بعد عامين على انهيار «ليمان براذرز» اتفاق «بازل» يحصن البنوك من أزمة مالية قادمة

يحتم زيادة رأس المال بمقدار 3 أضعاف كاحتياطي

القواعد الجديدة.. زيادة رأس المال بمقدار يزيد على 3 أضعاف حجم رأس المال الذي يتحتم على المصارف الاحتفاظ به كاحتياطي
TT

اتفق كبار المسؤولين التنظيميين بالمجال المصرفي على مستوى العالم على قواعد جديدة ترمي لإضفاء قدر أكبر من الأمان على الصناعة المصرفية العالمية وحماية الاقتصاديات الدولية من كوارث مالية مستقبلية.

ومن شأن القواعد الجديدة زيادة رأس المال بمقدار يزيد على 3 أضعاف حجم رأس المال الذي يتحتم على المصارف الاحتفاظ به كاحتياطي، وذلك في خضم الجهود الرامية لدفع المصارف نحو مراكز أكثر محافظة وإجبارها على الاحتماء خلف حائط صد أكبر في مواجهة الخسائر المحتملة. وتأتي القواعد الجديدة بعد عامين من إطلاق انهيار «ليمان براذر» شرارة أزمة مصرفية عالمية استلزم التغلب عليها مليارات الدولارات في صورة إعانات حكومية.

ويتمثل العنصر المحوري في الاتفاق الجديد في إلزام المصارف برفع قيمة الأسهم المشتركة التي تحتفظ بها - التي تعد أقل صور رأس المال من حيث المخاطرة - إلى 7 في المائة من الأصول، بدلا من 2 في المائة. وبجانب المتطلبات الأخرى الرامية لحماية المصارف من المخاطر، من الممكن أن تبدل هذه الإجراءات أسلوب عمل المصارف.

وقد حذرت مصارف من أن التنظيمات الجديدة قد تقلص من الأرباح وتفرض ضغوطا على المؤسسات الأضعف وتزيد تكلفة الاقتراض، لكن المنظمين حرصوا على توفير فترة انتقالية طويلة الأجل لتوفير فرصة للمصارف كي تتوافق مع الأوضاع الجديدة.

من جهته، قال جان كلود تريشيه، رئيس المصرف المركزي الأوروبي رئيس مجموعة المنظمين التي ضمت مسؤولين من 27 دولة: «تعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها اليوم محورية لتعزيز معايير رأس المال العالمية».

في الوقت الذي ادعت بعض المجموعات المصرفية أن القواعد ستستلزم منها تقليص الاعتمادات وإعاقة النمو الاقتصادي، اعتنق تريشيه وجهة نظر مناقضة، قائلا في بيان له إن القواعد الجديدة «تسهم في الاستقرار والنمو الماليين على الأمد الطويل وستثمر نموا كبيرا».

وقال آخرون إن التأثير المتواضع على النمو أو تكاليف الاقتراض يشكل ثمنا قليلا يتعين على المصارف دفعه مقابل التمتع بنظام مالي أقل عرضة للأزمات.

في هذا الصدد، أعرب جو بيك، بروفسور الصرافة الدولية والاقتصاد المالي بجامعة كنتاكي، عن اعتقاده بأن القواعد الجديدة «ربما تجعل المصارف أقل إدرارا للربح، لكنها ستجعل النظام برمته أكثر أمنا لأنه ستتوافر حماية أكبر ضد الإفلاس. وبالتالي ستتمكن المصارف من تحمل مزيد من الصدمات من دون أن تنهار».

من المقرر إخضاع التوصيات التي توصلت إليها المجموعة، التي تضم بين إس. بيرنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، للموافقة في نوفمبر (تشرين الثاني) من قبل مجموعة العشرين، ثم سنها في صورة قوانين من جانب الدول الأعضاء قبل أن تصبح ملزمة. وحددت المجموعة موعدا زمنيا نهائيا يتمثل في الأول من يناير (كانون الثاني) 2013 بالنسبة للدول الأعضاء كي تبدأ في تطبيق القواعد على نحو تدريجي، وهي القواعد المعروفة باسم «بازل 3».

