إسهام فلبينيي الخارج في إجمالي الناتج المحلي لبلادهم ترتفع إلى 10%

تحويلاتهم النقدية قفزت من 7.6 مليار دولار في 2003 إلى 17.3 مليار في 2009

أحد المتعاملين في بورصة الفلبين («الشرق الأوسط»)
TT

تقع المنازل ذات الألوان الفاتحة والمستوحاة من المنازل المطلة على البحر الأبيض المتوسط على الشاطئ والتلال في هذه المدينة الريفية في الفلبين، مما يجعل المنازل التقليدية، المناظرة لها والمشيدة من القوالب الخرسانية غير المصبوغة تحت أسقف من الزنك المموج، تبدو صغيرة. وهذه المنازل الأكبر حجما، والتي نادرا ما يقطنها أحد والكثير منها خال، مملوكة للعمال الذين يعملون خارج البلاد، ويعتزمون العودة في يوم من الأيام.

وعلى الرغم من غياب هؤلاء العمال، فإنهم أسهموا بالأموال للمساعدة في بناء الطرق والمدارس وشبكات المياه وغيرها من عناصر البنية التحتية، والتي تقوم بتشييدها في العادة الحكومات المحلية. ويقومون بدفع الأموال من أجل المهرجانات السنوية التي كانت تمول من قِبل البلديات والكنائس والشركات المحلية. وبفضل المساعدة التي يقدمونها، أصبحت مابيني بلدية من الدرجة الأولى العام الماضي في تصنيف حكومي للمدن على مستوى البلاد، لتقفز من الدرجة الثالثة.

وفي إحدى القرى التي يُطلق عليها «ليتل إيتالي» (أو إيطاليا الصغيرة)، حيث يعمل نحو ربع عدد سكانها، الذين يبلغ عددهم 1200 فرد، في إيطاليا، دفع الأفراد الذين يعملون خارج البلاد 20 في المائة من تكلفة إنشاء قاعة عامة.

وقال رئيس القرية رايموندو ماغسينو، 64 عاما، في مقابلة داخل المبنى: «لم يكن بمقدورنا إتمام ذلك من دون مساعدة العمال الفلبينيين خارج البلاد».

وتمثل التحويلات النقدية، التي تقول الحكومة إنها ارتفعت بصورة كبيرة من 7.6 مليار دولار عام 2003 إلى 17.3 مليار دولار عام 2009، في الفترة الراهنة أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفلبين. كما تعد هذه المبالغ العامل الرئيسي الذي قاد النمو الاقتصادي في البلاد في الآونة الأخيرة، والذي كان من الممكن أن يظل راكدا من دون هذه الأموال. بيد أن الناقدين، بمن فيهم الكثير من العاملين بالخارج، يقولون إن الحكومة تعاني مشكلة الاعتماد على التحويلات المالية، وتغض الطرف عن تكاليفها الاجتماعية، لا سيما تفكك الأسر والاعتماد عليهم في دفع تكاليف الخدمات، مع عدم المقدرة على بناء اقتصاد سليم يوفر وظائف جيدة وكريمة داخل البلاد.

ويعيش نحو 15 في المائة من إجمالي 42 ألف فرد هم سكان مابيني، التي تقع على بعد 80 ميلا جنوب العاصمة مانيلا، خارج البلاد، وفي العادة يعملون كخادمات وممرضات وعمال في مجال الخدمات، إضافة إلى متوسط يقدر بنحو 10 في المائة يعملون في أماكن أخرى داخل البلاد.

وفي صباح أحد الأيام الأخيرة، كانت جوسلين سانتيا، 40 عاما، تحزم حقائبها بعد أجازة مدتها شهرين في القرية لتعود إلى وظيفتها كمديرة منزل في ميلانو. وبدأت جوسلين، وزوجها الذي توفي قبل ستة أعوام، العمل في إيطاليا قبل 20 عاما، بعدما حصلوا على وظيفة عبر إحدى شركات التوظيف.

وقام أجدادها وشقيقها بتربية أطفالها الأربعة في مابيني، على الرغم من أن أكبر اثنين منهم يدرسون الآن في إيطاليا. وتأمل أن تقود تضحياتها في النهاية إلى وظائف جيدة وكريمة لأطفالها. بيد أنه مع رحيلها، وانفصالها عن طفليها الصغيرين، أعربت عن مرارة أن تترك أسرتها.

وقالت: «الأوضاع الاقتصادية هنا سيئة، والمرتبات منخفضة. إنه خطأ الحكومة أنه يجب على الكثير من الفلبينيين السفر إلى خارج البلاد. إذا كانت هناك وظائف كريمة هنا، فلماذا نفكر في السفر للخارج؟» وقال نيلو فيلانويفا، عمدة مابيني، إنه عادة ما يسمع هذا الانتقاد من الأفراد الذين يعملون في الخارج. وجرى انتخاب فيلانويفا عام 2007 عن طريق الحملة الانتخابية التي أطلقها في إيطاليا والدفاع عن مصالح العمال في الخارج. وأوصل العمدة «إيطاليا الصغيرة» بالشبكة القومية للمياه العام الماضي. ومع ذلك، في الوقت الذي سعى فيه فيلانويفا إلى استثمارات العمال خارج البلاد في مصنع للأغذية ومشروعات أخرى، قال إنه شعر بالقلق بشأن اعتماد هذه البلدة واعتماد الدولة على تحويلات العمال في الخارج. وقال: «أصبح الكثير من الناس كسالى الآن لأنهم أفرطوا في الاعتماد على التحويلات المالية».

