وزير المالية السعودي لـ «الشرق الأوسط» : نقود مبادرات مع البنك الدولي لإيجاد حلول لتمويل الإسكان

د. إبراهيم العساف يؤكد أن عوامل النمو مستمرة وأن بلاده تستعد لكبح جماح التضخم

د. إبراهيم العساف (أ.ب)
TT

على الرغم من اختلافات وجهات النظر فيما يتعلق بالتوجهات الاقتصادية في مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد، فإن هناك اتفاقا كبيرا على وجهة النظر التي تتبناها السعودية ممثلة في وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، الذي كانت أجندته مزدحمة خلال اجتماعات مجموعة البنك والصندوق، التي اختتمت أعمالها أول من أمس في العاصمة الأميركية واشنطن، إلا أنه رحب بتخصيص وقت لإجراء هذا الحوار، على الرغم من ذلك الازدحام.

الوزير العساف بدا متفائلا وبشكل كبير لأن بلاده ستواصل النمو، عطفا على عدد من العوامل التي ترتكز على التوازن بين القطاعين، العام والخاص، مؤكدا أن الاستثمار في العامل البشري هو المحرك الرئيسي لدورة الاقتصاد، في الوقت الذي استبعد فيه أن يكون لأي زيادات في الإنفاقات الطارئة أي تأثير على التضخم في المملكة، عطفا على كبح جماحه من خلال مغذياته الرئيسية وهو قطاع الإيجارات، كما كشف عن مبادرات تقودها الحكومة السعودية مع مجموعة البنك الدولي لإيجاد حلول مناسبة لقطاع تمويل الإسكان في المملكة.

كما شدد على أن خارطة الاقتصاد العالمي باتت أقرب إلى التغيير من خلال تأثير الاقتصاديات الناشئة، التي نمت حصتها في مجموعة البنك الدولي إلى ما يقارب 50 في المائة، وقد تتجاوز تلك النسبة خلال الفترة المقبلة، وتطرق إلى عدد من الأمور من خلال الحوار التالي:

* ذكرت في بداية العام الحالي أن نسبة النمو ستصل إلى 4 في المائة، وتقرير مؤسسة النقد الأخير ذكر أن النسبة تصل إلى 3.5 في المائة، وفي الأخير توقع البنك الدولي أن تستمر السعودية في نمو اقتصادها بنسبة تصل إلى 4.2 في المائة، ما العوامل التي اتخذتموها في المملكة للمحافظة على نسبة النمو هذه؟

- استمرارية النمو تحتاج إلى عدة عوامل، أولا السياسات المناسبة لإيجاد بيئة الاستثمار وبيئة العمل للقطاع الخاص، سواء كانت أنظمة أو بنية تحتية للاقتصاد، والانفتاح الاقتصادي، إضافة إلى ما تقوم به الحكومة من استثمارات، سواء في رأس المال البشري، كما هو الاستثمار في التعليم، والتعليم الفني والتقني على وجه الخصوص، وهذه عناصر مهمة لاستمرار عملية النمو، كل هذه العوامل مجتمعة تساعد على استمرارية هذا النمو، خاصة أن الزيادة في التركيز على دور القطاع الخاص، وفي ظروف خاصة مثل الظروف التي مررنا بها خلال العامين الماضيين، دور الحكومة زاد، لأن القطاع الخاص واجه الانخفاض الاقتصادي بشكل عام في العالم، وبالتالي قامت الحكومة بدور أعلى من السابق، وإنما يتوقع في المستقبل أن القطاع الخاص سيستأنف دوره الأساسي في النمو الاقتصادي، والأسس المتينة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي مكنته من مواجهة الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى إقرار خطة التنمية التاسعة التي تغطي الفترة ما بين 2010 و2014، التي تهدف لتحقيق نمو مرتفع وقابل للاستمرار من خلال زيادة الاستثمار في البيئة الأساسية وتنمية القوى البشرية الوطنية، وفي جانب السياسة الكلية المضادة للاتجاهات الدورية التي اتبعتها المملكة خلال السنوات الماضية مما أسهم في توفير الحيز المالي الملائم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية، واستمرت ميزانية المملكة في التركيز على دعم النمو الاقتصادي المتوازن عن طريق زيادة الإنفاق على البنية التحتية والقطاعات الاجتماعية، بالإضافة إلى السياسات المالية العامة، التي اتبعتها المملكة وتهدف لتحقيق الاستقرار في القطاع المالي وتوفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الطلب المحلي على الائتمان، وأؤكد هنا على متانة وسلامة القطاع المصرفي الذي يتمتع بربحية وملاءة مالية عالية.