من ناحية أخرى، أعرب بعض المصرفيين عن تأييدهم التنظيمات الجديدة. مثلا، قال إنديرز كفيست، من «إس إي بي»، وهو مصرف يتخذ من استوكهولم مقرا له وتمتد نشاطاته إلى مختلف أرجاء أوروبا: «قطعا ستتحول المصارف إلى مؤسسات أكثر أمنا».

إلا أن الكثير من المصارف حذرت من أن التنظيمات الجديدة ستقيد الاعتمادات المتوافرة أمام المقترضين.

وأوضح سكوت إي. تالبوت، من هيئة قطاع المصارف الأميركية (فايننشيال سرفيسز راوندتيبل) التي تمثل أكبر المصارف الأميركية، أن «هذا المستوى المرتفع من رأس المال سيقلص قدرة المصارف على الإقراض».

في الوقت الذي تلزم القواعد الجديدة بإقرار زيادة كبيرة في احتياطيات رأس المال، فإن الزيادة ليست بالضخامة التي توقعها بعض المحللين. وأشار مسؤولون شاركوا في اجتماعات المجموعة أن الولايات المتحدة أبدت تفضيلها إقرار متطلبات أشد صرامة فيما يخص رأس المال وفترة انتقالية أصغر، لكنها شعرت بالرضا في نهاية الأمر بالتوصل إلى اتفاق بإمكانه حشد تأييد دولي. وعلق مسؤول أميركي بقوله: «لم يكن الأمر بهذه الصعوبة».

الملاحظ أن المجموعة، وتحمل اسم «لجنة بازل للرقابة المصرفية»، التزمت بخططها لإجبار المصارف على حماية نفسها أثناء مشاركتها في نشاطات غير مصرفية أو توجيهها استثمارات في أدوات غير مسجلة ببيانات ميزانياتها.

ويعد هذا البند، المعروف باسم معدل الرفع، بمثابة محاولة لدفع المصارف للإبقاء على احتياطيات مقابل أموالها التي تواجه مخاطر، مع عدم وجود ثغرات تسمح لها بالالتفاف على القواعد المصرفية.

ويتضمن مطلب الـ7 في المائة للأسهم المشتركة نسبة تشكل حائط صد تبلغ 2.5 في المائة يمكن للمصارف الاعتماد عليها وتقليصها في أوقات الأزمات. إلا أنه حال لجوء المصارف للسحب من هذه الأموال، فإنها ستواجه قيودا حول حجم الرواتب التي تدفعها لمسؤوليها التنفيذيين أو الأرباح التي توزعها على حاملي الأسهم.

وتمثل الأسهم المشتركة حجم الأموال التي يستثمرها حاملو الأسهم في أسهم شركة ما، بجانب الأرباح التي لا يجري دفعها في صورة إيرادات أسهم مالية. ويشير المطلب الجديد المتعلق بالحد الأدنى من الاحتياطيات إلى حجم الأصول المحافظة التي يتعين على المصارف الاحتفاظ بها بالنسبة للأصول التي تواجه مخاطر مرتفعة.جدير بالذكر أن بعض الدول مارست ضغوطا من أجل إقرار نسبة حماية إضافية بمعدل 2.5 في المائة، ليصل الإجمالي إلى 9.5 في المائة، بحيث يفرض هذا المطلب في أوقات الرخاء. إلا أن مجموعة بازل أخفقت في الاتفاق على هذا الإجراء وتركت أمر إقراره من عدمه للدول الفردية.

ومن المقرر الشروع في تطبيق القواعد على نحو تدريجي لمنح المصارف فسحة من الوقت للتكيف، مع عدم سريان بعض البنود بصورة كاملة حتى بداية عام 2019. يذكر أن المصارف سيتعين عليها الشروع في رفع مستويات الأسهم المشتركة عام 2013.

