صندوق النقد الدولي يفشل في الضغط على الصين لرفع قيمة عملتها

على الرغم من الدعوات الصاخبة من أميركا والمناشدات الأكثر تحفظا من جانب أوروبا واليابان

تتهم الولايات المتحدة الصين بالتلاعب بعملتها مما يعطيها أفضلية («الشرق الأوسط»)
TT

فشلت قيادات مسؤولة عن القطاعات المالية بمختلف دول العالم يوم السبت، في التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية احتواء النزاع المتصاعد حول العملة الذي يهدد بتقويض التعاون الدولي الهادف لإنعاش الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من الدعوات الصاخبة من الولايات المتحدة، والمناشدات الأكثر تحفظا من جانب أوروبا واليابان وبلدان أخرى، فإن الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي لم ينجح في الضغط على الصين لرفع سعر عملتها رينمينبي فورا وبصورة كبيرة. وبصيغة أخرى، فقد أرجئ الموضوع إلى اجتماع زعماء مجموعة العشرين الاقتصادية، بما في ذلك الرئيس أوباما في عاصمة كوريا الجنوبية سيول في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ولكن القادة الموجودون الآن في واشنطن دعوا صندوق النقد الدولي للعب دور أكبر في رصد تأثير بعض السياسات التي تتبناها بعض الدول الأعضاء على كل الأعضاء الآخرين، وهي دعوة تدعمها إدارة أوباما في ظل عدم ممارسة المزيد من الضغوط المباشرة على الصين لرفع قيمة عملتها.

وقال إسوار أس براساد، الخبير الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي الذي يدرس الآن في جامعة كورنيل: «إن نتائج اجتماعات صندوق النقد الدولي توضح أن العمل الجماعي لا يزال مثاليا وليس واقعيا».

وقد ركزت الاجتماعات هنا في جزء كبير منه على قضية العملة، مؤكدة أنها تمثل نقطة ساخنة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ومصدرا للتوتر العالمي. وقد دفع ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة، واقتراب الانتخابات النصفية، الإدارة الأميركية لتكثيف دعواتها للصين للسماح بارتفاع قيمة عملتها على أمل أن يساهم ذلك في زيادة الصادرات الأميركية وبالتالي توفير فرص عمل.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد حذر اقتصاديون وبعض صناع القرار هنا من مخاطر حرب العملات؛ حيث قد تقوم دول أخرى بتخفيض قيمة عملاتها لكي تكون قادرة على منافسة الصين في السوق العالمية بصورة أفضل.

وقد أدى بطء النمو في أوروبا والولايات المتحدة لموجة من تدفق رؤوس الأموال في الاقتصادات التي تشهد نموا سريعا مثل الهند والمكسيك وكوريا الجنوبية، ووضع ضغوط تصاعدية على عملاتها. وقد حاولت اليابان والبرازيل وبلدان أخرى الحد من ارتفاع قيمة عملاتها.

وينطبق القلق من سياسات تخفيض العملات على الولايات المتحدة كذلك. وقد دفعت توقعات من احتمال قيام مصرف الاحتياطي الفيدرالي بجولة ثانية من شراء السندات طويلة الأجل ومنخفضة الفائدة إلى انخفاض الدولار مقابل اليورو والين.

وعلى الرغم من خطورة قضية العملة، فإن لغة البيان الختامي للجنة وضع السياسات في صندوق النقد الدولي، كانت هادئة. وتعهد البيان «بالعمل للوصول إلى نمط أكثر توازنا للنمو العالمي، يحدد مسؤوليات الدول ذات الفائض والعجز».

وتعهدت اللجنة أيضا «بمواجهة التحديات الكبيرة والخطيرة لحركة رؤوس الأموال، التي قد تكون مدمرة».

وقد اعترف مدير إدارة صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس كان، في وقت لاحق، بأن اللغة المستخدمة في البيان كانت «غير فعالة». وأضاف: «إن اللغة لن تغير شيئا، وإن السياسات هي التي يجب أن تتغير».

