أميركا: اتهامات لمسؤولي المصارف بتجاهل مؤشرات خطر الرهن العقاري

مع تنامي الجدل حول أساليب البنوك في حجز المساكن من المقترضين المتأخرين عن السداد

المحامي بيتر تكتن أمام آلاف الوثائق القانونية الخاصة بقضايا الرهن العقاري (أ.ب)
TT

داخل «جيه بي مورغان تشيس آند كمباني»، تعرضوا للسخرية باعتبارهم «أطفال بيرغر كينغ» - أشخاص عديمو الخبرة إلى درجة تجعلهم يفهمون بالكاد ماذا يعني الرهن العقاري.

داخل «سيتي غروب» و«جي إم إيه سي»، جرى نقل مسؤولية التعامل مع الأعمال الروتينية المتعلقة بإجراءات حبس الرهن إلى عاملين منهكين كانوا أحيانا يلقون بالأعمال الورقية إلى سلة المهملات.

وعمل عدد من الموظفين لدى «ليتون لون سيرفيسنغ»، إحدى أذرع «غولدمان ساكس»، على التعامل مع وثائق حبس الرهن بسرعة بالغة إلى درجة أنهم توافر لديهم بالكاد وقت يسمح بالنظر إلى ما كانوا يوقعون عليه.

العام الماضي، اعترف أحد موظفي الشركة بقوله: «لا أدري مدخلات ومخرجات القرض، فلست مسؤولا عن شؤون القروض».

ومع تنامي الغضب إزاء جهود المقرضين للالتفاف على القواعد القانونية في خضم حماسهم لاستعادة المنازل من المقترضين المتأخرين عن السداد، تصر هذه المصارف وغيرها على أنها انسحقت تحت وطأة الانهيار العقاري. إلا أن مقابلات أجريت مع موظفين مصرفيين ومسؤولين تنفيذيين ومنظمين فيدراليين توحي بأن هذه الفوضى أخذت تتشكل على امتداد سنوات، ولم تشكل مفاجأة للمطلعين على بواطن الصناعة المصرفية ومسؤولين حكوميين. واكتسبت القضية أهمية جديدة، الأربعاء، عندما أعلن جميع النواب العموميين بالولايات الخمسين إجراءهم تحقيقا بشأن ممارسات حبس الرهن. وجاءت هذه الأنباء في ذات اليوم الذي اعترفت فيه «جيه بي مورغان تشيس» بعدم استخدامها أكبر نظام إلكتروني للرهن العقاري على مستوى البلاد، «ميرز» (MERS)، منذ عام 2008.

وقد اعتبر هذا النظام معيبا بسبب فقدانه وثائق وحدوث إخفاقات أخرى في إطاره.

تعود جذور المشكلات الراهنة إلى سنوات الازدهار، عندما شهدت أسعار المنازل ارتفاعا شديدا وسعت المصارف لجني أرباح، مع توجيهها اهتماما أقل بمجال خدمة الرهن العقاري، أو جمع ومعالجة الأقساط الشهرية من مالكي المنازل.

وأنفقت مصارف مليارات الدولارات في أوقات الرخاء لبناء آلات رهن عقاري ضخمة قدمت قروضا جديدة وجمعتها في أوراق مالية وباعتها كاستثمارات بمختلف أرجاء العالم. أما الخدمات على المستوى الأدنى فلم يجر التفكير بها إلا لاحقا. وحتى بعد بدء تفجر الفقاعة العقارية، استمر عمل الكثير من هذه العمليات من دون أن تحظى بعدد كاف من العاملين وبالاعتماد على تقنيات عفا عليها الدهر، رغم تحذيرات مسؤولي التنظيم.

وعندما بدأ المقترضون يعجزون عن السداد بالجملة، وجدت المصارف نفسها في دائرة لا نهاية لها من محاولة اللحاق بهم وتعقبهم، وعجزت عن تخصيص قوة بشرية كافية لجهود تعديل أو تخفيف حدة شروط القروض الخاصة بملايين العملاء جراء خسارة منازلهم. والآن، لم تعد المصارف مجهزة بما يسمح لها بالتعامل مع عملية حبس الرهن.

