، الارتفاع الكبير في أسعار النفط، مما خلق ثروة فائضة كبيرة في الشرق الأوسط. ويلاحظ أن السبب الثاني نفسه يرتبط بظروف سياسية لا تبتعد كثيرا عن أحداث سبتمبر و«الحرب على الإرهاب».

وبالطبع ليس إقبال الطلاب على هذه الدراسة مجرد حب فيها، فربما يكون هذا أحد الأسباب، ولكن الصرافة الإسلامية أصبحت توفر عملا للمتخصصين فيها في البنوك البريطانية. ومنذ خمسة أعوام تقريبا راحت غالبية المصارف البريطانية الكبرى تفتح فروعا لها متخصصة في الصرافة الإسلامية، لتلبية حاجة الجالية المسلمة في بريطانيا، بل لتلبية الطلب الخارجي من الدول الإسلامية على نوع من الصرافة يراعي المقاييس العالمية، وفي الوقت ذاته يراعي تعاليم الشريعة الإسلامية في تحريم الربا. وكانت لندن قد استضافت في منتصف عام 2007 (أي مع بدء أزمة الائتمان العالمية) مؤتمرا دوليا كبيرا هو الأول من نوعه في العالم الغربي حول الصرافة الإسلامية، وبالتحديد فكرة الصكوك، كنوع من السندات الإسلامية التي لا تعتمد على «الفائدة». ولا شك أن لندن أصبحت تعتبر العاصمة الغربية الأولى للصرافة الإسلامية، بل يعتقد البعض أنها أصبحت في السنوات الأخيرة تنافس بعض الدول الإسلامية، مثل البحرين ودبي وماليزيا. وتسعى لندن بحماس لأن تحافظ على مكانتها هذه وتثبتها بحيث تصبح بلا منازع. وربما أقوى دليل على ذلك قرار الحكومة البريطانية بأن تمنح إعفاءات ضريبية على الصكوك، وهو ما اعتبره الخبراء الماليون في لندن أهم إجراء تتخذه السلطات البريطانية لتشجيع نمو المصارف الإسلامية وجذب رؤوس الأموال الخليجية التي تضاعفت بفعل أسعار النفط المرتفعة.

كما أن الجالية الإسلامية داخل بريطانيا نفسها (غالبيتها من الآسيويين) أيضا تنمو بسرعة في أعدادها وفي ثروتها، فضلا عن جذب رؤوس الأموال الخليجية إلى لندن، التي نجحت في استيعاب الأدوات المالية الإسلامية ودمجها في المؤسسات المالية الكبرى.

وكانت الحكومة البريطانية قد أعدت تشريعات تسمح للشركات المالية البريطانية باعتبار الصكوك مثل السندات التي تُخصم فوائدها من أرباح الشركة قبل حساب الضريبة. أي الشركات البريطانية تستطيع خصم الفائدة (التي تدفعها على السندات) من أرباح الشركة، بحيث لا تدفع على هذه المبالغ ضريبة، في حين أن المبالغ التي تُدفع على الصكوك لا تخصم من أرباح الشركة باعتبارها ليست «فائدة» (ربا). والمعروف طبعا أن الأرباح التي تُدفع على الصكوك تأتي من نشاط استثماري، وليس من «سعر الفائدة» بالمفهوم الغربي.

منافسة بين لندن ونيويورك ومما لا شك فيه أيضا أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات المالية البريطانية عززت موقف لندن في منافستها مع نيويورك كعاصمة مالية للعالم، ووفقا لقوانين غالبية الولايات في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الصكوك الإسلامية غير مسموح بها، خصوصا في ظل المناخ العدائي لكل ما هو إسلامي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد نصح أحد الأكاديميين الأميركيين الإدارة الأميركية بعدم الخلط بين «التمويل الإسلامي» و«تمويل الإرهاب»، مشيرا إلى أن هذا الخلط في المفهوم الأميركي يعرقل تطور قطاع الصرافة الإسلامية داخل الولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد قالت صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز» البريطانية المتخصصة في الشؤون المالية، إن قطاع الصكوك الإسلامية قد نما بدرجة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، من لا شيء تقريبا إلى أكثر من 70 مليار دولار. وأضافت أن هذا الرقم يبدو كبيرا، لكنه لا يمثل إلا كسرا صغيرا من حجم الأموال المستثمرة في سندات الخزانة الأميركية. لكنها شددت على أن سرعة النمو في القطاع الإسلامي كانت هائلة خلال السنوات القليلة الماضية التي تزامنت مع ارتفاع أسعار النفط منذ غزو العراق. وقالت أيضا إن رؤوس الأموال الفائضة من نفط الخليج تبحث عن أدوات استثمارية تحقق لها الربح، وفي الوقت نفسه لا تخالف تعاليم الدين الإسلامي.

