المحكمة الإدارية العليا المصرية تقضي نهائيا ببطلان عقد أرض مشروع «مدينتي»

مجموعة «طلعت مصطفى» تنتظر توفيق أوضاع العقد ليتماشى مع قوانين البلاد

TT

أيدت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة المصري أمس الحكم السابق إصداره عن محكمة القضاء الإداري (أول درجة)، الذي سبق أن قضى ببطلان العقد المبرم بين مجموعة «طلعت مصطفى» العقارية المملوكة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ووزارة الإسكان، التي شيد على أثرها مشروع «مدينتي» الإسكاني العملاق بالقاهرة الجديدة على مساحة 8 آلاف فدان.

واستندت المحكمة الإدارية، في حيثيات حكمها، إلى أن تخصيص تلك الأرض تم بالأمر بالمباشر على نحو يمثل خروجا سافرا، وإهدارا لأحكام قانون المناقصات والمزايدات وما تقتضيه أصول الإدارة الرشيدة، مقارنة بما يجرى إبرامه من خلال مزايدة علنية أو مظاريف مغلقة يتبارى فيها المتنافسون، وهو ما يعيب وزارة الإسكان، التي أبرمت العقد، وتنعكس آثاره على التوازن المالي على نحو يشوب العقد بالبطلان.

وأشارت المحكمة إلى أنه بمقارنة البيع الذي تم في تلك الأرض مع نظيراتها الأخرى، فإن الوضع يبدو «غريبا».. ففي حالة عقد مشروع «مدينتي» بدأ التصرف في المال العام محاطا بالكتمان، ولا يعلم أحد من أمره شيئا إلا طرفاه، مما أدى إلى بيع أراضي الدولة بمقابل عيني ضئيل، فضلا عما تضمنه العقد من شروط مجحفة بحق الوزارة.

وذكرت المحكمة أنه بالنسبة للحالات الأخرى في بيع أراض مماثلة فقد جرى الإعلان عنها داخل مصر وخارجها، بل جرت حملات إعلانية ضخمة للإخبار عن مزادات لبيع تلك الأراضي ومواعيدها، حيث وصل الإعلان عن ذلك إلى ذروته وغايته بقصد تحقيق الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص، حيث تنافس الجميع وحصلت الدولة على أفضل الأسعار وفق أنسب الشروط.

وأكدت المحكمة أن الفارق بدا شاسعا بين عقد بين أرض «مدينتي» وسعر البيع في مشاريع أخرى مماثلة، مؤكدة أنه لا صحة للقول بأن حكم بطلان العقد المشار إليه سيلقي بظلاله على كل من سبق تخصيص أرض له، فقطع الأرض الممنوحة للأشخاص الطبيعيين أو النقابات أو الهيئات أو غيرها من الجهات التي تقوم على تأدية الخدمات لأعضائها ولا تستهدف الربح، تم منحها أراضي وفقا للقواعد المقررة بشأن الإسكان الجماعي لخروجه عن مفهوم البيع الذي يخضع لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه.

ويعد الحكم الصادر في هذه القضية نهائيا ومشمولا بالنفاذ المعجل وغير قابل للطعن عليه بأي وجه من أوجه التقاضي الرئيسية، إلا أنه يجوز لهيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة المصرية أمام المحاكم) عمل استشكال لوقف تنفيذ الحكم أمام الدائرة التي أصدرت الحكم، الذي يتم الفصل فيه خلال عدة أسابيع قلائل.

وتركزت الجلسات السابقة للطعن في إلغاء حكم بطلان التعاقد في تأكيد الطاعنين (مجموعة «طلعت مصطفى» ووزارة الإسكان) أن عقد مشروع «مدينتي» وكل بنوده، يتفق مع صحيح حكم القانون، كما أنه يتفق وإرادة مجموعة «طلعت مصطفى» وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (ممثل وزارة الإسكان) وعدم اختصاص قضاء مجلس الدولة بنظر القضية، على اعتبار أن القضاء المختص بنظر عقود البيع هو المحاكم المدنية العادية، إلى جانب عدم وجود مصلحة شخصية مباشرة أو صفة لمقيمي الدعوى في إقامتها أمام محكمة أول درجة، خاصة أنهم ليسوا من المتعاقدين والحاجزين في مشروع «مدينتي» وأن الشروط التي تم البيع، بمقتضاها، إلى المجموعة العقارية، وسبق أن طبقت في حالات بيع أراضي الدولة بالمجتمعات العمرانية الجديدة، وعددها 22 مدينة للنقابات والهيئات القضائية والمواطنين، وحصول الهيئة - وفقا للتعاقد - على نسبة 7 في المائة من الوحدات السكنية بالمشروع، بما يمثل أكثر من 13 مليار جنيه.

