صناديق التحوط الأميركية تستعد لجذب المستثمرين من جديد

سحب 320 مليار دولار خلال الأزمة المالية

TT

يسعى جيمس بالوتا، أسطورة صناعة صناديق التحوط، إلى إعادة الكرة إلى الملعب مرة أخرى؛ فبعد أن أغلق صندوق التحوط العملاق الذي يديره بعد خسارة مذلة، يقوم بالوتا، الذي يملك فريق بوسطن سلتيكس لكرة السلة، بما يقوم به مديرو صناديق التحوط ممن هم على شاكلته في الأوقات العصيبة، ألا وهو افتتاح صندوق تحوط جديد.

وقد شهدت صناعة صناديق التحوط المضطربة ظهور الكثير من الراغبين في خوض التجربة ثانية، هذه الأيام. فبالوتا واحد من بين مديري المال الشهيرين الذين يحاولون البدء مجددا بعد اضطرابات الأزمة المالية.

عبر إغلاق صندوق تحوط وفتح آخر يمكن للمستثمر أن يُبيِّضوا، في حركة مفاجئة، سجلاتهم المالية، والبدء في الحصول على رسوم إدارة من مستثمرين جدد.

ربما يتبادر إلى أذهان البعض سؤال عمن يعهد بأمواله إلى صندوق تحوط أخفق؟ لكن ما تبين هو أن الكثيرين يفعلون ذلك. فقبل الأزمة المالية العالمية كان بالوتا يحتفظ بسجل نجاحات سابقة، وصندوقه الجديد المدعو «رابتور إيفوليوشن» (صندوق التحوط القديم كان باسم «رابتور غلوبال») لن يجد مشكلة كسابقه في الحصول على مستثمرين، كما يقول المحللون.

ويقول تيم بيري، مدير استثمارات صناديق التحوط في شركة «برايفت أدفيزورز ريتشموند»، بولاية فيرجينيا، التي تقدم الاستشارات المالية للمؤسسات الضخمة في استثماراتها: «هل سيتمكن بسهولة من جمع الأموال؟ أعتقد أن الإجابة على ذلك هي: نعم. فالرجل يمتلك سجلا حافلا بالنجاحات».

يأمل آخرون بالعودة ومنهم غابي نيتشامكين، المضارب السابق لجورج سوروس، وجون ميريوزير الذي أفلس صندوقه «لونغ تيرم كابيتال ماندجمنت» على نحو مثير للدهشة عام 1998، وسيؤسس صندوقه الثالث لا الثاني.

لن يحصل الجميع على فرصة ثانية أو ثالثة، فصناديق التحوط التي كانت عائداتها الضخمة ورواتبها، أهم سمات حقبة ثروات وول ستريت، تمر وسط هوة مؤلمة.

خلال العامين ونصف العام الماضيين، سحب المستثمرون ما يقرب من 320 مليار دولار من شركات الاستثمار الخاصة هذه، تاركين الأصول المشتركة لهذه الصناعة بقيمة 1.5 تريليون دولار، بحسب بيانات شركة «باركلي هيدج».

كانت صناديق التحوط الصغيرة الأكثر ضررا، فبعد أن وصل عدد صناديق التحوط إلى ذروته في عام 2007 انخفض إلى نحو 8400، بحسب شركة البحث التنفيذية «هيدريك آند ستراغل».

وتشير «ليبر»، وحدة في وكالة «تومسون رويترز»، إلى تضرر صناعة صناديق التحوط ككل خلال عامي 2008 و2009 بينما لم يشهد العام الحالي تحسنا كبيرا، حيث انخفضت قيمة صناديق التحوط خلال نهاية أغسطس (آب) العام الحالي بنسبة 1.4 في المائة. وتحول المستثمرون إلى التساؤل عما إذا كانوا سيصبحون أفضل حالا إذا استثمروا أموالهم في صناديق تبادلية منخفضة القيمة، حيث ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بور 500» بمقدار 0.5 في المائة.

نتيجة لهذا الأداء، انخفض ما يقرب من نصف صناديق التحوط المدرجة في «هدج فاند ريسيرش إندكس» إلى ما دون المستويات التي تحتاجها لتتمكن من الحصول على أرباح الإدارة المرتفعة خلال السنوات الثلاث الماضية، (عادة ما تتقاضى صناديق التحوط أجرا بقيمة واحد إلى اثنين في المائة، وتحصل على نسبة 20 في المائة من الأرباح، شريطة أن تتجاوز عقبة الأداء المعروفة بالإنجاز الأكبر).

ويقول تود بوتشهولز، المدير الإداري الأسبق في شركة صندوق التحوط «تايغر ماندجمنت» التي تديرها جوليان روبرتسون: «الميدان يغص بالأجور المرتفعة للغاية».