ويبدو أن لندن تدرك الإغراءات التي تقدمها لرؤوس الأموال الإسلامية. فهي عاصمة مالية كبيرة - الأكبر في أوروبا - ولا تنافسها في العالم إلا نيويورك. لكن الكفة ترجح لندن عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الإسلامية. وربما كان هذا هو السبب في اختيار شركة «الدار» العقارية الإماراتية في فبراير (شباط) 2006 بورصة لندن لكي تطرح فيها أول صكوك للشركة، بقيمة مليار دولار. وتأمل البورصة في أن تجذب تجربة «الدار» شركات ومؤسسات عربية أخرى نحو الاستثمار في لندن. ولم تقتصر التسهيلات التي قدمتها الحكومة البريطانية للصرافة الإسلامية على الإعفاء الضريبي في الصكوك وحسب، بل قامت الحكومة بإلغاء الضريبة المزدوجة التي كانت تفرضها على القروض العقارية الإسلامية (وهي القروض التي يحصل عليها الأفراد لشراء مساكنهم). ويقضي النظام الإسلامي بأن يشتري البنك العقار، ثم يبيعه بسعر أعلى للمشتري، في شكل «عقد إيجار تملكي». لكن النظام البريطاني كان يعتبر هذه الطريقة تنطوي على عمليتي بيع، من ثم يفرض الضريبية عليها مرتين - عندما يشتري البنك العقار، ثم عندما يشتريه منه الزبون - غير أن الحكومة ألغت الضريبتين، وفرضت بدلا منهما ضريبة واحدة تعادل الضريبة المدفوعة على بقية العقارات في بريطانيا.

أما فرنسا، التي فيها 6 ملايين مسلم، أي ثلاثة أضعاف عدد المسلمين في بريطانيا، فهي لا تزال متخلفة في استيعاب حجم الأموال التي يمكن أن يجذبها القطاع الإسلامي. وفي هذا الصدد يقول سلطان تشودهاري، مدير المبيعات في البنك الإسلامي البريطاني - الوحيد من نوعه في أوروبا - إن الصرافة الإسلامية في فرنسا لا تزال في مرحلة المهد؛ ففرنسا لا تزال في الوضع الذي كانت عليه بريطانيا قبل 6 سنوات. ويدعم هذا القول ديفيد تستا، مدير مؤسسة «وست إل بي» المالية، بقوله إن لندن ثبتت نفسها كأهم مركز مالي إسلامي في العالم الغربي دون منازع، وقد يصعب على باريس أو غيرها أن تنتزع هذا اللقب في المستقبل المنظور.

روح التشريع أم قشوره؟

يقول البعض إن على الصرافة الإسلامية أن تبتعد عن محاكاة المنتجات الغربية «حتى وإن كانت في لباس إسلامي»، وإن عليها أن تقترب من روح الدين، وتشق لنفسها طريقا خاصا بها.

وأوضح سالم، وهو مصرفي دولي ومؤلف كتاب «Banking: A $300 billion Deception»، أنه من مفارقات القدر أن تكون هذه الروح «الإسلامية» منتشرة في الولايات المتحدة أكثر من أي مكان آخر في العالم الإسلامي، لأن الولايات المتحدة تشتهر بما يعرف باسم «رأس المال المغامر» (venture capital)، حيث تخصص البنوك وشركات التمويل مبالغ كبيرة لتطوير الاختراعات والأفكار المبتكرة، وتحويلها إلى واقع ثم إلى صناعة.

وعادة ما تكون صيغة العقد بين المموّل وصاحب الاختراع أو الفكرة 50 في المائة لكل طرف، أي المناصفة في الربح أو الخسارة. ولا شك أن هذه الطريقة أقرب إلى روح الإسلام التي تعتمد على المشاركة في الربح والخسارة، وليس على معدل الربح «المحسوب سلفا» كما تفعل المصارف الإسلامية.

فبهذه الطريقة قامت صناعات ضخمة في الولايات المتحدة كانت بدايتها مجرد فكرة صغيرة، مثل شركات الكومبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا «HP, Cisco, Intel, Sun Micro Systems, Apple, Netscape, Ebay, Google» التي تحولت الآن إلى صناعات هائلة توظف ملايين البشر حول العالم. وتنفق بيوت التمويل في الولايات المتحدة، بل حتى الأفراد الأثرياء، أكثر من 25 مليار دولار سنويا لتمويل العلماء وأصحاب الأفكار الجديدة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي، وحتى القرن الحادي عشر، كان العالم الإسلامي هو الرائد في تطوير الصناعات والعلوم والتكنولوجيا.

