القطن المصري يأمل في استعادة بريقه.. وأصحاب المصانع يطالبون بحظر تصديره

تراجع حصة «الذهب الأبيض» من الإنتاج العالمي إلى 20% بعد منافسة الصين والهند وأميركا

عوامل عديدة دفعت الفلاح المصري إلى الانصراف عن زراعة القطن في ظل غياب المساندة الحكومية خاصة أن هذه الزراعة مجهدة وتكلفتها عالية وعائدها أقل (رويترز)
TT

«أزمة تلو الأخرى»... بتلك الكلمات يصف كل من في دائرة الضوء الخاصة بزراعة القطن المصرية وصناعة الغزل أحوالهم بالبلاد، فلا تمر فترة إلا وتأتي كارثة.. فبعد انصراف الفلاح عن زراعة القطن والاتجاه إلى محاصيل أقل تكلفة، زادت الأعباء على المصنعين في الحصول على أقطان بسعر مناسب بعد الارتفاع في أسعار الأقطان عالميا. ولم تنته الأزمات عند هذا الحد، حيث فقد القطن المصري معظم أسواقه الخارجية، بسبب غياب دعم الحكومة لزارعيه، واتجه أصحاب مصانع الغزل والنسيج إلى استغلال أراضي مصانعهم في الاستثمار العقاري بدلا من التوسع في نشاطهم الصناعي، بعد أن أصبح عائده ضعيفا.

أصبحت الأزمات متوقعه لهذا القطاع، فقرار الهند وباكستان بوقف تصدير القطن بسبب الفيضانات التي اجتاحت بلادهم، هدد صناع الغزل المصري بالتوقف، وتشريد العمالة، إثر الانخفاض الحاد في الأقطان بالسوق، مطالبين صناع القرار بمصر بحظر تصدير القطن لاحتواء الأزمة الحالية، فيما لم ترحب الحكومة بذلك.

وأكد وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد أنه لن يتم منع تصدير القطن هذا العام، أو فرض رسوم عليه مؤكدا أنه لا بد أن يستفيد الفلاح المصري من ارتفاع الأسعار العالمية. ووصف محسن الجيلاني رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج (التي تمتلك شركات الغزل الحكومية) هذا المطلب بأنه «غير عملي‏» لأن مصر تنتج القطن «طويل التيلة»‏ الذي يتميز بارتفاع أسعاره لجودته العالية،‏ كما أن معظم احتياجات المصانع المحلية من الغزل الذي ينتج من الأقطان العادية منخفض السعر‏.‏ وأضاف خلال اجتماع حاشد لصناع الغزل أن الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس قررت اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار القطن أهمها العودة لنظام الحصص. وقال رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس إنه تقرر خفض أسعار الغزل المنتج بشركات الغزل الذي يصل إنتاجه إلى نحو 100 ألف طن سنويا والعودة إلى نظام الحصص والبيع مباشرة للمنتجين وفتح أسواق جديدة لاستيراد أقطان بأسعار مناسبة.

وأوضح رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج أن وزارة الزراعة وافقت على استيراد أقطان من أسواق جديدة لأول مرة بعد أن زادت أسعار القطن المتوسط زيادة كبيرة بلغت 34 في المائة خلال الشهرين الماضيين، حيث تم التعاقد على استيراد كميات قدرها 20 ألف قنطار قطن من بوركينا فاسو وبنين، وستصل الدفعة خلال شهر يناير (كانون الثاني) المقبل للسعي إلى امتصاص مشكلات سوق القطن.

وللخروج من هذه الأزمة الخانقة لصناعة الغزل والنسيج بمصر دعا خبراء إلى ضرورة حل المشكلات التي تواجه محصول القطن المصري، والتوسع في زراعته أكثر من الآن، مشيرين إلى أنه كان من أهم المحاصيل المصرية حتى أن الفلاحين لقبوه بـ«الذهب الأبيض». فلم يحظ أي محصول زراعي مصري بتلك الأهمية التي حظي بها القطن؛ حتى أن كثيرا من زارعيه رهنوا فيما سبق مناسباتهم السعيدة و«الزواج في المقدمة» بموسم «جني» محصول القطن، والآن تبدلت الصورة، فأصبحت منتجات الملابس الصينية تغطي 90 في المائة من المتداول بالسوق المصرية حسبما ذكر نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة يحيى زنانيري.

