نيودلهي: قلق في أوساط قطاع التقنية بسبب إجراءات أميركية ضد الصادرات الهندية

60 مليار دولار حجم القطاع

تواجه شركات التقنية الهندية التي تحصل على أكثر من نصف عوائدها من الولايات المتحدة تحديات الركود الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ التباطؤ الاقتصادي العالمي يتراجع، ومع ذلك يجد قطاع التقنية الهندي نفسه في غمرة تقلبات مستمرة. ويقدر قطاعا التقنية والتعهيد داخل الهند بقيمة 60 مليار دولار، وتمثل الصادرات نحو 50 مليار دولار من ذلك، بينما يمثل الباقي قيمة عوائد داخلية. وقد شهد الشهران الأخيران إجراءات داخل الولايات المتحدة بعثت شعورا بالقلق داخل قطاع التقنية الهندي.

وتتضمن هذه الإجراءات خطوة تتسم بالقسوة، حيث فعلت الولايات المتحدة زيادة مثيرة للجدل قيمتها 2000 دولار في رسوم تأشيرة «إتش-1 بي»، وحظرت ولاية أوهايو مؤخرا من تعهيد الأعمال من جانب الإدارات الحكومية لدول أجنبية. وزاد الأمر سوءا بعدما أثار الرئيس الأميركي باراك أوباما أيضا «بعبع» التعهيد من جديد، وأكد على أنه سينهي «الإعفاءات الضريبية» التي تتمتع بها شركات «تخلق وظائف وتحقق أرباحا في دول أخرى»، ويأتي ذلك قبل زيارة من المقرر أن يقوم بها الرئيس الأميركي إلى الهند في نوفمبر (تشرين الثاني).

وتواجه شركات التقنية الهندية، التي تحصل على أكثر من نصف عوائدها من الولايات المتحدة، تحديات يطرحها ركود كبير داخل الولايات المتحدة.

وطبقا لـ«ناسكوم»، التي تقع على رأس قطاع التقنية داخل الهند، فإن عوائد التصدير في قطاعي التقنية والتعهيد يحتمل أن تصل إلى 225 مليار دولار بحلول 2020، وتشير النبرة الحادة داخل الولايات المتحدة وحصص الهجرة الجديدة داخل المملكة المتحدة إلى واقع جديد في السوق، حيث تتأثر القرارات بالسياسة أكثر من تأثرها بالأوضاع الاقتصادية.

وفي الوقت الحالي، يعمل داخل هذا القطاع نحو 3 ملايين شخص في مختلف أنحاء الهند، وقد أثر ذلك بدرجة كبيرة في تغير نظرة الغرب للهند.

وتحصل الكثير من شركات التقنية الهندية مثل «إنفوسيس تكنولوجيز» و«ويبرو» و«إتش سي إل تكنولوجيز» و«تي سي إس» على 60 في المائة من عوائد صادراتها من الولايات المتحدة. وتقوم أغلب الشركات ضمن أبرز 500 شركة في العالم بتعهيد أعمال لها داخل الهند. ويمكن أن يؤدي المناخ الاقتصادي السيئ والخطاب السياسي التحريضي إلى إلحاق ضرر بالغ بقطاع التعهيد داخل الهند، حيث بدأت شركات أميركية تتجنب التعاقد مع كيانات خارج البلاد خشية رد فعل سلبي من جانب السياسيين.

ومن المتوقع أن تضيف الزيادة في رسوم التأشيرة 250 مليون دولار على فاتورة التأشيرات داخل الهند سنويا. وقد وصفت نيودلهي هذه الزيادة بأنها «تميزية» لأن الزيادة في تأشيرة «إتش-1 بي» أو «إل-1» ستطبق على شركات في حوزة أكثر من نصف قوة عمالتها الأميركية تأشيرات «إتش-1 بي» و«إل-1»، ويضمن هذا التعديل أن شركات مثل «ميكروسوفت» و«إنتل»، التي يوجد بها أكبر عدد من الموظفين الأميركيين لن تتأثر بذلك، ولكن ما أثار حالة من الغضب والدهشة داخل الهند هو تصريحات السيناتور تشارلس شومر الذي شبه «إنفوسيس تكنولوجيز» بـ«مكان لتفكيك أشياء مسروقة تمهيدا لبيعها». وقال تي في موهاناس باي، مدير الموارد البشرية داخل «إنفوسيس للتقنية»: «هذه تصريحات مهينة، وهذا سلوك غير مقبول.. ونعتقد أن النقاش يجب ألا ينحط إلى هذا المستوى».

وكشفت مصادر داخل القطاع عن أن ستة عملاء على الأقل لشركات التقنية الثلاث الأكبر داخل الهند - «ويبرو» و«إنفوسيس» و«تي سي إس» - أرجأوا قرارات بخصوص تعاقدات جديدة خلال الربع الأخير، مما أثار مخاوف داخل بنغالور وحيدر آباد ومومباي، التي توجد بها مقرات شركات التقنية الأكبر داخل الهند.

ويقول محللون يتابعون قطاع التقنية إن شركات التقنية الهندية تشهد عمليات إرجاء وترحيل لمشاريع للمرة الأولى خلال عام. وقال المحللان التابعان لـ«مورغان ستانلي» فيبين خار وغاوراف باتيريا في مذكرة بحثية نشرت في 9 سبتمبر (أيلول): «دراسة (ويبرو) أظهرت أن الشركة شهدت إشارات على تأخر مشاريع من جانب عدد قليل من العملاء الكبار بسبب الشكوك داخل بيئة الاقتصاد الكلي».