ومن يعرف تاريخ تلك الحقبة يعرف أيضا أنها اشتهرت بسخاء الحكام، وباستخدام نفس أسلوب «رأس المال المخاطر» في تمويل المشاريع العلمية وتطويرها، وتحويلها إلى مشاريع تجارية مربحة. وفي المقابل يرى البعض أن تطور الصرافة الإسلامية الحديثة - في السنوات الثلاثين الأخيرة - لم تفض إلى أي أثر ملموس في حياة المجتمعات الإسلامية، وقطعا لا مساهمة لها تذكر في المجتمع الدولي، ولا العلمي أو التجاري أو الصناعي، بل كل ما تقوم به هو الاجتهاد في خلق «نسخة إسلامية» من نظام مصرفي علماني، ثم تغلفه بلغة إسلامية.

محطات في تاريخ المصرفية الإسلامية

* أول تجربة في وقتنا المعاصر للمصارف الإسلامية جرت في ماليزيا سنة 1940، وباكستان في 1950، حيث تم إنشاء أول صناديق ادخار لا تعمل بالفائدة.

* كانت تجربة إنشاء بنوك الادخار المحلية في مصر سنة 1963 أول محاولة حقيقية للبدء بالعمل المصرفي بنظام إسلامي، وكانت على يد الدكتور أحمد النجار، حيث قامت هذه التجربة على أساس المضاربة الشرعية، وذلك من خلال تجميع المدخرات الشخصية من الأهالي والقيام باستثمارها بنظام إسلامي، ويقسم الربح حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين.

* إنشاء البنك الإسلامي للتنمية في عام 1975 في مدينة جدة السعودية.

* إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية في عام 1977 بمكة المكرمة، وله أمانة عامة في القاهرة، ويهدف إلى تأكيد الطابع الإسلامي، ودعم الروابط والتنسيق بين نشاطات المصارف الإسلامية.

* إنشاء بنك دبي الإسلامي في الإمارات في عام 1975، ويعد أول نموذج لبنك إسلامي متكامل.

* إنشاء بنك فيصل وبيت التمويل الكويتي عام 1977.

* إنشاء بنك البحرين الإسلامي: 1979.

*إنشاء مصرف أبوظبي الإسلامي: 1997.

* عدد المصارف الإسلامية في العالم حتى مارس (آذار) عام 2008 بلغ (396) مصرفا في 53 دولة.

* ما هي مشكلات الصرافة الإسلامية؟

* يقول سايروس أردلان، رئيس قسم الأسواق الناشئة في بنك «باركليز» لـ«الشرق الأوسط»: إن كل المنتجات والأدوات المالية التقليدية في النظام الغربي أصبحت تُعدّل بسهولة لإيجاد صيغة إسلامية لها، بحيث أصبح هناك مرادف إسلامي لكل معاملة مالية غربية تقريبا. وأضاف أن الصرافة الإسلامية كانت تنحصر قبل سنوات قليلة فيما يشبه بنك «الراجحي» في المملكة العربية السعودية، حيث يستطيع البنك تقديم تمويل بأسعار منخفضة، لأنه في المقابل ينعم بمودعين لا يطالبون بأرباح (أي بفائدة) على ودائعهم، باعتبار ذلك ربا. أما اليوم فقد أصبحت هناك «نسخة إسلامية» لغالبية التعاملات في الأسواق المالية، كالسندات والأسهم وأوراق الخزانة، وحتى التعاملات فيما يُعرف بالأسواق الآجلة».

غير أن بعض المصرفيين الإسلاميين يتشككون في هذا الأسلوب، ويعتقدون أن الصرافة الإسلامية بهذه الطريقة تصبح مجرد مرآة تعكس صورة لنفس الأدوات والأنظمة المالية الغربية (مع تعديلات بسيطة)، بدلا من أن تبتدع أسلوبها الخاص، مثلما فعل الغرب لنفسه. كما أن بعض المتشككين من غير الإسلاميين يعتقدون أن التشريعات المالية الحالية في بريطانيا غير كافية للرقابة على المنتجات المالية الإسلامية الجديدة، التي دائما تجد لنفسها استثناء بحجة «التعاليم الدينية». ويشير هؤلاء أيضا إلى «ثقافة عدم الشفافية» التي تنتشر بين المؤسسات المالية الإسلامية في الشرق الأوسط. وأخيرا، فهم يحذرون من أن تاريخ السوق المالية في بريطانيا مليء بالتجارب المشابهة التي يتحمس فيها البعض لسوق جديدة ناشئة، ثم بعد فترة وجيزة تنفجر الفقاعة. ويقولون أيضا، إن الانتعاش الحالي في السوق الإسلامية ربما لا يعدو أن يكون جزءا من الانتعاش في الأسواق المالية بشكل عام. وكما وصف حالة السوق أحد المستثمرين بقوله: إن «السوق في حالة فوران منذ فترة، بحيث إنك لو طرحت أي شيء للبيع ستجد من يشتريه».