وأظهرت أرقام رسمية تراجع حصة مصر من الإنتاج العالمي للقطن «طويل التيلة» الذي كانت تتميز به، حيث فقدت الكثير من الأسواق الدولية تزامنا مع مزاحمة الصين والهند وبيرو، فكانت مصر تحصل على أكثر من 40 في المائة من إنتاج العالم عام 2000 لتتراجع حصتها من 320 ألف طن إلى 80 ألف بنسبة انخفاض 20 في المائة الموسم الماضي.

وبينت دراسة أجرتها شركة «بريميير لتداول الأوراق المالية» حول صناعة القطن في مصر، «تراجع الأراضي المزروعة بالقطن بسبب البناء العشوائي على الأراضي الزراعية، إلى جانب تراجع نسبة الأراضي الزراعية بشكل عام بنسبة 26 في المائة خلال العشرين عاما الماضية».

واستندت الدراسة في ذلك إلى تقديرات وزارة الزراعة المصرية التي أوضحت أن مصر خسرت العشرين عاما الماضية مليون فدان تحولت إلى عقارات، مما ساهم في انحسار محصول القطن على الرغم من وجود أكثر من 300 منشأة صناعية للغزل والنسيج تضم استثمارات تزيد على 17 مليار جنيه بلغت صادراتها السنوية أكثر من 3 مليارات جنيه عام 2008.

وانتقدت الدراسة سيطرة الحكومة على أغلب الشركات العاملة في تصنيع القطن من خلال «الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس الجاهزة» التي تمتلك نحو 33 شركة في هذا المجال والتي قامت ببيع 8 شركات تعمل في مجال الغزل والنسيج ضمن برنامج الخصخصة، لافتة إلى أن شركات الغزل كانت الأقل نصيبا بين شركات قطاع الأعمال في هذا البرنامج نتيجة الخسائر المتتالية التي حققتها بخلاف ترهلها بالعمالة بأكثر من ثلاثة أضعاف العدد المطلوب وارتفاع مديونياتها.

وقالت إن عدد الشركات الخاسرة العاملة في هذا المجال زاد تدريجيا ليتقلص عدد الرابحة منها عاما بعد الآخر وبين 25 شركة تابعه للحكومة حققت 9 شركات فقط أرباحا عام 2009 مقابل 11 عام 2008 فيما بلغ عدد الشركات الخاسرة نحو 24 شركة بلغت خسائرها نحو ملياري جنيه.

وترى «بريميير» أن عزوف المزارعين عن زراعة القطن، كان سببه الأساسي التكلفة العالية لزراعة فدان القطن إضافة إلى غياب دور الدولة في الدعم والتمويل والأسمدة والتدريب.. مما جعل الفلاحين يفضلون زراعة محاصيل أخرى كالأرز والقمح والبرسيم وهى المحاصيل الأقل كلفة وتحقق عائدا أكبر.

وتؤكد أنه مما ساعد على تراجع هذه الزراعة ارتفاع إيجارات الأراضي التي تجاوزت 3000 جنيه للفدان الواحد بعد تحرير «عقود الإيجار» بين الملاك وأصحاب الأراضي والفلاحين مما زاد تكلفة زراعة القطن أمام ارتفاع الأسمدة والمبيدات.

ويذكر التقرير أن صادرات مصر من الغزل والنسيج والأقطان انخفضت بشكل كبير في العشر سنوات الماضية، حيث فقدت مصر أسواقها في أفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية بعد الغزو الصيني والهندي والأميركي لهذه الأسواق، فضلا عن ارتفاع جودة بعض هذه المنتجات.