ووصف خبراء قانونيون الحكم الصادر بـ«القاسي»، ولكنهم أيدوه بقولهم «ما بني على باطل فهو باطل» في إشارة منهم إلى بطلان عقد بيع الأرض من الأساس، وقالوا: «هذا الحكم سيؤثر بشكل كبير على الحاجزين، لأن الحكم يعني بالنسبة لهم ضياع أموالهم، كما سيؤثر بشكل كبير على حاملي أسهم مجموعة (طلعت مصطفى) في البورصة لأن الحكم يمثل ضياع جزء كبير من استثمارات الشركة».

وهوت أسهم مجموعة «طلعت مصطفى» بنهاية تداولات أمس بنسبة 4.6 في المائة، لتغلق عند 7.08 في المائة، ولم توقف البورصة المصرية التداول على السهم، بعد الحكم الصادر، على اعتبار أن هذا الحدث جوهري وسيؤثر على أداء السهم في السوق، واستحوذ السهم على نحو 15 في المائة من إجمالي تداولات السوق الذي شهد التعامل على 175 سهما.

واعتبر الدفاع عن رجل الأعمال حمدي الفخراني (مقيم دعوى البطلان) خلال تداول الطعن أن منح رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى تلك الأرض المقام عليها المشروع، يمثل إضرارا بالغا بالمال العام، في ضوء مخالفات وصفها بـ«الجسيمة» في التعاقد لقانون المزايدات والمناقصات على نحو يمثل إهدارا للمال العام، لافتا إلى أن الجهاز المركزي للمحاسبات أعد تقريرا بشأن المخالفات القانونية التي تضمنها التعاقد على شراء أرض «مدينتي».

وأضاف أن عقد بيع هذه الأرض ترتبت عليه خسارة كبيرة للدولة تقدر بنحو 147 مليار جنيه عوائد إنشاء المدينة، مشيرا إلى أن وزارة الإسكان قدمت تسهيلات غير مسبوقة لشركة «طلعت مصطفي»، المملوكة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، من مد المرافق إلى إعفاء الخامات والأدوات المستخدمة في أعمال المقاولة والبناء من الجمارك، وهو ما لا يحدث عند إنشاء المشاريع الحكومية المخصصة للنفع العام.

وكانت محكمة القضاء الإداري (أول درجة) قد استندت في حكمها ببطلان عقد البيع المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ومجموعة «طلعت مصطفى» العقارية لتخصيص مساحة 8 آلاف فدان لإقامة مشروع «مدينتي»، والصادر في يونيو الماضي، إلى وجود مخالفات لقانون المزايدات والمناقصات شابت العقد وتستوجب بطلانه.

وتدرس مجموعة «طلعت مصطفى» الآن عبر مستشارها القانوني أسباب الحكم، لتبحث الخطوة القضائية المقبلة التي من الممكن اتخاذها.

وأشار نائب الرئيس التنفيذي والمدير المالي لمجموعة «طلعت مصطفى»، جهاد السوافطة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شركته ملتزمة بكل تعهداتها لكل الحاجزين في مشروع «مدينتي»، وأضاف أن الأعمال الإنشائية في المشروع مستمرة، ولن تتوقف، مؤكدا أن المحكمة لم تطلب من الشركة ذلك.

وقال السوافطة إن مجموعة «طلعت مصطفى» تنتظر الآن أن تقوم وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية بتوفيق أوضاع عقد «مدينتي» بما يتماشى مع متطلبات القوانين والقضاء المصري.

وأكد أن هناك وعودا من قبل وزارتي المالية والإسكان بتوفيق أوضاع العقد فيما يخص إجراءات التعاقد، دون المساس بشروط التعاقد المتمثلة في مساحة الأرض المقام عليها المشروع والوحدات المخصصة مقابل التعاقد وغيرها.