خبير اقتصادي: إسرائيل سمحت بإدخال المواد الاستهلاكية وليس المواد الخام

«فورة» البضائع المستوردة في غزة تعمق الواقع المتردي للاقتصاد

عامل فلسطيني يفحص عبوات مشروب «مكة كولا» في مصنع الشركة خارج مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

تغرق أسواق قطاع غزة بالبضائع المستوردة من إسرائيل ومصر، ويتعرف الغزيون على بضائع جديدة لم يجربوها من قبل، لكن هذه «الفورة» الاقتصادية، لا تعكس بالضرورة نموا اقتصاديا بقدر ما ألحقت ضررا بمصانع محلية أثرت هذه البضائع المستوردة على حجم مبيعاتها.

وقال الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة، رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، لـ«الشرق الأوسط»، «الرفع المفبرك للحصار أضر بالمصانع، لقد أدخلوا مواد استهلاكية بدل المواد الخام اللازمة للتصنيع».

وأوضح أبو مدللة «95 في المائة من المصانع متوقف أصلا بسبب منع المواد الخام، لكن بعض هذه المصانع التي كانت تستطيع بيع منتجاتها ولو بسعر أعلى قليلا بفضل منع البضائع من الدخول، تضررت أكثر اليوم بعدما استمر منع المواد الخام من الدخول، وأدخلت بضائع مستوردة من الخارج وبديلة لمنتجاتها».

ويمكن مشاهدة فورة البضائع الجديدة التي أدخلت إلى غزة في مركز غزة التجاري، الذي فتح أبوابه بعد رفع إسرائيل جزئيا للحصار عن القطاع إثر الضغوط التي مارستها عليها الأسرة الدولية بعد هجومها الدامي في 31 مايو (أيلول) الماضي على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إلى القطاع.

ويبيع المتجر الكبير كل شيء مستورد جديد، من عصائر مختلفة وملابس وألعاب وسكاكر ومواد منزلية. وقال سليم «أصبحنا نرى في القطاع مشروبات لم نرها من قبل، الناس تجرب كل شيء جديد ونسيت المشروبات المحلية».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن موسى صيام صاحب مصنع مرطبات «مكة كولا» الغازية قرب مدينة غزة قوله «اضطررنا بسبب تدفق البضائع من إسرائيل والضفة الغربية والأردن إثر قضية الأسطول إلى وقف منتج من مجموعة إنتاجنا».

وأوضح «لم يكن بوسعنا منافسة الأسعار لأن ثمة على الدوام مواد أولية لا يمكننا استيرادها إلى غزة» في إشارة إلى ثاني أكسيد الكربون الذي يضطر إلى إنتاجه بنفسه بكلفة أعلى بكثير من ثمنه عند استيراده. وأضاف «اضطررت إلى تسريح عشرين موظفا».

وقد اضطر المصنع سابقا إزاء ما تكبده من أضرار نتيجة هذه الحرب إلى إلغاء منتجين، غير أنه تمكن من مواصلة جزء من نشاطاته بفضل المواد الأولية التي كانت تهرب من الأنفاق المحفورة تحت الحدود مع مصر.

وعقب أبو مدللة قائلا، «مثل هذه المصانع ازدهرت قليلا بغياب البضائع عن غزة، واليوم فإنها أكثر من تضرر بدخول البضائع». وأضاف، «لا توجد سياسة لحماية المنتج المحلي».

وقدر صندوق النقد الدولي نسبة النمو في قطاع غزة بـ 16 في المائة في النصف الأول من السنة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2009، ناسبا هذا التحسن إلى إجراءات تخفيف الحصار، ولكن هذه النسبة انطلقت من «قاعدة متدنية جدا» وترافقت مع معدل بطالة يفوق 35 في المائة وهو من الأعلى في العالم.

وقال أسامة كنعان، الذي وضع تقرير صندوق النقد الدولي، إن «المنتجين ما زالوا يواجهون عراقيل بالنسبة للواردات والصادرات على السواء»، متوقعا أن تنهار نسبة النمو العالية هذه بسرعة في حال لم ترفع تدابير الحظر المتبقية.

وحذرت ساري باشي مديرة جمعية «جيشا» الإسرائيلية لحقوق الإنسان من أن الوضع غير طبيعي على الإطلاق على الرغم من تخفيف الحصار عن القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ يونيو (حزيران) 2007.

وأوضحت باشي، التي تدرس وطأة الحصار، أن «المواد الأولية تملأ 4 في المائة فقط من الشاحنات الأربعة آلاف التي تعبر كل شهر! مقابل 5.13 في المائة من حمولات 10400 شاحنة كانت تعبر كل شهر» قبل الحصار! معتبرة أن الوضع لم يشهد تحسنا ملموسا. وقالت «إن الصادرات وتنقل الأشخاص محظوران، وإسرائيل لم توقف إطلاقا حربها الاقتصادية».

وفي وقت تقول فيه إسرائيل إنها لم تعد تفرض قيودا على استيراد المنتجات المدنية المحض، وتشير إلى «مشكلات في التنسيق» مع السلطة الفلسطينية لتبرير بقاء عدد الشاحنات أقل بكثير من طاقة معبر كرم سالم المعلن عنها أساسا وقدرها 250 شاحنة في اليوم، ترد السلطة باتهام إسرائيل وحدها بالمسؤولية الكاملة عن الوضع.

وفي بيت لاهيا شمال القطاع كان مصنع أبو دان للنسيج قبل 2006 يوظف 150 عاملا وينتج ألفين إلى ثلاثة آلاف قطعة في اليوم تصدر جميعها إلى إسرائيل.

واليوم تراجع إنتاج المصنع بعد حرمانه من هذه السوق إلى عشر ما كان عليه فيما لم يعد يوظف سوى ستين أو سبعين عاملا غالبا ما يعملون بصفة مؤقتة! في مواجهة سوق مشبعة بالبضائع.

وقال جهاد أبو دان «سوق غزة صغيرة وحين ترد بضائع من إسرائيل ومصر لا يعود في وسعها استيعاب المزيد».

وقال أبو مدللة «إسرائيل لم تسمح لهذه المواد بالدخول بل أرسلت لنا مواد استهلاكية ليس فيها ما يمكننا من تشغيل مصنع واحد أو بناء لبنة واحدة جديدة».