وقال إن البلدية لا تعتمد فحسب على الاستثمار من عمالها الذين يعملون خارج البلاد، لكنها أصبحت أيضا معتمدة على إيراداتهم بطريقة غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، يرسل معظم العمال بالخارج أطفالهم إلى المدارس الابتدائية الخاصة، التي توجد بها فصول دراسية أصغر حجما وتقدم برامج تعليمية أكثر ثراء وخارجة عن المنهج الدراسي.

وقال فيلانويفا: «إنهم يساعدون الحكومة المحلية لأننا ننفق أقل على المدارس العامة».

وفي مدرسة «سانتا فيه» المتكاملة الخاصة، والتي تتقاضى رسوما سنوية قدرها 370 دولارا، يعد 80 في المائة من طلابها، وعددهم 250 طالبا، من أبناء العاملين بالخارج. ويعمل آباء نصف هؤلاء الطلبة في الخارج، ويعهدون بتربيتهم إلى الأقارب أو مديري المنازل، حسبما ذكرت لويلا ليون، مديرة المدرسة.

ومن بين هؤلاء الأطفال كيت ميشيل ميندوزا، 12 عاما، وشقيقتها كريتسينا، 8 أعوام. وفي ظل عمل والديهما في إيطاليا منذ ميلاد كيت ميشيل، تعيش هاتان الطفلتان مع جدودهما وأبناء أعمامهما، الذين يعمل آباؤهم في سلطنة عمان. ويعود الآباء إلى البلاد مرة كل عام، ويمكثون من شهر إلى شهرين.

وقالت السيدة ليون إنه في حين أن أطفال العاملين بالخارج أفضل من الناحية المالية، لكنهم يفتقرون إلى الانضباط ويحصلون على درجات دراسية منخفضة مقارنة بالأطفال الذين يعيش آباؤهم داخل البلاد. وقالت: «يمتلك أبناء العاملين بالخارج كل شيء من حيث الأجهزة، بما في ذلك أحدث الهواتف المحمولة التي لا تستطيع حتى أن تجدها في العاصمة مانيلا، ولديهم بدلات أكبر من المعلمين. لكنهم واثقون من أنفسهم ومتغطرسون». وأضافت: «لا أفهم كيف يفكر آباؤهم. إنهم يعملون كخدم في إيطاليا ويستعينون بخدم هنا في البلاد للعناية بأطفالهم. إنهم ينظرون إلى أموالهم على أنها أكثر أهمية من أسرهم».

وألقت الحكومة الوطنية الضوء على الآثار الإيجابية لاقتصاد العاملين بالخارج، وتصف هؤلاء العمال بأنهم «أبطال» وتقدم المكافآت للأسرة النموذجية للعاملين بالخارج كل عام.

وفي مقابلة في مانيلا، قالت فيفيان إف تورنيا، مديرة إدارة رعاية العاملين بالخارج بوزارة العمل، إن فوائد الاقتصاد القائم على التحويلات تفوق بكثير التكاليف. وأنكرت أن الحكومات الوطنية والمحلية أصبحت معتمدة على هذه التحويلات، وقالت إن إسهامات العاملين بالخارج في إقامة البنية التحتية تعتبر بكل بساطة «تسديدا للدين» لأنهم لا يدفعون ضرائب الدخل.

وسألت: «في حين أننا نحصل على المساعدة من مؤسسات التمويل الأخرى، لماذا لا نستطيع قبول الأموال من مواطنينا المستعدين والقادرين على تقديم شيء لمجتمعهم؟» وفي حين أن الحكومة رحبت بتحويلات العاملين بالخارج، لم تفعل الكثير لضمان السلامة المالية لهم على المدى الطويل، حسبما ذكر ناقدون. وتوفر «أتيخا»، منظمة خاصة في البلاد، برامج لمحو الأمية المالية للعاملين بالخارج، الذين يميلون إلى الاستثمار في المنازل والمركبات التي تظل غير مستعملة لسنوات. وقالت إيلا كريستينا غلوريان، المستشارة في التمويل الشخصي في «أتيخا»، إن العاملين بالخارج يتحملون في كثير من الأحيان ديونا في الخارج لبناء المنازل التي يحلمون بها هنا. وقالت: «هذا هو أحد الأسباب في أن الكثير منهم لا يستطيع المجيء إلى هنا. يتعين عليهم مواصلة العمل لتسديد ديونهم».

وفي حي بولونغ لوبا، يمتلك العاملون بالخارج نحو نصف المنازل. ولم يجب أحد على جرس الباب في العديد من المنازل، بيد أن جوفيل بونابوس، 16 عاما، المشرف على أحد المنازل، ظهر عند بوابة منزل كبير لونه قرنفلي. وقال إن هذا المنزل مملوك لزوجين وأطفالهما الأربعة يعيشون في إيطاليا. يزورون هذا المنزل مرة واحدة كل عامين، ويمكثون نحو شهرين في كل مرة. وقال إن المنزل يحتوي على أربع غرف نوم وثلاثة حمامات، «ومفروش بالكامل بالأثاث». وفي منزل كبير ليس بعيدا عن المنزل الأول، تعيش لورينا ساوالي باكويلوس، 37 عاما، مع أطفالها الثلاثة في حين أن زوجها يعمل كبحار. وقالت ساوالي باكويلوس، التي ترأس منظمة صغيرة لأسر العاملين بالخارج، إنها تتفهم الحافز وراء بناء هذه المنازل المشيدة على الطراز الإيطالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»