وهناك مشكلة أخرى تواجه الصرافة الإسلامية في بريطانيا (وربما في الدول الإسلامية بشكل عام)، وهي تعدد التفاسير الدينية، بحيث تتعدد المدارس والآراء، ومن ثم يصعب البت فيما إذا كان المنتج المالي الجديد يخالف الشريعة أم لا. ونتيجة ذلك أن بعض البنوك الإسلامية تقبل معاملة مالية معينة، بينما يرفضها بنك آخر باعتبارها مخالفة للشرع. وقد دفعت هذه الخلافات عددا من البنوك لأن يضيف رجل دين إلى عضوية مجلس إدارة البنك. وفي بعض الأحيان يتعرض رجل الدين هذا إلى ضغوط كبيرة لكي يفتي في اتجاه معين يخدم مصلحة البنك. وبالطبع، على عكس ذلك، فإن القوانين الوضعية التي تحكم الأسواق الغربية تكون محددة ودقيقة، ولها تفسير واحد ينطبق على الجميع، ويحق لجهة واحدة فقط تفسيره (الدولة)، فضلا عن كونها قوانين حديثة تتجدد كل يوم مع تطور السوق، دون تقييد.

غير أن كثيرا من المصرفيين الإسلاميين يتطلعون إلى تجربة ماليزيا، حيث يوجد «مجلس قومي للشريعة» تابع للدولة، وهو الذي يفتي في الشؤون المالية، وليست البنوك منفردة. ويقول المحللون إن عدم توحيد المعايير في الصرافة الإسلامية لا يزال العقبة الأساسية، لذا فإن التوحيد في الفكر والتطبيق يمكن إن يؤدي إلى توسع هذا القطاع بدرجة أكبر كثيرا مما هو عليه الآن، بل مع الوقت قد يفتح الباب أمام الصرافة الإسلامية للعب دور دولي.

ومن الانتقادات القوية أيضا للصرافة الإسلامية أنها لا تطبق روح الشريعة الإسلامية، بل تطبق قشورها فقط. فتحريم الربا يقوم على أساس أن الفائدة سعر ثابت على التمويل، بينما ينبغي أن يكون مرتبطا بالمشاركة في الربح والخسارة، من ثم متغيرا. ويقول محمد سالم: إن 5 في المائة فقط من التعاملات المالية الإسلامية تتم وفق فكرة المشاركة في الربح والخسارة، أما غالبية التعاملات فتتم عبر المرابحات. وأضاف أن المرابحة في معظم المصارف الإسلامية تحسب كالآتي: (التكلفة + ربح يحدد سلفا)، مشيرا إلى أن هذا الربح يعادل تقريبا سعر الفائدة في البنوك العلمانية، بل إن بعض البنوك الإسلامية تستخدم سعر الفائدة «كمؤشر» لتقدير الربح الذي ستستخدمه في المرابحات. وتساءل ما إذا كان التقارب الشديد بين معدل «الربح» الإسلامي ومعدل «الفائدة» العلمانية مجرد صدفة. وأضاف أن فكرة المرابحة الحقيقية في تاريخ الإسلام كانت تتم في حالة تجارة السلع الملموسة، أما اليوم فتطبيق هذه الفكرة على المعاملات المالية واستخدام معدل للربح المحسوب سلفا، يقترب كثيرا من فكرة سعر «الفائدة» في البنوك الغربية، حتى وإن غلفناه بأسماء إسلامية. ومثال آخر هو القروض العقارية، حيث تمنحك البنوك الغربية قرضا لشراء المنزل، ثم تدفع لها أنت فائدة شهرية على هذا القرض. أما في حالة البنوك الإسلامية، فهي تشتري لك المنزل (بدلا من أن تمنحك قرضا)، ثم تطالبك بدفع إيجار شهري (على المنزل بدلا من دفع فائدة على القرض). لكن المصادفة الثانية هي أن إيجار المنزل يعادل تقريبا المبلغ الذي تدفعه شهريا كفائدة للبنوك العلمانية.