لبنان: مخاوف من تقلص إضافي للنمو ينتج عن الإخلال بالاستقرار الداخلي

توقعات بتراجع النمو العام الحالي من 9 إلى 6% بعد تباطؤ أداء قطاعات أساسية

TT

تتصاعد مخاوف الاقتصاديين والخبراء من التداعيات المحتملة لزيادة التوترات السياسية في لبنان. بما يؤدي إلى تبدل صريح في مسار النمو الاقتصادي القوي الذي تسجله القطاعات الأساسية، ضمن وتيرة صاعدة تتواصل طردا منذ منتصف عام 2008، مدعومة بعدم تأثر القطاعين المصرفي والمالي بالأزمة المالية الدولية وانعكاساتها المتواصلة على مجمل الاقتصادات الإقليمية والدولية.

وتم رصد أول مؤشرات التباطؤ من خلال تسجيل تراجع مطرد في حركة الإنفاق الاستهلاكي، يرافقه تقلص نمو مبيعات السيارات والسلع المعمرة وعودة الجمود النسبي إلى النشاط العقاري، وضمور النمو في القطاع السياحي بعد الموسم الصيفي، وتراجع متوسطات النمو في القطاع المصرفي (باستثناء التسليفات) إلى معدلات تراوح بين 10 و12 في المائة سنويا مقابل نحو 23 في المائة محققة في العام الماضي. والتراجع الجزئي، حتى الآن، لتدفق الرساميل الوافدة وتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج الذي ترجمه تقلص الفائض التراكمي لميزان المدفوعات الذي بلغ رقما قياسيا تاريخيا، في نهاية العام الماضي، عند مستوى 7.9 مليار دولار.

وتبعا لهذه المؤشرات التي سبق البعض منها التصعيد السياسي المستجد ثم تعرضت لضغوط إضافية بسببه، انحدرت ترقبات نمو الاقتصاد اللبناني للعام الحالي من متوسط 8 إلى 9 في المائة وفق تقرير سابق للبنك الدولي إلى متوسط 5 إلى 6 في المائة وفق التقارير التقييمية الحديثة الصادرة عن مؤسسات مالية محلية وخارجية. وهي مرشحة «لإعادة النظر» بعد بروز مخاوف جدية من إفرازات أمنية يسببها هذا التصعيد.

وقد حافظ أداء القطاعات الأساسية على وتيرته الإيجابية المرتفعة خلال النصف الأول من العام الحالي، مرجحا نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 9 في المائة المسجلة في العامين الماضيين على التوالي. لكن زيادة حماوة التوترات الداخلية، التي طالت تأثيراتها قطاعات ناشطة يتقدمها قطاعا السياحة والخدمات بالتزامن مع حلول شهر رمضان المبارك في ذروة الموسم السياحي الصيفي وفرضت انحسارا نسبيا في الإنفاق الاستهلاكي، قلصت الحصيلة المرتقبة إلى أقل من 7 في المائة.

وتوقع البنك الدولي، في آخر تقرير له عن الاقتصاد اللبناني، تسجيل نمو نسبته 8 في المائة، وهو من أعلى ترقبات النمو في الاقتصادات الإقليمية والدولية للعام الحالي. كما توقع نموا بنسبة 7 في المائة للعام المقبل، و6 في المائة لكل من العامين 2012 و2013.

أما المعهد الدولي للتمويل فتوقع في أحدث تقاريره أن يبلغ حجم النمو الاقتصادي في لبنان 7 في المائة سنة 2010 و6.5 في المائة في 2011، مسجلا بذلك انخفاضا عن نسبة 8.6 في المائة التي حققها عام 2009. وأشار إلى «أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سجل نموا بنسبة 9 في المائة في النصف الأول بدافع من النشاط القوي الذي شهدته البلاد». لكنه توقع في المقابل «تراجع النمو في النصف الثاني من السنة ليسجل ما نسبته 5 في المائة، بسبب تصاعد التوتر السياسي المرتبط بصدور نتائج التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واحتمال تراجع ثقة المستهلك وتباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي».

وتوافقت تقارير دولية إضافية مثل صندوق النقد الدولي، وميريل لينش، و«Economist Intelligent Unit» على أن نسبة النمو ستراوح بين 5 و6% للعام 2010، حيث يبقى الاقتصاد اللبناني في وضع مناسب يخوله الحفاظ على النشاط المناسب، كما أن المؤشرات المحلية تشير إلى حجم الطلب القوي مع النمو السنوي الكبير في عدد السياح، والشيكات المتقاصة، والمساحات المرخصة للبناء، وتدفقات الودائع إلى الجهاز المصرفي.

