المنتجات الصينية تغرق الأسواق السورية.. وتهدد البضاعة المحلية

بعض السوريين يفضلون المنتجات الرخيصة بغض النظر عن جودتها

TT

تنامى تغلغل المنتجات الصينية في الأسواق السورية بشكل لافت وطاغٍ خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة بدأت معه حتى المجمعات الحكومية التي تدعم المواطن سعريا بالاعتماد على السلع الصينية لتوفير المنتجات المتدنية الثمن، خصوصا مع الارتفاع الحاد في الأسعار الذي شهدته مختلف السلع في الأسواق مع تحرير التجارة.

وينتشر في سورية حاليا أكثر من 500 متجر متخصص ببيع المنتجات الصينية حصرا، هذا عدا عن احتلال هذه المنتجات للحيز الأكبر من المولات ومتاجر التجزئة في البلاد، كما يبدو حضور الألبسة الصينية قويا ويشكل ضغطا على المنتج المحلي وحتى المستورد من الدول المجاورة.

وتؤكد البيانات الإحصائية الرسمية الخاصة بالتجارة الخارجية أن قيمة المستوردات السورية من جمهورية الصين الشعبية خلال عام 2008 بلغت نحو 91.500 مليار ليرة، مشكّلة بذلك نسبة قدرها 10.9% من إجمالي المستوردات السورية خلال العام المذكور والبالغة نحو 839.418 مليار ليرة، ونحو 43.21% من إجمالي المستوردات السورية من البلدان الآسيوية، والبالغة نحو 211.711 مليار ليرة، بينما تشير البيانات إلى أن إجمالي قيمة المستوردات السورية من الصين خلال عام 2007 سجلت نحو 54.363 مليار ليرة، أي أن هناك زيادة في عام 2008 تبلغ نحو 37.137 مليار ليرة بزيادة قدرها 69% مقارنة بمستوردات عام 2007، وتبين مؤشرات التجارة لعام 2009 وصول قيمة المستوردات السورية من الصين إلى نحو 120 مليار ليرة.

وقد كان قيام الحكومة باستيراد نحو 600 حافلة للعمل في خدمة النقل العام من الصين، ومن ثم الموافقة على التعاقد مجددا على صفقة حافلات جديدة، مؤشرا واضحا على أن التعامل مع المنتجات الصينية يجري بالطريقة نفسها التي يتم اتباعها في التعامل مع مستوردات أي دولة، ولهذا أيضا فتحت الحكومة الباب للسيارات الصينية لتوجد في السوق المحلية كأي ماركة أخرى، وغير ذلك الكثير من الأمثلة.

ومع هذا التوجه الكبير نحو المنتجات الصينية والمنافسة غير المتكافئة التي خلقتها بدأت الشركات والمنتجات الصينية تواجه معارضة متزايدة، تتمثل أولا في جهات ومؤسسات عامة بدأت تشترط مسبقا في مناقصاتها الخارجية استبعاد المنتجات والسلع الصينية المنشأ، وقد تم أكثر من حالة تسجيل رفض عروض تقدمت بها شركات صينية لمجرد أنها صينية رغم منافستها في السعر.

وتشير التوقعات إلى أن هذه الحالة قابلة للاتساع مع التشدد في رفض المنتج الصيني، خصوصا أن الجهات العامة السورية درجت منذ سنوات طويلة على تأمين احتياجاتها من أهم الماركات الأوروبية، وحيث يتم التركيز على الجودة عادة في أي مناقصة خاصة بالجهة العائدة للدولة.

أيضا لم تخفِ شركات خاصة مصنعة ومستوردة قلقها من التغلغل الهائل للمنتجات الصينية المتدنية السعر والعجز عن منافستها، إلا أن الأمر هنا غير قابل للتعميم، إذ إن هناك منتجات صينية بمواصفات جيدة تدخل إلى الأسواق السورية وبأسعار عالية تضاهي مثيلاتها الأوروبية، وهذه السلع كانت أقل حظوة من السلع المتدنية السعر بسبب المنشأ الصيني، فالمستهلك الذي يرى أن سلعة ما مصنعة في الصين بنفس سعر مثيلتها المصنعة في فرنسا يفضل عدم الشراء، وهذا ما عانت منه الكثير من الوكالات العالمية التي دخلت إلى الأسواق السورية بمنتجات مصنعة في الصين، ورغم اجتهادها في شرح التقيد بالجودة والمواصفات فإن سلوك المستهلك السوري عادة ما يرفض شراء السلعة الصينية بسعر عالٍ.

يقول أحمد حيدر صاحب متجر لبيع المنتجات الصينية: «إن المستهلك السوري لديه خلفية راسخة عن المنتج الصيني الذي يجب أن يكون ضمن حدود معينة لا يجوز تجاوزها بنظره وإلا فإنه يفضل الذهاب إلى خيارات أخرى... لذلك فإن السلع المتدنية السعر تشكل السمة الأساسية للمنتج الصيني في سورية من حيث الرواج وإقبال الزبائن عليه، أما السلع المرتفعة السعر فعادة ما يكون الاتجاه لغيرها دون أن يكون هناك وعي لفرق الجودة بين السلعة ذات السعر المتدني وتلك المرتفعة السعر».

ومن هنا فإن الدعوات بدأت تتصاعد، خصوصا لدى الجهات العامة، إلى التشدد في المواصفات والشروط الفنية والاقتصادية وإجراءات الضمان والكفالات الخاصة بالسلع ذات المنشأ الصيني، قوبلت بإطلاق جمعية حماية المستهلك والغرف التجارية والصناعية دعوات لوضع حد للسماح العشوائي باستيراد المنتجات الصينية دون مراعاة الجودة.

ويرى محمد توفيق، وهو تاجر في سوق الحريقة العريق بدمشق، «ضرورة قطع الطريق على دخول السلع والمنتجات المتدنية الجودة وإلزام المستوردين بحد معيّن من التقيد بالمواصفات».

وتعقد أوساط صناعية وتجارية الآمال على بدء سورية بتطبيق المراقبة على المستوردات من قبل شركة سويسرية لمراقبة المنتجات الصينية التي تدخل الأسواق السورية، وإجبار المستوردين على إدخال سلع صينية بمواصفات جيدة كتلك التي تدخل إلى الأسواق الأوروبية والأميركية بشكل يساهم في حماية المستهلك من السلع المتدنية الجودة، وتأمين منافسة حقيقية بين المنتج المحلي والمنتج الصيني على قواعد سليمة، خصوصا أن انجراف المستوردين نحو السلع الصينية تسبب في إغلاق مئات المعامل والورش والمحلات المنافسة وتسريح عمالها.

وفي كل ذلك تحاول الجهات المختصة في سورية تطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع الصين باتجاه تحويل سورية من بلد مستورد بكثرة ونهم للمنتجات الصينية، إلى بلد مستورد للاستثمارات الصينية ومصدر للمنتجات السورية.