الصين تتحول بعيدا عن المصانع منخفضة التكلفة

رغم أنها ساعدت في دفع الصعود الاقتصادي للبلاد

عملت المصانع بإقليم دلتا نهر بيرل كورش منخفضة التكلفة لعلامات تجارية عالمية («نيويورك تايمز»)
TT

تبذل الشركات هنا في معقل النشاط الصناعي بالصين جهودا مضنية لإعادة رسم صورتها لخشيتها من أن نشاطات التصنيع منخفضة الكلفة التي ساعدت في دفع الصعود الاقتصادي للبلاد تفقد أهميتها بمعدل سريع.

على سبيل المثال، بدأت «تال غروب»، التي تتولى تشغيل مجمع هائل لإنتاج الملابس في هذه المدينة الساحلية المزدهرة، في التحرك فيما وراء العمل بالتجزئة عبر مساعدة سلسلة «جيه سي بيني» على إدارة مخزوناتها من الملابس إلكترونيا، من داخل المصنع وحتى أرفف بيع التجزئة في كونيتيكيت الأميركية.

وبالمثل، تعمد «تشيكوني»، التي تنتج أجهزة طاقة تستغلها «مايكروسوفت» في «إكس بوكس» وتعد من جهات التوريد الكبرى للوحات مفاتيح الحاسب الآلي لشركة «ديل»، إلى تنويع نشاطاتها عبر افتتاح متاجر لحسابها. وقد افتتحت ثلاثة متاجر بالفعل بأنحاء مختلفة من الصين، وتخطط لافتتاح سبعة أخرى.

وبعد سنوات من تجميع أجهزة الكنس الكهربائية وفرشاة الأسنان التي يمكن إعادة شحن بطاريتها لصالح «فيليبس» وشركات غربية أخرى، تخطط «كووني إلكتريكال برودكتس» لبدء خط إنتاج أجهزة منزلية خاص بها.

عن هذا الأمر، تحدث بنجامين كووك، مؤسس الشركة، قائلا: «نرغب في بذل مزيد من الجهود بمجال التصميم وبناء علامة تجارية خاصة بنا». وجاء تصريحه خلال جولة تفقد خلالها مؤخرا مجمع مصانع ضخم يضم 3.000 عامل ومخزنا هائلا ومجموعة معامل لاختبار أجهزة عصر فواكه وكنس كهربائية وعدد من الأجهزة الأخرى.

وأضاف: «المؤكد أن الكثير من عملائنا لن يسعدهم قرارنا بالدخول في تنافس معهم، لكن ليس أمامنا خيار».

وما يزال من السابق لأوانه القول بما إذا كانت هذه المحاولات ستنجح، لكن بعض الخبراء الاقتصاديين يعتبرون مثل هذه الجهود ضرورية - بل وتأتي متأخرة عن أوانها.

على امتداد سنوات، عملت المصانع هنا بإقليم دلتا نهر بيرل كورش منخفضة التكلفة لعلامات تجارية عالمية، الأمر الذي حول هذا الجزء من الصين إلى أكبر منطقة تصدير بالبلاد. وتنتج مدينة دونغوان، الواقعة على بعد نحو 35 ميلا شمال غربي هونغ كونغ، أعدادا ضخمة من لعب الأطفال والمنسوجات والأثاث والأحذية الرياضية - بما في ذلك مئات الملايين من الأحذية الخفيفة سنويا لصالح «نايك» و«أديداس».

إلا أنه الآن مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتطلع بكين نحو خلق طبقة وسطى استهلاكية، يعتقد خبراء أن إعادة إصلاح الهياكل الصناعية بهذه المنطقة بمقدوره المساعدة في تقليص الفجوة الواسعة في الدخول على مستوى البلاد وتحفيز نمو اقتصادي أكثر توازنا واستدامة.

في هذا الإطار، قال فان غانغ، بروفسور علم الاقتصاد بجامعة بيكنغ، خلال مقال نشره مؤخرا: «آمل أن تختفي الميزة التنافسية للصين كمنتج منخفض الأجور - وكلما تحقق ذلك قريبا، كان أفضل». وأضاف أن الصين بحاجة إلى التحديث والشروع في «المرحلة التالية من التنمية». وتجلت هذه الضغوط منذ بضعة شهور عندما تسببت سلسلة من الإضرابات العمالية الكبرى في تعطيل عمل العديد من مصانع إنتاج السيارات اليابانية، مما أدى إلى إقرار زيادات كبيرة في الأجور في نهاية الأمر.

إضافة إلى ذلك، تلوح في الأفق احتمالات أن يقوى وضع العملة الصينية، رينمنبي، في مواجهة عملات عالمية أخرى خلال السنوات القادمة. ومن شأن ذلك زيادة تكاليف تصدير السلع المنتجة هنا، الأمر الذي يتسبب في مزيد من التقليص لما يعتبره المصنعون هوامش ربحية ضعيفة بالفعل.

