تقرير بنكي: السعودية بحاجة لاستثمارات صناعية بأكثر من 100 مليار دولار خلال 10 سنوات

9 وظائف من كل 10 في المصانع بالمملكة تذهب للعمالة الأجنبية

TT

قدر تقرير بنكي سعودي حاجة القطاع الصناعي في السعودية إلى 400 مليار ريال (106.6 مليار دولار) كاستثمارات مباشرة لرفع حصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي السعودي من 10 في المائة إلى 15 في المائة، خلال العشرة أعوام المقبلة، وأن تتولى الحكومة السعودية توفير محفزات نمو القطاع، دون الدخول في الاستثمار الصناعي، حيث يعتبر هذا الدور من مهام القطاع الخاص، بينما تضع الاستراتيجية الصناعية السعودية هدفا لحصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي، يصل إلى 20 في المائة بحلول عام 2020.

في حين لمح التقرير إلى أن عملية خلق الوظائف في القطاع الصناعي السعودي لا تتسم بالوضوح للمراقبين للقطاع، فبحسب التقرير هناك 9 وظائف من كل 10 تذهب للعمالة الأجنبية، إلا أن هذا الرقم، وبحسب صناعيين سعوديين، ليس دقيقا، فنسب السعوديين في القطاعات الصناعية في معدلها العام تتراوح بين 18 و20 في المائة، مما يعني حصول السعوديين على وظيفتين من كل 10 وظائف.

وشدد التقرير على أن القطاع الخاص سيقوم، إذا لم يجد محفزات النمو، بضخ استثماراته في أماكن أخرى، سواء داخل المنطقة أو خارجها، في حين سيضطلع القطاع الصناعي بدور المحفز للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم وليس للشركات الكبيرة وحسب، وذلك من أجل خلق قيمة مضافة للصناعات المحلية، يشار إلى أن الشركات المتوسطة والصغيرة تمثل 70 في المائة من الاقتصاد داخل البرازيل، و80 في المائة داخل تايوان، وأكثر من 50 في المائة داخل أوروبا.

وقال الدكتور جون اسفيكياناكيس، المدير العام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، إن على واضعي الخطط الصناعية السعودية أن يأخذوا في اعتبارهم الحفاظ على القدرة التنافسية داخل القطاع الصناعي، ومن أجل ذلك يجب التركيز بدرجة أكبر على أن يكون أكثر إنتاجا وأقل اعتمادا على العمالة الأجنبية الرخيصة، والغاز، والكهرباء منخفضة التكلفة.

في حين اعتبر الدكتور جون اسفيكياناكيس أن القطاع الصناعي السعودي أظهر أنه يمكنه القيام بذلك في أشياء معينة مثل البلاستيك وأجهزة تكييف الهواء.

وفي ذات الوقت أكد كبير الاقتصاديين في البنك الفرنسي على ضرورة ألا تتحمل الحكومة مسؤولية الاستثمار في القطاع الصناعي؛ فعلى القطاع أن يجد القنوات المالية التي يمكنه من خلالها توفير 400 مليار ريال (106.6 مليار دولار)، بل يعطى هذا الدور للقطاع الخاص الذي يعتبر مسؤولا عن ذلك، فيما أكد على ضرورة أن تتولى الحكومة خلق المحفزات لنهوض القطاع.

في مقابل ذلك قال عبد الرحمن الراشد، نائب رئيس مجلس الغرف السعودية، ورئيس مجلس إدارة غرفة المنطقة الشرقية للتجارة والصناعة، إن القنوات التمويلية المتعددة في السعودية، سواء من الجهات الحكومية، كصندوق التنمية الصناعية، أو البنوك المحلية، أو السوق المالية التي أصحبت أحد روافد تمويل المشاريع الصناعية، ستلعب دورا مهما في رفد القطاع، وزيادة حصته في الناتج المحلي بنحو 20 في المائة، بحسب ما تبنته الاستراتيجية الصناعية التي سيبدأ تنفيذها مطلع العام المقبل (2011).

من جانب آخر، رأى سلمان الجشي، رئيس اللجنة الصناعية بالمنطقة الشرقية وعضو اللجنة الصناعية السعودية، أن القطاع الخاص السعودي يطمح إلى أكثر من مضاعفة الناتج الصناعي السعودي قبل عام 2020، حيث أكد أن القطاع الخاص قادر على توفير استثمارات بـ10 مليارات ريال سنويا (2.66 مليار دولار)، حيث بين أن أي مشروع صناعي تأتي موارده المالية من (50 في المائة من التمويل الحكومي عبر صندوق التنمية الصناعية، أو صندوق الاستثمارات العامة، أو صندوق دعم الصادرات، 25 في المائة من البنوك المحلية، و25 في المائة يوردها المستثمر).

وطالب الجشي بتوفير مرجعية موحدة للصناعات السعودية، حيث أكد أن أي خطط استراتيجية لن تكون مجدية ما لم تتخذ خطوة توحيد المرجعية الصناعية.