وأشارت إلى تراجع الأسعار العالمية خلال فترة الأزمة المالية العالمية نتيجة ضعف الطلب وتأثير الأزمة المالية على إنفاق المستهلكين عالميا إضافة إلى تراجع العقود المستقبلية للقطن في أسواق السلع، مما جعل الأسعار تنحدر وبشكل قوى خلال الفترة من مايو (أيار) 2008 وحتى مايو 2009 فكان المحصول هو الأضعف منذ 10 سنوات مما أدى إلى خسائر للفلاحين حتى أنهم لم يجدوا من يشترى محصولهم.

ونبهت إلى أنه في ظل استمرار خسائر شركات الغزل والنسيج وتآكل رأسمالها رفضت البنوك تمويل شراء المحصول من الفلاحين لارتفاع مخاطره، مما كان سببا رئيسيا في ركود سوق التجارة الداخلية وعزوف الفلاحين عن زراعته.

وانتقدت تراجع إجمالي استثمارات القطاع العام في شركات الغزل وبينت أنه خلال الخمس سنوات الماضية بلغت تلك الاستثمارات 15 مليار جنيه في قطاعاته المختلفة وبلغ نصيب الشركة القابضة للغزل والنسيج منها 3.5 في المائة مما يمثل نحو 525 مليون جنيه فقط.

وطالب المحلل المالي في شركة «بريميير لتداول الأوراق المالية» أحمد إسماعيل، الحكومة المصرية بدعم أكثر لصناعة الغزل والنسيج في هذه المرحلة والاستفادة من توقعات بنمو الطلب العالمي على القطن المصري، لافتا إلى أن دور الحكومة ينحصر حاليا في تقديم الدعم على مستوى الصادرات فقط، على حين أنه يجب أن يمتد إلى التمويل وإعادة الاستثمار في القطاع، خاصة في ظل المنافسة العالمية الشرسة.

ويتوقع إسماعيل موسما ناجحا للقطن هذا العام الذي ينتهي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ويبدأ التسويق في يناير (كانون الثاني) كما يتنبأ بعودة الفلاحين لزراعة محصول القطن مرة أخرى بمصر بكثافة مستندا في ذلك إلى تراجع أسعار الذرة والأرز ومواصلة ارتفاع أسعار القطن المصري عالميا حيث كما أشار إلى أنه من المتوقع أن يكون إجمالي تصدير هذا الموسم نحو 90 ألف طن بزيادة 12 في المائة عن الماضي الذي بلغ 80 ألف طن تقريبا.

ويضيف إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك سيؤدي إلى انتعاش ربحية شركات الحليج وتجار القطن المصري لارتفاع الأسعار وتعافي التصدير، ومن الممكن أن يمتد الأثر إلى محصول عام 2011. وتذكر بيانات رسمية لوزارة الزراعة أن مصر تسعى حاليا إلى وضع خطة لزيادة مساحات زراعة القطن خلال الموسم المقبل والوصول بمساحته إلى 379 ألف فدان بدلا من 284 ألف فدان العام الحالي. يشار هنا إلى أن مصر كانت تزرع في فترة الستينات 2.2 مليون فدان من القطن مدعومة بشراء الدولة المحصول بسعر ثابت.

وقدرت هيئة تحكيم واختبارات القطن بالإسكندرية في تقريرها الأخير إجمالي ما تم التعاقد على تصديره من الأقطان المصرية بمختلف أصنافها للأسواق العالمية مع نهاية الأسبوع الرابع من الموسم التصديري الجديد للقطن 2010 - 2011 بنحو 373 ألفا و440 قنطار قطن لتلبية احتياجات 16 دولة من مختلف دول العالم وتقدر القيمة المتوقع تحصيلها من تلك التعاقدات بنحو 59 مليون دولار.

ويأمل زراع لمحصول القطن أن تهتم الدولة بشكل أكثر بهذا المحصول الذي نجح في كسب ثقة الدول الكبرى ويتمتع بثقة عالمية منذ بدأت مصر زراعته.

وتقول بيانات «اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن بمصر» في تقرير لها إن زراعة القطن بدأت في مصر منذ عهد قدماء المصريين حيث اكتشفت بذوره في إحدى مقابر طيبة، وانتشرت زراعته في العصور البطلمية والرومانية حتى أن مصر كانت تصدر المنسوجات القطنية إلى روما.