وفي تصريحات إعلامية مؤخرا، قال إس كريس غوبالاكريشنان، الرئيس التنفيذي داخل ثاني أكبر مصدر للبرمجيات في الهند «إنفوسيس»: «نرى من عملائنا التزاما على المدى القصير، كما أنهم يحتفظون بحق الإلغاء. ومن الواضح أن الجميع يرغب في اللعب على المدى القصير في هذا الوقت». وأضاف: «لم يتم العملاء أي تعاقدات ضخمة، وللأسف انتخابات نوفمبر تجعلهم أكثر حذرا».

وتعد شركة «إنفوسيس»، التي تصنف «بنك أوف أميركا» والكثير من شركات التجزئة داخل الولايات المتحدة بين عملائها البارزين، بين الكيانات الأولى التي أثارت المخاوف لدى القطاع.

وفي هذه الأثناء، بدأ بعض العملاء يقللون من نفقاتهم ويطلبون من البائعين مثل «تي سي إس» و«ويبرو» و«إنفوسيس» تمويل مشاريع جديدة. وهذه الارتباطات تتطلب استثمارات مقدمة قيمتها ما بين 1-10 ملايين دولار، اعتمادا على عدد رخص المستخدمين التي سيتم شراؤها. ويقول مصدر في القطاع: «لم يعد يحصل العملاء على المزيد من الأموال، ويطلبون من البائعين تقليل التكاليف وإدارة الوضع وفق ما لديهم».

ويقول مسؤول تنفيذي في قسم الموارد البشرية بإحدى شركات التقنية الهندية الكبيرة، طالبا عدم ذكر اسمه: «تنتظر بعض الشركات الأميركية انتخابات نوفمبر، ويدرسون الأوضاع خلال العام المقبل قبل الالتزام بأي مشاريع تقنية كبرى. وفي بعض الحالات نرى دائرة المبيعات تعود إلى مستويات 2008».

وستعقد انتخابات على مقاعد مجلس النواب داخل الولايات المتحدة في 2 نوفمبر. وستعقد الانتخابات على جميع مقاعد مجلس النواب وعددها 435 مقعدا و36 مقعدا بمجلس الشيوخ. كما ستعقد الكثير من الولايات انتخابات على منصب الحاكم ومقاعد مجلسي الشيوخ والنواب. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهوريين متقدمون على الديمقراطيين، وتشهد تقييمات الرئيس باراك أوباما تراجعا بدرجة كبيرة. ولكن يشعر البعض أن ذلك سيكون له أثر ضئيل، إذ إن قطاع التقنية الهندي مرتبط بالقطاع الخاص داخل أميركا أكثر من ارتباطه بميزانيات الحكومة المخصصة للتقنية. وتمثل الولايات المتحدة نحو 61 في المائة من حجم نشاط قطاع التقنية في الهند، كما أن صادرات الخدمات التي تعتمد على التقنية يأتي معظمها من القطاع الخاص في الولايات المتحدة.

ويشعر محللون داخل القطاع أن التحرك من أجل الحد من التعهيد داخل الولايات المتحدة سيكون له أثر كبير على كيانات بارزة داخل الولايات المتحدة مثل «آي بي إم» و«هيوليت باكارد» و«ميكروسوفت» و«إسنتور» و«أوراكل»، التي يوجد لهم وجود بارز داخل الهند.

ووفقا لما تفيد به بيانات، فإن هذه الشركات وحدها لها حصة تبلغ ما بيع 11-13 في المائة من المشاريع الحكومية الأميركية. وتقول شركة الأبحاث «ثولون» إن معظم الشركات الأميركية الكبرى لها وجود بارز داخل الهند، ويتم تعهيد معظم العمل إلى الهند.

وتعليقا على هذا الوضع، يقول سوبروتو باغتشي، نائب رئيس «ميند تري»: «تحاول الحكومة الأميركية حل قضية اقتصادية من خلال إجراء سياسي، وسيقولون مع ذلك إن الهند شريك استراتيجي». وأضاف: «لا يوجد شيء جديد، ففي الثمانينات، كانت على وشك سحق اليابان. وقبل اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا، كان هناك بعض من الذين يسعون إلى سحق المكسيك أيضا. وبعد ذلك كانت الصين، والآن الدور على الهند. ومن المفارقة أن الولايات المتحدة التي كانت في طليعة السوق الحرة، تخاطر بأن ينظر إليها على أنها تتزعم النهج الحاد».

ولا تعد السوق الأميركية السوق الوحيدة التي تتخذ مثل هذه الإجراءات، ففي إطار جهود لتقليل معدلات الهجرة، تسعى المملكة المتحدة إلى وضع حصة سنوية لهجرة العمال المهرة من الدول غير الأوروبية. وعلى الرغم من أن شركة «إنترا كمباني ترانسفيرز» - التي كانت تستخدم في الأغلب لإرسال عمال التقنية الهنود إلى المملكة المتحدة - قد نأت بنفسها عن الحصص المؤقتة حاليا. ثمة تساؤلات بشأن الوضع بعد أبريل (نيسان) 2011، عندما يبدأ تطبيق الحصص الدائمة.

وسيكون من المثير مشاهدة كيف تؤثر هذه العوامل على قطاع في مرحلة التعافي بعد تباطؤ استمر على مدار 18 شهرا في ظل ركود عالمي. ويقول خبراء إن معدلات التغيير يمكن أن تكون أكبر، على الرغم من أن قطاع التقنية الهندي يعني تكاليف أقل وجودة أكثر.