اتهامات للاتحاد الأوروبي «البيروقراطي» بالتبذير بينما تشد دوله الأحزمة

يسعى لزيادة ميزانيته وسط توقعات بزيادة تكلفته الإدارية 4%

مقر الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل
TT

في اليونان، ارتفعت الضرائب وسن التقاعد، وفي إسبانيا انخفضت رواتب الموظفين المدنيين، وفي بريطانيا ربما يصل الانخفاض في الإنفاق على التعليم والرفاهية الاجتماعية إلى الربع. وعلى الرغم من الاحتجاجات المتصاعدة عبر القارة تتزايد حملة التقشف غير المسبوقة في أوروبا الحديثة الموحدة.

على الجانب الآخر، تسعى الهيئة التي تدير الاتحاد الأوروبي، في بروكسل، إلى زيادة ميزانيتها للعام المقبل.

ويتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي خلال عام 2011 بضخ مليارات اليوروات في أقاليم القارة بمشاريع البنية التحتية والمشاريع الأخرى. كما يتوقع أن يرتفع مستوى الإنفاق على العدالة والأمن بصورة كبيرة، وهو ما سيزيد التكلفة الإدارية بأكثر من 4 في المائة.

ويرى المؤيدون للإنفاق أنه الترياق للتقشف، وطريقة للإبقاء على الانتعاش الاقتصادي الهش. من ناحية أخرى، يرى المعارضون هذه الخطة دليلا على انفصال بروكسل عن الواقع الأوروبي، حيث يتم إقرار زيادات الأجور بقانون، وتحدد أولويات الإنفاق سبع سنوات مقدما، وتنفق ملايين الدولارات على نشاطات مثيرة للشكوك لنشر رسالة دول الاتحاد الـ27، التي تبدو في أغلب الأحيان كأنها لا تملك جرأة كبيرة للحديث عن القضايا التي تهم الناخبين، مثل الهجرة.

تقوم الحكومات الوطنية في أوروبا بدفع أغلب الفاتورة، بيد أن البعض منها فقد صبره، فيتوقع فينس كابل، وزير الأعمال البريطاني حدوث رد فعل عنيف ضد الاتحاد، وقال أمام البرلمان الأوروبي: «عندما تضطر الحكومات الوطنية، ومن بينها الحكومة البريطانية، إلى القيام بتخفيضات مؤلمة في الإنفاق العام، فلن يمكن لأحد فهم السر وراء عدم خضوع ميزانية الاتحاد الأوروبي للشيء ذاته».

وتسعى المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلى زيادة ميزانيتها بنحو 5.9 في المائة في ميزانية الاتحاد لعام 2011، مما سيزيد الإنفاق السنوي للاتحاد إلى أكثر من 130 مليار يورو سنويا، أي ما يقرب من 180 مليار دولار - أي ما يوازي نصف الإنفاق العام في دولة من الحجم المتوسط مثل هولندا. وقد حاولت الحكومات الوطنية ترشيد الإنفاق ليصل إلى 126.5 مليار يورو، أي بواقع 2.9 في المائة.

لكن البرلمان الأوروبي، الذي ينبغي أن يوافق على الميزانية، سعى إلى استعادة أو إضافة مجموعة من التدابير في مزيج من الإيثار والمصالح الخاصة، وسياسات جمع الأموال المعروفة لدى جميع من يتابعون الكونغرس الأميركي، حيث سعى الاتحاد إلى تضمين 300 مليون يورو كإعانات لمنتجي الألبان، و9 ملايين يورو للألعاب الأولمبية الصيفية الخاصة التي ستقام في اليونان، و10 ملايين يورو لخطة الفاكهة المدرسية، و8 ملايين يورو لتربية النحل، وقال الجميع إن التكلفة الإجمالية ستزيد عما تقدر الحكومات على توفيره بـ3.5 مليار يورو.

وقال جيمس إيلي، عضو البرلمان الأوروبي وحزب المحافظين البريطاني، الذي يشغل عضوية لجنته المالية منذ عام 1984: «لا يمكنك إدارة الأمر من برج عاجي، فالناس في بلادنا يدركون تماما ما نفعله، يجب أن يشعروا أننا نأخذ قرارات مسؤولة في عام 2011».

وعلى الرغم من خفض بعض الدول الأوروبية رواتب موظفيها المدنيين، فإن بعض الحكومات لا تزال تناضل لخفض رواتب المسؤولين الأوروبيين الذين يتقاضون رواتب أكبر من نظرائهم في العواصم المحلية، على الرغم من أنهم يدفعون ضرائب على الدخل بنسبة أقل ويحصلون على مزايا أكبر.