وبالعودة إلى الدكتور جون اسفيكياناكيس، الذي قال إن لدى الحكومة السعودية نصيبا كبيرا من القطاع الصناعي من خلال شركة «سابك» والكيانات التابعة لها، وقد أصبح القطاع الصناعي الخاص أكثر نشاطا خلال الأعوام العشرين الماضية، إلا أنه أكد أن هذا القطاع ما زال يعتمد على الكهرباء والغاز قليلة التكلفة والعمالة الرخيصة، بدلا من التركيز على الإنتاجية والكفاءة.

بدوره قال عبد الرحمن الراشد، إن الطاقة الرخيصة ميزة تنافسية للقطاع الصناعي السعودي، مشيرا إلى أن السعودية مصدر عالمي للطاقة، ويجب أن ينعكس ذلك على قطاعها الصناعي، بشكل جلي، في حين أشار إلى أن الانفتاح على الأسواق العالمية وقرب السعودية من أكبر مصدري الأيدي العاملة، جعل العمالة الرخيصة تأخذ دورها في السعودية.

وكشف التقرير عن وجود 650 ألف أجنبي يعملون في القطاع الصناعي، وارتفع عدد الأجانب العاملين في القطاع الصناعي بمقدار 9.4 في المائة في الفترة بين 2008 و2009، إلا أن الراشد لم يسلم بهذه الأرقام، موضحا أن عدد الأيدي العاملة في الصناعة السعودية يصل إلى نحو 400 ألف عامل، منهم نحو 80 ألف سعودي.

إلا أنه أشار إلى تغير في اتجاه استقدام عمالة رخيصة للعمل في القطاع الصناعي مع بدء عدد أكبر من السعوديين الدخول إلى هذا القطاع، مع مرتبات أعلى. وإذا كانت الميزة الوحيدة في القطاع الصناعي هي العمالة الرخيصة، فإن ذلك شيء غير مستدام، ولذا يجب على القطاع توفير محفزات حقيقية، حتى لو كان ذلك بهامش ربحية أقل، كي يعمل السعوديون داخل القطاع، وليكون داخلها مستويات أتمتة أعلى.

وفي الوقت الحالي، يعمل 83 ألف سعودي فقط داخل القطاع الصناعي، وارتفعت حصتهم بنسبة 1.1 في المائة في الفترة من 2008 إلى 2009.

وذهب التقرير إلى أن القطاع الصناعي لن يستطيع التغلب على تحديات التوظيف داخل السعودية، حتى لو تمت مضاعفة قوة العمل من 732 ألفا حاليا إلى 1.5 مليون خلال عشرة أعوام، وقامت المشاريع الصناعية باستيعاب أكثر للسعوديين، حيث يجب تغيير الطريقة التي تعمل بها الصناعة في الوقت الحالي لأن العمال الأجانب في القطاع يحصلون على 9 من كل 10 وظائف يتم توفيرها حاليا. وعليه، فإنه لو تم خلق وظائف فإنها سوف تذهب إلى الأجانب.

أمام ذلك دافع الجشي عن دور الأيدي العاملة السعودية في القطاع الصناعي، حيث قال إن أهم الصناعات السعودية (البتروكيماويات) يمثل السعوديون فيها ما نسبته 70 في المائة، بينما تمثل الأيدي العاملة السعودية في القطاع الصناعي بشكل عام ما بين 18 إلى 20 في المائة، مشيرا إلى أن النسب تختلف من منطقة إلى أخرى.

وأوصى التقرير بأنه يجب اعتماد الإنتاجية أكثر من الاعتماد على الدعم لكي يكون القطاع ذا قدرة تنافسية أكبر عالميا، كما يجب أن يكون القطاع الصناعي معتمدا على النواحي الفنية أكثر من اعتماده على تركيز العاملة بدرجة كبيرة.

في ذات الوقت اعتبر الراشد والجشي الصناعات السعودي منافسا عالميا قويا، وقال الراشد إن الصناعات السعودية تسوق في معظم دول العالم، بينما أكد الجشي على الميزة العالية التي تتمتع بها الصناعة السعودية في مجال البتروكيماويات، ويجب أن يكون القطاع أقل اعتمادا على الدعم الحكومي وأكثر اعتمادا على المكاسب الفنية والإنتاجية.

وتوصل كبير الاقتصاديين في البنك الفرنسي إلى أنه لا يمكن الحكم على المدن الصناعية ومستقبلها خلال عامين أو ثلاثة، ولكن على المدى الطويل، ولذا يحتاج المشرعون الصناعيون والمراقبون لمزيد من الانتظار، مع تأكيده على توافر الفرص لأن تنمو هذه المدن، ولكن من المهم أن يخدم القطاع الصناعي مصالح العمل داخل السعودية، كما رأى الدكتور جون اسفيكياناكيس أن تقوم الحكومة بتوفير محفزات، مثل الأراضي المنخفضة التكلفة، كما يجب أن تحدد الأسواق والصناعات التي لها مستقبل مشرق.

وختم الراشد بالقول إن توفير الأراضي الصناعية المطورة مهم جدا، فلدى الجهات الصناعية في الشرقية وحدها نحو 350 طلبا على الأراضي الصناعية، لو توفرت لتم خلق نحو 35 ألف وظيفة، على اعتبار أن المشروع الواحد يمكن أن يوفر 100 فرصة عمل.