ويضيف بوتشهولز الذي يشرف في الوقت الحالي على صندوق تحوط عقارات يدعى «تو أوشنز»: «لا أعتقد أن الفترة الحالية ستكون بمثابة النهاية أو الرمق الأخير لصناديق التحوط، لكن من المؤكد أن هناك بعض الإفلاسات التي تشهدها السوق». ويقوم بعض مديري صناديق التحوط بإغلاق الصناديق ضعيفة الأداء أو التي تخسر، ويحاولون إقناع مستثمريهم، إضافة إلى مستثمرين جدد، بتقديم رأسمال جديد.

بيد أن هذه الصناديق تواجه تحديين، أولهما أن على الكثير منها أن تعوض الخسائر السابقة قبل الحصول على رسوم أداء من مستثمريها السابقين - إذا عاد المستثمرون.

إضافة إلى ذلك، يجب على أغلبهم أن يوضحوا للمستثمرين أنهم تعلموا الدرس، وأن الاستراتيجيات الاستثمارية لصناديقهم - على الأقل على السطح - ستتمكن من التعامل مع المشكلات السابقة.

شركة «جيفري غيندل توتيني كابيتال بارتنرز»، كانت تحصل على عائدات بنسبة 38 في المائة في الفترة من 1997 إلى 2007. وكانت تشرف على 7 مليارات دولار قبل إغلاقها صندوقين خسرا أكثر من ثلثي قيمتهما في 2008، وبعد أشهر قلائل افتتح غيندل في 2009 صندوق تحوط.

وقال غيندل في رسالة إلى المستثمرين، إن الصندوق الجديد سيستثمر فقط الأوراق المالية السهلة، ولن يستخدم التمويلات أو يقترض أموالا أو يزيد من عائداته. وتعهد غيندل بألا يحصل على رسوم إدارة حتى يتمكن المستثمرون من تعويض خسائرهم السابقة.

ولم يتضح بعد ما إذا كان نيتشامكين وميروزير، اللذان لم يجيبا على اتصال هاتفي، سيستخدمان استراتيجيات جديدة ومتطورة، أو تعويض المستثمرين السابقين قبل الحصول على رسوم إدارة جديدة.

السؤال الذي يبدو في الأفق بالنسبة لهؤلاء المديرين وآخرين هو ما إذا كان المستثمرون راغبين في الصفح والنسيان.

ويبدي مديرو صناديق التحوط وموظفوهم ترددا في مناقشة محاولات عودتهم الفاشلة. ويقول أحد هؤلاء الأفراد، الذي عمل في صندوق تحوط أغلق، ويحاول الآن جمع أموال من أجل صندوق جديد، إن الكثيرين في هذه الصناعة يحاولون التأكيد على نجاحاتهم السابقة، لا الخسائر التي لحقت بهم مؤخرا. ويقول هذا الشخص، الذي رفض ذكر اسمه، حتى لا يؤثر ذلك على الصندوق الجديد: «هذا يشكل ديناميكية غريبة، فالكل يحاول أن يبرز الجانب الجيد، لا الجانب السيئ».

بالنسبة لبالوتا، الذي يدير صندوق تحوطه أصولا تزيد على 12 مليارا على أقصى تقدير، فلا يزال هناك الكثير من الأعوام الجيدة.

كان بالوتا - الذي شيد منزلا على مساحة 27000 قدم مربع في إحدى أكثر مناطق بوسطن ثراء - يجنى عائدا سنويا بقيمة 19.2 في المائة خلال السنوات الخمس عشرة التي عمل خلالها لصالح الملياردير بول تيودور جونز، والسنوات الخمس السابقة التي قضاها في «إيسكس إنفستمنت ماندجمنت».

انفصل رابتور عن «تيودور إنفستمنتس» في أواخر عام 2008 بعد خسارة الصندوق 20 في المائة من قيمته. وفي أعقاب تحويله إلى الأداء الهادئ خلال الأشهر الأولى من عام 2009، أغلق بالوتا الصندوق في يونيو (حزيران)، معلما المستثمرين في رسالة بأن لديه شكوكا حول استدامة جوانب معينة في بنية السوق والنشاط قصير المدى. وقال المتحدث باسمه إنه رفض التعليق.

ومن خلال صندوقه الجديد سيعود بالوتا إلى المربع الأول، مواجهة الأوضاع ذاتها التي واجهها في بداية عمله. على حسب قول أحد الأشخاص المطلعين على الصندوق، الذي رفض ذكر اسمه بسبب الجهود المتواصلة لجمع رأس المال.

وأوضح المتحدث أن استخدام فريق صغير والتركيز على عدد قليل الأوراق المالية، يشير إلى أن بالوتا لا يطمح في أن يحول صندوقه إلى صندوق عملاق في الوقت الراهن. حتى الآن استطاع بالوتا إقناع بعض المستثمرين القدامى، إضافة إلى بعض المستثمرين الجدد، لكنه لن يحصل على أجر الإدارة حتى يتمكن المستثمرون القدامى من استرداد خسائرهم السابقة.

ويقول بيري: «إذا كان حريصا على الاستثمار ولا يمانع في العمل برأسمال صغير لبعض الوقت، ويرغب في أن يثبت لمستثمريه أنه لا يزال قادرا على العمل، فسوف ينجح».

* خدمة «نيويورك تايمز»