وقال صندوق النقد الدولي إن رينمينبي أقل من قيمته بكثير، ولكنه شأنه شأن واضعي السياسات الأميركية يشعر بالقلق بشأن وضع ضغوط بالغة الشدة على الصين، كما أن الخيارات المتاحة أمامه للقيام بذلك قليلة بالنظر إلى أنه يعمل على أساس التوافق في الآراء. وقد علق شتراوس كان على ذلك قائلا: «لا توجد وسيلة للاعتقاد بأنه يمكن إعادة توازن النمو العالمي من دون القيام ببعض التعديلات لقيم العملات».

وقد دعت اللجنة صندوق النقد الدولي إلى «تعميق عمله» في مجال معالجة الخلل في التوازنات على مستوى العالم.

وقال يوسف بطرس غالي، رئيس اللجنة ووزير المالية المصري، لقد اعترفت الدول الأعضاء «صراحة بأنه لن يتم التوصل إلى حل لهذه القضية إلا عن طريق التعاون» وأن صندوق النقد الدولي يرغب في المساعدة في حل هذه القضية.

وقالت كريستين لاغارد، وزيرة المالية الفرنسية، إن النظام النقدي سيكون على قمة أولويات مجموعة العشرين الاقتصادية عندما تستضيف بلادها اجتماعات المجموعة في العام المقبل: «إنني أعتبرها كنتيجة إيجابية للغاية أننا تحدثنا باستفاضة عن هذا الموضوع خلال اليومين الماضيين».

وحاول المسؤولون الصينيون التهرب من الانتقادات الموجهة لسياساتهم المتعلقة بالعملة، من خلال القول بأن الديون العامة الكبيرة للدول الغنية وسياسات الائتمان الميسر التي تتبناها المصارف المركزية مثل مصرف الاحتياطي الفيدرالي، تساهم أيضا في اختلال التوازن العالمي.

وقد وافقت الصين من حيث المبدأ على اتخاذ خطوات مثل توسيع شبكة الأمان الاجتماعي والتنمية الريفية وقطاع الخدمات واتخاذ تدابير من شأنها تقليص اعتمادها على الصادرات وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي. وتعهدت الولايات المتحدة بخفض نفقاتها والادخار بصورة أكبر، على الأقل على المدى البعيد.

واجتمع زهاو تشياوشان، محافظ المصرف المركزي الصيني، الذي قال يوم الجمعة إن رفع قيمة الرنمينبي يجب أن يتم تدريجيا، مع وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غيتنر، يوم السبت، في جولة جديدة من جولات النقاش العديدة.

وافقت اللجنة صندوق النقد الدولي على تعديل التقارير التي يصدرها خبراؤها عن اقتصادات الدول الأعضاء البالغة 187 دولة. وسوف تأخذ هذه التقارير في الاعتبار تأثير الإجراءات التي تتخذها كل دولة على الدول الأخرى.

ولكن الصين قاومت، في الماضي، إصدار تقارير تنتقد سياساتها، وبالتالي فإن فعالية توسيع الدور «الرقابي» لصندوق النقد الدولي لا تزال غير واضحة.

وقد ناقش الأعضاء أيضا، لكنهم فشلوا في التوصل إلى اتفاق، كيفية تعديل الحوكمة في صندوق النقد الدولي. وقد دفعت الولايات المتحدة باتجاه زيادة تمثيل الاقتصادات سريعة النمو مثل الصين في المؤسسة، على أمل أن يدفع ذلك بكين إلى تحمل مسؤولية أكبر تجاه التعاون الاقتصادي. لكن اقتراحا بأن تقوم أوروبا بالتخلي عن بعض مقاعدها في صندوق النقد الدولي لصالح الاقتصادات الناشئة واجه مقاومة، ومن غير المتوقع أن تحتل هذه القضية أهمية حتى في اجتماع مجموعة العشرين.

وبالمقارنة باجتماعات السنتين الماضيتين، اللتين شهدتا زيادة التعاون بين الدول الأعضاء بسبب الأزمة المالية العالمية، فإن المزاج العام في اجتماعات هذا العام كان أكثر تشاؤما، وفقا للمشاركين في منتدى يعقد هنا حول الحوكمة الاقتصادية العالمية.

وقال المستثمر جورج سوروس إن التعاون في الاجتماعات السابقة: «كانت تقوده حالة الخوف. لكن، الآن عادت الأسواق إلى الحياة من جديد وتبدد الخوف وأضحت الاختلافات في الرأي أكثر وضوحا».