وأعربت ممثلة عن «اتحاد الصيارفة الأميركيين»، وهي مجموعة تمثل المصارف الـ8000 على مستوى البلاد، الأحد، عن رضاها حيال تناول القضايا التي كانت تثير قلق المجموعة. وقالت ماري فرانسيس مونرو، نائبة رئيس شؤون السياسات التنظيمية بالاتحاد: «إن المصارف تتفهم الحاجة لتعزيز معايير الحذر».

وترك المنظمون إمكانية فرضهم قواعد أكثر صرامة على المصارف «المهمة من المنظور التنظيمي»، وهي المؤسسات التي يمكن لمشكلاتها التوسع لتشمل مختلف أرجاء النظام المالي، مفتوحة. وأصدرت أكبر 3 جهات تنظيمية مصرفية في الولايات المتحدة - وهي مصرف الاحتياطي الفيدرالي و«شركة التأمين على الودائع الفيدرالية» ومكتب مراقبة العملة - بيانا مشتركا أعلنت خلاله أن الاتفاق «يشكل خطوة مهمة قدما على طريق تقليص معدلات وقوع وحدة الأزمات المالية المستقبلية».

إلا أنه في الوقت الذي من المتوقع أن تقر واشنطن الإصلاحات، فإن دولا أخرى قد تعمد إلى تخفيف حدتها خلال عملية دمجها في القوانين. عن هذا، قال ديفيد أندرو سينغر، العالم السياسي لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «ستواجه كل دولة ضغوطا من صناعتها المصرفية كي تفسر القواعد على نحو يميل لتفضيل هذه المصارف».

وفي إشارة إلى مصارف القطاع العام الألمانية، التي توقعت أنها ربما تحتاج إلى جمع 50 مليار يورو (63 مليار دولار) للتوافق مع القواعد الجديدة، سمحت مجموعة بازل لمصارف بالاستمرار في التقدم بطلبات للحصول على إعانات حكومية لتعزيز احتياطيات رأس المال حتى نهاية عام 2017.

وربما تواجه بعض المصارف ضغوطا من السوق تدفعها نحو تخزين رؤوس الأموال في وقت أقرب، ومن الممكن أن تشجع القواعد الجديدة المصارف الأضعف داخل الولايات المتحدة على الاندماج مع شركاء أقوى، لكن الملاحظ أن الكثير من المصارف بالفعل زادت من احتياطياتها نظرا لتوقعها صدور قواعد جديدة تفرض ذلك.

من جهته، أعلن «دويتش بانك» في فرانكفورت، الأحد، بيعه أسهم بقيمة 9.8 مليار يورو بداية من نهاية هذا الشهر، وذلك بصورة أساسية بغية تمويل حيازة «دويتش بوستبانك»، وهو مصرف ألماني للتجزئة، إلى جانب تعزيز احتياطيات المصرف أيضا.

ومن بين المصارف الأوروبية الأخرى التي ربما تحتاج إلى جمع أموال «سوسيتيه جنرال» فرنسا و«لويدز» في بريطانيا، بجانب «دويتش بانك»، طبقا لتقديرات «ستانلي مورغان» الصادرة قبل الإعلان عن القواعد الجديدة.

أما المصارف التي زادت بالفعل من رؤوس الأموال لديها، مثل «إس إي بي» و«يو بي إس» في سويسرا، فتتميز بوضع أفضل وربما تتمكن من توفير أرباح لحاملي الأسهم.

يذكر أن القواعد الجديدة تتضمن كذلك بنودا ترمي لإقرار شفافية أكبر في العالم المالي، مثلا، عبر منح المصارف حوافز لتداول مشتقات دخيلة في أسواق مفتوحة، بدلا من تداولها سرا بين المؤسسات. كما تشدد القواعد من تعريف الأسهم المشتركة والتعرض للمخاطر للحيلولة دون سعي المصارف لاستغلال ثغرات.

* خدمة «نيويورك تايمز»