غسيل بالديزل

TT

كنا أربعة زملاء ضمن عشاء، شرق السعودية، في مطعم «السنبوك» بدأنا نتجاذب أطراف الحديث وعرج كل منا على سيرته الذاتية، بدءا بخطواته الأولى. قال أحدنا: بدأت حياتي سائقا لشاحنة صغيرة، علق عليه صديقي عبد الله البراك يعني تريلّا، أجابه: لا، هي نصف تريلّا وتدعى (أم حديجان). بهذه البساطة وبكل تواضع وبشفافية عالية لم يستغل المتحدث الحديث لمصلحته، بل ذكر بداياته بمصداقية تتجاوز كل الحدود.

يقول المتحدث: بدأت أجوب السعودية بنصف الشاحنة حتى تطورت لأمتلك شاحنة ذهبت لشمال وجنوب وغرب وشرق السعودية، طلبا للرزق. قادتني شاحنتي ورزقي للعمل في مدينة جازان، وكنا نتجمع نحن سائقي الشاحنات لانتظار إفراغ حمولتنا، وكان المقاول قد وضع غرفة بها مكيف، ولكنها تكتظ بالسائقين مما يجعل رائحتها لا تطاق، فكنت لا أستطيع النوم بها وإذا خرجت للخارج فأنا أيضا لا أستطيع النوم من كثرة البعوض. فجأة رأيت أحد السائقين الهنود ينام على ظهر شاحنته غير عابئ بالبعوض، تسلقت على ظهر شاحنته وطلبت منه أن يخبرني بسر نومه في الخارج دون أن يوذيه البعوض فقال لي أخبرك شرط أن تغسل شاحنتي يوم غد. يقول المتحدث اتفقت أنا وإياه فقال السائق الهندي إنني أغسل ملابسي قبل النوم بقليل من الديزل.

يقول المتحدث: ضحكت وهبطت إلى الأرض من على ظهر الشاحنة وغسلت ملابسي بقليل من الديزل أعقبته بكثير من الماء نمت تلك الليلة دون أن أشعر بوخز بعوضة، استيقظت صباحا وكان أول عمل أمارسه هو الوفاء بما التزمت به وهو غسل شاحنة السائق الهندي.

وكما هي العادة، فإن السائقين يتنقلون من مكان إلى آخر، غادر السائق الهندي وبقيت في جازان أنتظر إفراغ حمولتي وبدأت أسوق لهذا الاختراع لقاء غسل شاحنتي. ثم يضيف مرت الأيام والسنون وملكت أسطولا مررت في إحدى المرات على شاحنة منه تعرضت لحادث ولم ألتفت إليها وكان معي بعض من أقاربي وكنا ذاهبين من الدمام إلى مدينة الرياض لحضور حفل زفاف بعد أن قطعنا مائة كيلو متر، قال أقاربي: لعلك لم تر الشاحنة المصابة بحادث والتابعة لك، أجبتهم: بل عرفتها من خلال الشعار ولكن هناك عملا منظما يقوم به موظفو المؤسسة ولا يلجأون إلي إلا في أضيق نطاق. سبحان مغير الأحوال، من قائد لنصف شاحنة إلى مالك أسطول. أتعرفون من هو إنه عبد الرحمن العطيشان الذي شغل رئيس لجنة النقل في غرفة الشرقية ورئيس لجنة النقل الوطنية في مجلس الغرف السعودية. أقول للشباب: لا تستعجلوا، بل اصبروا وكدوا فستنالون ما ناله غيركم بالصبر والاجتهاد. ودمتم

* كاتب اقتصادي