عندما عرضت الحكومات زيادة رواتب مسؤولي الاتحاد الأوروبي العام الحالي إلى 1.85 في المائة - نصف المبلغ المقرر بموجب النظام - لجأت المفوضية الأوروبية إلى مقاضاتهم (ويتوقع غالبية الأفراد فوز المفوضية).

وبالفعل، فإن التكلفة الإجمالية لإدارة الاتحاد الأوروبي في ارتفاع، نتيجة للهيئات الجديدة التي استحدثت عبر معاهدة لشبونة أواخر العام الماضي. فقد انتخب البلجيكي، هيرمان فان رومبي كرئيس جديد للمجلس الأوروبي، والبريطانية كاثرين أشتون كمنسقة للسياسة الخارجية، وهناك أيضا البرلمان الأوروبي الذي يحصل على 9.4 مليون دولار لممارسة سلطات جديدة.

لإدارة هذه العملية، يمتلك رومبي 25 مليون دولار لعام 2010، وستتطلب المفوضية الخارجية الجديدة للاتحاد نحو 476 مليون دولار في عام 2011. وتقول المفوضية إن قسما كبيرا من هذه المبالغ سيتم تدبيره عبر نقل الموظفين الحاليين، لكنها بحاجة إلى 34.5 مليون يورو التي تحتاجها للمناصب الجديدة.

السؤال الآخر هو المكان الذي ستتواجد فيه الوزارة الجديدة وما إذا كانت ستقوم على استئجار بناية جديدة بتكلفة تقدر بين نحو 10 إلى 15 مليون يورو سنويا.

سيكون من الصعب تحقيق ذلك في الوقت الذي لا يفتقر فيه الاتحاد الأوروبي إلى المباني الجديدة، ولذا فإن أشتون تستهدف أحد المباني التي يشغلها المترجمون القانونيون.

ويؤكد سلفادور جاريغو بوليدو، عضو حزب يمين الوسط الإسباني، في البرلمان الأوروبي، هذه المشكلة بالقول: «إنها هيئة صغيرة للغاية، لكنها واضحة للعيان أمام دافعي الضرائب».

وكما كان عليه الحال على مدى عقود، سيذهب القسم الأعظم من ميزانية الاتحاد - نحو 110 مليارات يورو - إلى الإعانات الزراعية والإقليمية التي يراها البعض مناقضة لحالة التقشف.

فيقول جوران فارم، المتحدث باسم لجنة الميزانية في جماعة يسار الوسط في البرلمان الأوروبي: «ميزانية الاتحاد الأوروبي تختص بالاستثمار في المجالات الضرورية التي نحتاج للاهتمام بها في أوقات الأزمات الاقتصادية. إذ يجب علينا أن نحارب رسالة التقشف من بعض الوزراء، خاصة الأفكار المتشددة في الحكومة البريطانية وجمهورية التشيك وبعض الدول الاسكندنافية».

ويعتبر بعض المحللين الإعانات الزراعية تكلفة إضافية للمستهلكين الأوروبيين وعبئا على المزارعين في الدول الفقيرة غير القادرين على المنافسة في بلادهم. وقال باتريسيو فيوريلي، المتحدث باسم لجنة الميزانية في المفوضية الأوروبية: «الكثير من الإنفاق الإقليمي تم التصريح به، وكذلك مشاريع البنية التحتية التي وقعت عقودها بالفعل؛ لا يمكن إلغاؤها». أما جورجي نونيز فيرير، الباحث في مركز دراسات سياسات أوروبا، فيعتقد أن المشهد الاقتصادي سيهيمن على التفكير عندما يبدأ الاتحاد في مراجعة الأولويات طويلة المدى أواخر العام الحالي.

وقال: «سيكون للتقشف تأثير على الميزانية، وأعتقد أن هناك تفاهما حول أنك لن تستطيع الدفاع عن تمويل أشياء لأسباب تاريخية أو لأنها ملائمة من الناحية السياسية».

فربما تخضع رواتب مسؤولي الاتحاد لانخفاض يقدر بـ0.4 في المائة. لكن هذه التضحية المتواضعة لن ترضي الاحتجاجات العامة.

سيرغي كولبن من تشارليروي، في جنوب بلجيكا الحزين، انضم إلى مظاهرات الأسبوع الماضي. وقال الجندي السابق العاطل عن العمل، إنه يبحث عن عمل منذ ثماني سنوات وإنه غاضب من السياسيين والمصرفيين ومن يعملون في الاتحاد الأوروبي.

وقال: «إنهم يحصلون على مبالغ طائلة، ويتمتعون بإعفاءات ضريبة كثيرة، ويمتلكون السيارات ولديهم سائق خاص».

*خدمة «نيويورك تايمز»