«من أين لك هذا؟» نريد تفعيله!

سعود الأحمد

TT

سمعنا وقرأنا عن قانون «من أين لك هذا؟».. وعن التوجهات لكبح جماح وممارسات البعض لاستغلال نفوذهم للكسب غير المشروع. وكم هي التصريحات في الكثير من دول العالم أنها بصدد التطبيق الفعلي لهذا القانون والإلزام بمتطلباته.. دوليا وعربيا وإقليميا وسعوديا. لكننا (للأسف) ومنذ زمن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا! وللاستدلال بعينات مما صدر عن هذا النظام عربيا.. ففي مايو (أيار) 2008 بدأت الأردن تطبيق نظام «من أين لك هذا؟» بإجراء أولي تقوم عليه دائرة الذمة المالية بوزارة العدل الأردنية، يعرف بـ«قانون إشهار الذمم». حيث بلغ 2913 من أصل 3600 مكلف بإشهار ذممهم المالية (المرجع: «الجزيرة نت» بتاريخ 20/5/2008). وفي البحرين أصدر العاهل البحريني قانون «من أين لك هذا؟» للكشف عن الذمة المالية، بعد أن شهد القانون مناقشات ساخنة وجدلا في البرلمان (المنتخب)، ومجلس الشورى (المعين) على مدى السنوات الماضية حول الأشخاص الذين يطالهم القانون (المرجع: «دنيا الوطن» البحرينية بتاريخ 1 يوليو «تموز» 2010). وفي العراق أعلنت المفوضية العامة للنزاهة أن القضاء طالب منظمة الإنتربول بتعقب مسؤولين حكوميين سابقين في وزارة الدفاع متورطين في «قضية البليون دولار» المتعلقة بصفقة الأسلحة المشبوهة (المرجع: جريدة «الاتحاد» بتاريخ 16/9/2010). وفي المغرب توجد الآن ترسانة قانونية كبيرة تستهدف إعادة الأخلاق إلى الحياة العامة، آخرها صدور قانون يفرض التصريح عن الممتلكات، وآخر يختص بمحاربة تبييض الأموال. كما صادقت الحكومة السابقة على الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد، ووعدت الحكومة الحالية في تصريحها أمام البرلمان بالعمل على دعم المنظومة الوطنية للنزاهة والأخلاقيات وإعادة تفعيل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة...!! (المرجع: جريدة «الأخبار» المغربية 15 سبتمبر (أيلول) 2010). وقس على ذلك من الأنظمة العربية التي تقاوم الفساد الإداري وتنص على إصدار نظام «من أين لك هذا؟».

لكنني أتساءل عن مستوى التطبيق العام لهذا النظام، فلو أردنا تقييم مستوى التطبيق بعمل استبيان عشوائي لإعطاء نسبة مئوية لهذا التطبيق.. أعتقد لهذه النسبة أنها ستكون في خانة الثانية أو الثالثة بعد الفاصلة من المائة! لماذا؟ لأنه ليس من مصلحة المعنيين بالتطبيق أن يُفعل هذا النظام لأنهم قد لا يسلمون منه! والذي أقترحه.. أن تصدر قرارات على مستوى نفس المصدر أو أعلى منها تنص على أن يوقف تنفيذ هذا النظام، وأن يستبدل بنظام يؤدي إلى نفس الغاية، لكنه أقل تصادما مع مصالح النافذين يسمى بـ«بيانات الشفافية». بحيث ينص هذا النظام على إلزام كبار المسؤولين بإيضاح علاقتهم الملكية بالمنشآت التي يتعاملون معها. من منطلق أنه لا يمكن أن تكون مسؤولا صاحب قرار بوزارة التربية (مثلا) وتشرف على مدارس أهلية تملكها، أو صاحب قرار بوزارة الصحة لتشرف على منشآت طبية تهدف إلى الربح وأنت تشارك في ملكيتها! أو تكون مسؤولا بوزارة النقل وتشرف على تنفيذ طرق تقوم منشأة تملكها بالتنفيذ.. لأن هذا ببساطة يعد تضارب مصالح لا يقبله قانون ولا عقل ولا منطق. فهل نطمع في قانون عربي عام يعالج هذه القضية؟

وفي الختام.. نحن في أمسّ الحاجة إلى تفعيل آلية تحمي المجتمع من تسلط النافذين واستغلال نفوذهم. وأقصد بهؤلاء المسؤولين مَن هم باقون على كراسي الوظائف.. لا لشيء إلا لتسهيل أمور مصالحهم، ويتقاضون رواتب لا تصل إلى ربع موظفين بالشركات التي يملكونها!

* كاتب ومحلل مالي