عن ذلك، قالت شيلا سي. بير، رئيسة «شركة التأمين على الودائع الفيدرالية»، وهي واحدة من أوائل المسؤولين الحكوميين الذين دعوا الصناعة المصرفية للتحرك حيال القضية: «لقد انتظرنا وانتظرنا وانتظرنا لإجراء تعديلات واسعة النطاق على القروض. إنهم لم يتناولوا قط المشكلات التي أسفرت عن أزمة الرهن العقاري، وإنما عمدوا دوما إلى الحط من خطورتها».

في الأسابيع الأخيرة، أثار الكشف عن أن المسؤولين عن خدمة الرهن العقاري أخفقوا في توثيق مصادرة وبيع عشرات الآلاف من المنازل، موجة من الغضب العام ودفع مقرضين مثل «بنك أوف أميركا» و«جيه بي مورغان تشيس» و«ألي بنك»، الذي يملكه «جي إم إيه سي» إلى وقف عمليات حبس الرهن في الكثير من الولايات.

وحتى قبل اشتعال موجة الغضب العام، شرع الكثير من المصارف في نقل موظفين إلى وحدات خدمة الرهن العقاري وعززت هذه المصارف من معدلات التوظيف لديها. مثلا، ضاعفت «ويلز فارغو» تقريبا من أعداد العاملين بوحدة تعديل الرهن العقاري على مدار العام الماضي، ليصلوا إلى قرابة 17000 فرد، بينما أضافت «سيتي غروب» قرابة 2000 موظف جديد لهذه الوحدة منذ عام 2007، لترفع عدد العاملين بها إلى 5000.

من ناحيته، قال مارك رودجرز، المتحدث الرسمي باسم «سيتي غروب»: «نعتقد أننا استجبنا جيدا إلى حاجة زيادة العمالة لتلبية حجم الأعمال المتزايد».

وأعرب بعض المسؤولين التنفيذيين بالصناعة المصرفية عن التزامهم بمساعدة مالكي المنازل، لكنهم اعترفوا بأن تحركاتهم إنما هي تجاه زيادة أعداد العاملين. في هذا الصدد، قال مايكل جيه. هيد، رئيس «ويلز فارغو هوم مورتجيدج»: «عند النظر إلى الخلف، يتضح أننا كنا بطيئين في تناولنا هذه القضية. وعندما تفكر في تكاليف إضافة 10000 موظف، يبدو ذلك استثمارا كبيرا في الوقت والمال، علاوة على الحاجة إلى حواسب آلية وتدريب وتغيير أنظمة».

وأشار مسؤولون آخرون إلى أنه في الوقت الذي بدأت فيه إجراءات حبس الرهن في التزايد الشديد عام 2007، لم يكن بمقدور أحد تخيل مدى سرعة وصولها إلى المستوى الحالي. اليوم، أصبح نحو 11.5 في المائة من المقترضين عاجزين عن السداد، بارتفاع عن 5.7 في المائة عن عامين سابقين.

وأوضح جيم ميلتون، الذي سبق له تولي الإشراف على وحدات خدمة الرهن العقاري بالنسبة إلى المقترضين المتعثرين في «سيتي غروب»، و«جيه بي مورغان تشيس آند كمباني»، و«كابيتول وان»، أن «الأنظمة لم تكن قط ضخمة منذ البداية، لكن لم نعاين تعرضها لمثل هذا القدر من الضغوط من قبل. لا أعتقد أن أحدا توقع تردي هذا الأمر إلى هذا المستوى السيئ».