* العملية في خارطة القطاع الاقتصادي العالمي بدأت تتغير، من خلال دخول الاقتصاديات الناشئة بشكل أكبر في التأثير على الاقتصاد العالمي، ولكن هذه الاقتصاديات الناشئة لم يكن لها دور في القرارات الاقتصادية العالمية مؤخرا، كيف ترى هذا الوضع؟

- نعم أنا كنت أتفق على هذه العملية قبل عدة سنوات، ولكن في الوقت الحالي بات للاقتصاديات الناشئة دور أكبر بكثير في الواقع، سواء كان في مجموعة العشرين، كتمثيل الدول الناشئة واقتصادياتها، أو في دور المؤسسات المالية الدولية، ومن ضمن الأمور التي تبحث في الوقت الحالي تعزيز دور الدول النامية في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وفي البنك الدولي تم تعزيز هذا الدور، وتمت زيادة حصة الدول النامية في حصة رأس المال، واقتربت من نحو 50 في المائة، ويتوقع أن تتجاوز هذه النسبة، كذلك في صندوق النقد الدولي، ولكن لم يتم الاتفاق على جميع العناصر في زيادة دور الدول النامية في اتخاذ القرارات بالصندوق، ولكن هناك اعترافا من الدول المتقدمة بالأهمية المتزايدة بالدول النامية، وبالنظر في الوضع العالمي حاليا نجد أن الدول النامية هي التي تقود العودة للنمو الاقتصادي العالمي، وليس الدول المتقدمة، وهذا الدور متنام ومعترف فيه في الوقت الحالي.

* عوامل تحفيز الاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية، لم تنعش الاقتصاد بالشكل المطلوب، مما حدا بالمراقبين والمسؤولين أن يصفوا النمو الاقتصادي خلال الفترة الماضية بالهش، ما المباحثات التي تطرقتم لها في اجتماعكم السنوي في مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد خلال هذه الأيام؟

- لدينا عنصران يتجاذبان باتجاهات متعاكسة، الأول يتعلق بالعناصر التي تساعد على النمو على المدى الطويل، وهذه تشمل تحسين وضع ميزانيات الدول وتقليل العجز والإصلاحات الهيكلية في الاقتصاديات، والأمر الثاني هو الحاجة إلى الزيادة الآنية في النمو الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق، ولكن زيادة الإنفاق تتسبب في زيادة العجز، ولكن تكمن هنا أهمية عملية التوازن بين الاحتياجات على المدى المتوسط والبعيد، وعلى المدى القصير، وهذه التي كان فيها نقاش، ولكن في دول في أوروبا تجد أنها بدأت في تحسين وضع الميزانيات، وبدا نموها الاقتصادي مستمرا، ولكن لا يزال ذلك النمو منخفضا، وأنا هنا لا أتحدث عن الدول التي مرت بأزمات، ولكن الحديث هنا عن الدول الرئيسية في أوروبا، وأعتقد أن مؤشرات تعافي الاقتصاد العالمي المشجعة تحققت بفضل السياسات الاقتصادية الكلية والمالية واسعة النطاق التي اتخذتها الكثير من الدول إثر انكماش الاقتصاد العالمي، ونحن نرحب بالخطوات المتخذة لتعزيز صلاحيات الصندوق للقيام بدوره في ضمان استقرار الاقتصاد العالمي، كما نرحب بالإصلاحات الأخيرة لدعم أدوات الصندوق المستخدمة في الإقراض، مثل إنشاء خط الائتمان الوقائي لتلبية الاحتياجات المختلفة للدول الأعضاء، ويجب أن أنوه بضرورة دور التنمية في تحسين مستوى المعيشة في الدول النامية وضرورة مواصلة تضافر جهود المجموعة الدولية لدفع عملية التنمية ومساعدة الدول الأكثر فقرا، لتحقيق الأهداف التنموية، وأن الاجتماعات توفر فرصة مناسبة لتقييم دور المجتمع الدولي في هذا الصدد، ومن الممكن الاستفادة من تجربة الدول النامية في التعامل مع الأزمة، حيث أظهرت اقتصادياتها مرونة عالية وقدرة على التكيف مع الأزمة المالية، وفيما تعلق بخصوص جذور الأزمة المالية العالمية، فليس من المهم أين نشأت هذه الأزمة؟ لكن من المفيد تسليط الضوء على الأسباب التي أدت إلى حدوثها، حيث يأتي في مقدمتها عدم كفاءة الأنظمة المالية في الدول المتقدمة والتساهل في تطبيق الأنظمة والقوانين المالية الصحيحة والعولمة غير المنضبطة، وفي الوقت الحالي هناك جهود تبذل لتلافي آثار هذه الأزمة، وعلى الأخص جهود دول مجموعة العشرين، التي تضع حاليا الأسس لنظام مالي عالمي راسخ ومستقر ويساعد على تقليل احتمال حدوث مثل هذه الأزمات.ومن الضروري تحسين سبل التنسيق بين البنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التمويل الدولية من جهة، ووكالة التنمية الدولية من جهة أخرى، لمعالجة مواطن الضعف والقصور في آليات دعم موارد الوكالة مع ضرورة الأخذ في عين الاعتبار توجيه موارد البنك والمؤسسة والقطاعات ذات الأثر الكبير، خاصة الزراعة والبنية التحتية، ونحن نرحب بالإصلاحات التي تبنتها مجموعة البنك الدولي، خاصة أنها نجحت في البدء بتنفيذ هذه الإصلاحات التي سبق الاتفاق عليها، ولكن الطريق ما زال طويلا، ويحتاج إلى مزيد من الإصلاحات حتى تستطيع مجموعة البنك الاستفادة من كل إمكانياتها المتاحة.