في هذا الصدد، قال روجر لي، مسؤول التشغيل الأول في «تال أباريل»، جزء من «تال غروب»: «قررنا ألا نبقى على الطرف الأقل تكلفة».

يذكر أن «تال»، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها وسبق أن أعلنت أنها تنتج واحدا من كل ستة قمصان تباع داخل الولايات المتحدة، تعمل على توسيع نشاطها إلى إدارة سلسلة متاجر لحساب «جيه سي بيني»، أحد أكبر الجهات التي تشتري قمصان منها. عبر نظام كومبيوتري موسع، تتولى «تال ترتيب وإعادة ترتيب أرفف القمصان في جميع متاجر بيع التجزئة الـ.100 التابعة لـ(جيه سي بيني) داخل الولايات المتحدة، حسب الطلب».

عن ذلك، قال لي: « وجود قدر مفرط من المخزون يقتل متاجر بيع التجزئة. الآن، نتولى إدارة المخزون بكل متجر. ونحصل على بيانات بالمبيعات، ونعلم تماما حجم ما هو موجود بالمخازن وما على السفن. ونعمل على المعاونة في تقليص المخزون».

في الواقع، تعد «تال غروب» واحدة من المؤسسات المحظوظة التي نجحت في البقاء، فبعد الأزمة المالية العالمية، تراجعت صادرات دونغوان بنسبة تقارب 25%. وأغلقت آلاف المصانع أبوابها. الآن، ورغم عودة معدلات التصدير لما كانت عليه عام 2008، ما تزال مخاوف قائمة من تباطؤ عجلة النمو الإقليمي بدرجة بالغة.

أشار لين جيانغ، بروفسور التمويل بجامعة سون يات سين في غوانغزهو، إلى أنه «منذ عام 2008، تردت البيئة الاستثمارية في دونغوان بشدة. ولم تعد ترى الكثير من الشركات مستقبلا لها هناك. كما تشعر بتعرضها لضغوط حكومية كي تحدث من نفسها».

في كونغتشي، وهي منطقة صناعية بجنوب شرقي دونغوان، يحاول مسؤولون حكوميون مساعدة المصانع التي تمر بظروف عسيرة على التكيف مع الواقع الجديد. وإذا كانت الكثير من الشركات تبدي ترددا حيال الرحيل، فإن الحكومة المحلية تشعر بالسخط تجاه فقدان الشركات وما تقدمه من عوائد ضريبية.

وتعج كونغتشي الممتدة لمساحة 56 ميلا مربعا بمصانع لإنتاج المنسوجات والإلكترونيات، معظمها مدعومة بشركات من هونغ كونغ وتايوان، والتي تنتج لحساب علامات تجارية عالمية مثل «بيربري» و«هيلويت باكارد» و«سوني».

وساعد ازدهار صادرات الصين كونغتشي على تحويل مساحات واسعة من المناطق الزراعية إلى مصانع تعج بالحركة والضجيج. وقد خلق ذلك ثروة هائلة للبلاد والمنطقة المحلية. إلا أن معادلة العمالة تتبدل سريعا الآن.

منذ سنوات، احتشد عمال مهاجرون خارج المصانع هنا على أمل التقدم للالتحاق بالعمل. وعليه، ينتمي 90% من سكان كونغتشي البالغ عددهم 350.000 نسمة إلى العمال المهاجرين. وقد تنقل معظمهم عبر الأقاليم الصينية الداخلية الفقيرة بحثا عن فرص عمل بالمصانع التي غالبا ما تدفع اليوم نحو 90 سنتا في الساعة.

ويعد زهو غورونغ، نائب مدير «مكتب كونغتشي للتجارة والتعاون الاقتصادي»، من بين أولئك الذين يحاولون إعادة رسم وجه كونغتشي. ومؤخرا، قاد سيارته طراز «تويوتا إف جيه كروزر» - التي تعد أشبه بنموذج مصغر من «هامر» - عبر المناطق الصناعية في المدينة، متحدثا حول التغييرات الجارية.

وقال في طريقه لزيارة مصنع إلكترونيات للاستفسار عن الأرباح: «ترغب كل شركة في التحول إلى مؤسسة متقدمة التقنية، ونرغب في تشجيعها على ذلك».

من بين الشركات التي تلقت بالفعل إعانة حكومية بمجال البحث والتطوير شركة فرعية تتبع «لايت أون تكنولوجي».

إلا أنه حتى بالنسبة للشركات المبتكرة مثل «تال غروب»، لا يعد النجاح مضمونا بعد.

وعن ذلك، قال لي: «لقد تراجعت أسعار القمصان، بينما ارتفعت تكاليفنا».

* تشين تشياودوان ساهم في التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»