بين عشية وضحاها تقريبا، تحول ما كان يبدو أنه عمل روتيني يعتمد على موظفين من أصحاب شهادة التعليم الثانوي إلى معالجة شهرية للأقساط الشهرية اللازمة على نحو يمكن من التوصل إلى حل لمشكلات مالكي المنازل. من ناحيته، شبه غريغوري هيبنر، رئيس «إم أو إس غروب»، وهي شركة تعديل قروض بكاليفورنيا تعمل بصورة وثيقة مع شركات الخدمة، الأمر بتحويل أحد أفرع سلة محال «ماكدونالدز» إلى معمل لاختبار الأطعمة والمشروبات والحكم عليها. وقال: «يبدو الأمر وكأنك في مطاردة لا تنتهي أبدا بلحاقك بما تطارده».

ومما زاد الأوضاع سوءا أن المصارف لم يتوافر لديها سوى حوافز ضئيلة للاستثمار في عمليات الخدمة لديها، حسبما اعترف الكثير من المسؤولين التنفيذيين السابقين. إن الرهن العقاري يثمر أجرا سنويا يكافئ نحو 0.25 في المائة فقط من إجمالي قيمة القرض، أو نحو 500 دولار سنويا بالنسبة إلى رهن بقيمة 200000 دولار. ويتبخر هذا العائد بمجرد أن يصبح القرض متأخرا عن السداد، بينما تكلفة حبس الرهن يمكنها الوصول بسهولة إلى 2500 دولار والتهام الأرباح الهزيلة المترتبة على التعامل مع القروض الصحية.

من جانبه، قال تاجبيندرا، الذي تولى الإشراف على وحدة خدمة الرهن العقاري الضخمة داخل «واشنطن ميوتشوال» بين عامي 2004 و2006: «الاستثمار في الأفراد والتدريب والتقنية جميعها يكلف الكثير من المال، في وقت لا تتوافر فيه حوافز لزيادة أعداد العاملين».

حتى عندما بدأت المصارف في تعيين مزيد من العمالة للكم الهائل من حالات العجز عن السداد، غالبا ما تحولت نحو الاعتماد على عاملين يتسمون بالقدر الأدنى من المؤهلات أو الخبرة العملية، وهم موظفون وصفهم مسؤول تنفيذي سابق لدى «جيه بي مورغان» بأنهم «أطفال بيرغر كينغ». في الكثير من الحالات، نقلت المصارف مسؤولية التعامل مع عمليات حبس الرهن إلى شركات محاماة مثل «ديفيد جيه. سترن» في فلوريدا، التي خدمت عملاء مثل «سيتي غروب» و«جي إم إيه سي» وآخرين. واستعانت شركة «ديفيد جيه. سترن» بدورها بشركات في الفلبين وغيرها للمساعدة.

وكانت نتيجة ذلك حالة من الفوضى، حسبما قالت تامي لو كابوستا، موظفة سابقة لدى «ديفيد جيه. سترن» أطاح بها مكتب النائب العام في فلوريدا الشهر الماضي. وأضافت: «كانت الفتيات يقدمن إلى المكاتب غير مدركات لما يقمن به. وكان يجري وضع قضايا الرهن العقاري في ملفات مختلفة أو إلقاؤها بعيدا. لم يكن هناك تنظيم حقيقي في التعامل مع الوثائق الأصلية».

يذكر أن «سيتي غروب» و«جي إم إيه سي» أعلنتا توقفهما عن توكيل «ديفيد جيه. سترن» في القيام بأي أعمال.

في بعض الحالات، فإن الخطوات التي كان يفترض أنها تخفف من وطأة الوضع، مثل البرنامج الفيدرالي الرامي إلى مساعدة أصحاب المنازل على تعديل شروط الرهون العقارية التي حصلوا عليها لتقليل ديونهم، أسهمت فعليا في تفاقم الفوضى. وتشكو شركات خدمة القروض من أن المتطلبات البيروقراطية تتغير باستمرار من جانب واشنطن، مما يجبرها على إصلاح عملية بالغة التعقيد تتضمن نحو 250 خطوة.

* خدمة «نيويورك تايمز»