هل قرعت طبول «حرب تجارية» بين أكبر اقتصادين في العالم؟

بعد إقرار الكونغرس الأميركي مشروع قانون يعاقب الصين بسبب قيمة اليوان

TT

يبدو أن أكبر اقتصادين في العالم مقبلان على «حرب تجارية مفتوحة» قد تكون لها تبعات، ليس فقط على اقتصاد البلدين، إنما على الاقتصاد العالمي برمته، بحسب ما يعتقد في الصين، التي ترى في إقرار الكونغرس الأميركي، مساء أول من أمس، مشروع قانون يعاقب بكين بسبب قيمة اليوان «قرعا لطبول حرب تجارية ضد الصين».

وفي ردها على هذه الخطوة، حذرت وزارة الخارجية الصينية واشنطن أمس من أن مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب الأميركي، والذي يعاقب الصين بسبب عدم سماحها بارتفاع قيمة عملتها اليوان بوتيرة أسرع، يمكن أن «يؤثر بشكل خطير» على العلاقات الثنائية والروابط الاقتصادية. وقالت وزارة الخارجية إن بكين «تعارض بحزم» مشروع القانون، الذي فيه اتهام للصين بالتلاعب بعملتها اليوان، واعتبرت أنه «لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية».

وأقر مجلس النواب الأميركي أول من أمس بأكثرية كبيرة مشروع قانون ينص على تدابير عقابية ضد الصين إذا لم تقدم على تحديد سعر لصرف عملتها يتناسب مع قيمتها الفعلية، مؤكدا أن هذا الأمر يضر بسوق العمل الأميركية، وذلك قبل الانتخابات التشريعية المهمة في البلاد. وأقر النواب نص القانون بأكثرية 348 صوتا مقابل 79 في موقف غير معتاد ضد الصين يعكس استياء الناخبين بسبب تداعي الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 10 في المائة قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). وسيحتاج مشروع القانون إلى إقراره بمجلس الشيوخ ثم توقيع الرئيس باراك أوباما عليه حتى يصبح قانونا. وبحسب «رويترز» لم يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما رسميا ما إذا كان سيوقع النص ليصبح قانونا نافذا. وقبل ساعات من التصويت كان أوباما قد قال خلال تجمع يشبه حملة انتخابية في آيوا إن اليوان «دون قيمته الفعلية»، مما يساهم في زيادة العجز التجاري الأميركي مع الصين. وأضاف الرئيس الأميركي: «بعض الناس يعتقدون عموما أنهم يديرون عملتهم بشكل يجعل بضائعنا أغلى ثمنا للبيع وبضائعهم أرخص لكي تباع هنا».

وإذا ما أقر القانون فإنه يطلب من الحكومة الأميركية أن تعتبر تصرفات بكين إعانة عامة للتجارة لا تتطابق مع القواعد، كما يوسع سلطات وزارة التجارة الأميركية عبر السماح لها بفرض رسوم أعلى على البضائع الصينية. وقالت نانسي بيلوسي الديمقراطية رئيسة مجلس النواب الأميركي: «نقوم بهذا الأمر لأن مليون وظيفة أميركية يمكن أن تخلق إذا عمدت الحكومة الصينية إلى اتخاذ موقف مغاير». وأضافت بعد التصويت أن «العلاقات الأميركية - الصينية مهمة في كل المجالات الثقافية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، لكن من الضروري أن يلتزموا بالقوانين». وأعرب عدة نواب من مؤيدي ومعارضي مشروع القانون أنهم يفضلون معالجة هذه المسألة بشكل متعدد الأطراف، معربين عن قلقهم من أن تؤدي أي حرب تجارية مع الصين إلى الإساءة أكثر إلى سوق العمل الأميركية. ووفقا لمراقبين وتقارير إعلامية، فمن المستبعد أن يوافق مجلس الشيوخ الأميركي على القانون.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن هذه الخطوة «رمزية لكنها لها دلالتها» في النزاع الدبلوماسي بشأن سعر الصرف.

ويقول نواب أميركيون إن قيمة اليوان أقل مما يفترض أن تكون عليه، وفقا لظروف سوق الصرف الحرة، الأمر الذي يعطي المنتجات الصينية ميزة سعرية غير عادلة في الخارج.

وقبل ساعات على التصويت في مجلس النواب الأميركي تعهد البنك المركزي الصيني في بيان بـ«زيادة مرونة العملة»، ملتزما بـ«تحسين آلية تثبيت سعر الصرف تدريجيا». وكان المصرف استخدم اللغة نفسها في بيان مماثل أصدره في يونيو (حزيران) ارتفع بعده سعر صرف اليوان بشكل طفيف إزاء الدولار. وعادة ما تلجأ الصين إلى هذا الأسلوب عبر السماح بارتفاع طفيف لسعر اليوان حينما تتوقع أن تتعرض إلى ضغوط مكثفة بسبب سعر صرف عملتها. وكان الرئيس الأميركي عرض هذا الأمر مع رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي لكن دون أن يؤدي طلبه إلى أي نتيجة. والعجز التجاري الأميركي مع الصين سجل تراجعا طفيفا إلى 92.25 مليار دولار في يوليو (تموز) مقابل 15.26 مليار دولار في يونيو، بحسب أرقام وزارة التجارة الأميركية. وظل موضوع قيمة اليوان في شد وجذب كبيرين وجدل محتدم بين واشنطن وبكين، ومن أكثر المواضيع نقاشا وإسالة للمداد ليس في الصحافتين الصينية والأميركية فقط، إنما في الصحافة العالمية.

وإذا كان الأميركيون يرون أن إبقاء الصين على عملتها منخفضة لا يخدم المنافسة الاقتصادية الشريفة، فإن الصينيين يرون أن «مشكلات واشنطن وعجزها التجاري مع بكين ليس مسؤولية الصين»، وكأنهم يشبهون ضمنيا الولايات المتحدة الأميركية (أكبر اقتصاد في العالم) بفريق كرة القدم الأقوى، الذي عندما خسر المباراة مع غريمه الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) «الأضعف»، اتهم الفريق الخاسر نظيره الفائز بأنه يلجأ إلى «الدفاع» بالتحكم في عملته المحلية! ويؤمن الصينيون بأن الأميركيين لا يمتلكون وحدهم أوراق المسألة، فإذا ما مضت واشنطن في «عقوباتها» ضد بكين، فبإمكان الأخيرة الرد عليها بإجراءات عقابية مماثلة.

ويرى الصينيون أن موضوع قيمة عملتهم مسألة استراتيجية، وأنه من الأفضل لهم مقاومة ضغوط واشنطن على المغامرة بتحرير العملة الصينية وفق قواعد السوق، مثلما فعلت اليابان في ثمانينات القرن الماضي، عندما حررت عملتها الين تحت الضغوط الأميركية، وهي تدفع ثمنا باهظا الآن مع ارتفاع الين مقابل الدولار.

واللافت في الموضوع أنه على الرغم من الخلاف الواضح بين واشنطن وبكين وحرص كل طرف على مصالحه، فإنهما يعرفان أن «مصلحتهما المشتركة» أكبر، فالبلدان في حاجة ماسة إلى بعضهما، خاصة أثناء هذه الأوقات الاقتصادية العالمية الصعبة. فالصين مثلا في حاجة إلى السوق الأميركية الكبيرة، والولايات المتحدة في حاجة إلى الصين، أكبر مستثمر في السندات الحكومية الأميركية، أي عمليا أكبر دائن لواشنطن.