ويوضح التقرير الاقتصادي الدوري الذي تصدره مجموعة «فرنسبنك» عن النصف الأول من السنة أن هذه الفترة شهدت تطورا مهما في عدد من المؤشرات الأساسية المعبرة عن نشاط القطاعات الاقتصادية الرئيسية، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك من خلال زيادات محققة شملت عدد المبيعات العقارية بنسبة 39 في المائة، عدد السياح بنسبة 26.62 في المائة، قيمة المشتريات الخالية من الضرائب بنسبة 28 في المائة، حركة المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي بنسبة 19 في المائة، حركة البضائع المشحونة وغير المفرغة عبر مرفأ بيروت بنسبة 5.2 في المائة.، عدد المستوعبات العاملة في مرفأ بيروت بنسبة 3.9 في المائة، تقاص الشيكات على صعيد القيمة بنسبة 37.2 في المائة، إضافة إلى بلوغ معدلات الإشغال في الفنادق إلى 72 في المائة.

وفي هذا السياق، أفاد المعهد الدولي بأن السيناريو الإيجابي الذي يتوقعه يشير إلى احتواء التوتر السياسي واستمرار الجو السياسي المستقر نسبيا خلال الفترة المقبلة، مما سيؤدي إلى تراجع المخاطر التي تطول استقرار سعر الصرف والنظام المصرفي إلى مستويات منخفضة جدا.

كذلك، توقع أن يحافظ النمو على مستوى مرتفع على المدى المتوسط في حال استمرار الاستقرار السياسي وإحراز بعض التقدم على مستوى الإصلاحات البنيوية. وأشار إلى أن قطاعات الصناعة والطاقة والبناء ستدفع بالنمو قدما على المستوى الإنتاجي، في حين سيساهم الاستثمار وتصدير السلع والخدمات في تعزيز الحركة على مستوى النفقات.

وتجمع التقديرات على أن تنفيذ خطة إصلاح قطاع الطاقة، وخصوصا مؤسسة «كهرباء لبنان»، سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات وارتفاع ملحوظ في معدل النمو الاقتصادي السنوي يصل إلى 2 في المائة على الأقل على المدى المتوسط. في المقابل، قد تساهم هذه العوامل في تعويض التباطؤ المتوقع في نمو الاستهلاك في القطاع الخاص، مما سيحافظ على معدل نمو سنوي لا يقل عن 6.5 في المائة.

وفي موازاة ذلك، أشار المعهد إلى أنه من المتوقع أن يؤدي استمرار نمو العائدات الضريبية والتأخيرات الحاصلة في تنفيذ موازنة 2010 إلى تقليص العجز الإجمالي في الموازنة العامة وتحقيق فائض أولي يفوق التوقعات السابقة. وذكر أن التأخير في إقرار وتنفيذ الموازنة، وتحديدا في مجال الإنفاق الاستثماري، إلى جانب التراجع الإضافي المتوقع في حجم التحويلات إلى مؤسسة «كهرباء لبنان»، قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق بنسبة تقل عن 10 في المائة بدل 16 في المائة التي توقعها مشروع الموازنة.

وتوقع أن يبلغ عجز الموازنة الإجمالي، باستثناء الهبات، 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي، مسجلا بذلك تراجعا عن عجز بلغ 8.7 في المائة من الناتج المحلي في العام الماضي. ومن المتوقع أن يبلغ الفائض الأولي ما نسبته 3 في المائة من الناتج بعدما سجل ما نسبته 8.7 في المائة في نهاية 2009. كما يتوقع المعهد أن يصل الدين العام إلى 136 في المائة من الناتج الإجمالي في نهاية العام، بعدما سجل ما نسبته 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي.

ولكن المعهد حذر من أن الوضع الحالي الذي يشهد نموا اقتصاديا متسارعا ومعدلات فائدة عالمية منخفضة وفائضا في السيولة في النظام المصرفي لن يستمر على الأرجح على المدى المتوسط. لذلك، حث السلطات اللبنانية على تجنب الشعور بالاطمئنان والتوصل إلى إجماع حول الإصلاحات البنيوية بغية المحافظة على مستويات مرتفعة من معدل النمو وخفض الدين العام إلى مستويات مقبولة.

ولفت تقرير «فرنسبنك» إلى أن الوضع النقدي حافظ على استقراره العام، إذ بلغت الزيادة الإجمالية في العرض النقدي (M4) بالليرة، على امتداد النصف الأول من السنة، نحو 6.8 في المائة. وتبعا للبيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، بلغ معدل التضخم 3.98 في المائة مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي، وارتفعت موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية بنسبة 28.9 في المائة أو 6.8 مليار دولار، حيث وصلت إلى مستوى 30.3 مليار دولار، كذلك واصلت أسعار الفائدة في السوقين المالية والنقدية تراجعها المتدرج.