* أشرت خلال وجودك في الولايات المتحدة الأميركية إلى توجه باحتمالية زيادة الإنفاق خلال العام الحالي في المملكة، والدولار يشهد انخفاضا خلال الفترة الحالية، مما قد يرجع الموجة التضخمية التي واجهتها المملكة خلال الأعوام الماضية من خلال ارتفاع الأسعار، فهل هناك معالجة معينة لهذا الموضوع؟

- عندما تحدثت عن الإنفاق كان بالمقارنة مع التقديرات في بداية العام، وهذا الوضع يكون بشكل سنوي، في كل عام تكون هناك إنفاقات طارئة وجديدة، وتأثيرها محدود، وذكرت أن الإيرادات أفضل مما نتوقع، ولكن هناك عددا من الأمور تحتاج إلى معالجة، والمعالجة هذه تأخذ وقتا، وبالذات أن عنصرا من العناصر المغذية والمؤدية إلى ارتفاع التضخم هي الإيجارات، والإيجارات في حاجة إلى استثمار في الإسكان، وفي هذا المجال هناك مبادرات كثيرة، سواء من القطاع الخاص أو من الحكومة ولكنها في حاجة إلى وقت، وهناك عوامل خارجية أسهمت في زيادة معدلات التضخم مثل تكلفة الغذاء، وهذه نتيجة لعوامل طبيعية وعوامل تتعلق بدول أخرى، وما نستطيع أن نعمل خارج إطار الدولة، ولكن كذلك العوامل التي أدت إلى ضغط في الماضي على التضخم لن تكون بمثل مستوياتها خلال الفترة الحالية أو المستقبلية، كأسعار مواد البناء، وهذه استقرت على أسعار معقولة، وبالتالي ستساعد على إيجاد النمو في بناء المساكن وهو ما سينعكس على المدى المتوسط، وسيكون هناك انخفاض في معدلات التضخم في المملكة.

* مساهمات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد في السعودية لم يكن لها تأثير بشكل كبير إلا خلال 3 سنوات ماضية ومن خلال مؤسسة التمويل الدولية، هل هناك مباحثات لزيادة مساهمة البنك في القطاع الخاص، والمنشآت المتوسطة والصغيرة؟

- كما تحدثت في وقت سابق، نحن علاقتنا بمجموعة البنك الدولي تتركز على جانبين، الجانب الأول، البنك نفسه وهذه برامج تعاون فني من خلال الدراسات وغيرها من الأبحاث، وهو الجانب الأهم، والثاني وهو دور مؤسسة التمويل الدولية، وهذه تقوم بالاستثمار في المملكة، ووضع هذا الجانب أفضل بكثير من الوضع السابق، حيث تعاونت إدارة مؤسسة التمويل الدولية بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وأصبح لها نشاط، سواء في المملكة أو مع رجال الأعمال السعوديين، ولكن نحن في المملكة نتهم بشكل كبير في هذا الجانب، ونعمل على تشجعيهم، خاصة في الجوانب التي لا نملك فيها تجربة أو تكون في حاجة لزيادة الاستثمار فيها، كتمويل الإسكان والمؤسسة تعمل معنا بشكل جيد، بالإضافة إلى عدد من المبادرات الأخرى، وفي الواقع نحن نقدر دور مؤسسة التمويل خلال الفترة الماضية وزيادة مساهمتها في المملكة.